18 أغسطس 2022

استشارية جراحة عامة د. تغريد المحميد: أكرس وقتي لخدمة المرضى

محررة في مجلة كل الأسرة

استشارية جراحة عامة د. تغريد المحميد: أكرس وقتي لخدمة المرضى

تحرص الدكتورة تغريد المحميد، استشارية جراحة عامة في مستشفى الزهراء بدبي واختصاصية في جراحة الثدي، على متابعة مرضاها والتواصل معهم والاطمئنان إليهم ولا تغفل أن تواكب فصول حزنهم، وحتى أنها قد تؤجل خبر اكتشاف إصابتهم بالسرطان ضمن أجندة تحاكي مشاعرهم وظروف تقبلهم للخبر.

تستكمل اليوم عملها بخبرة تزاوج بين العمل المتقن والمشاعر المرهفة لدرجة قد تصل بها إلى عدم القدرة عن الفصل بين عملها وواقع المرضى الذين تكتشف إصابتهم بالسرطان.

نرصد عوالم نشأتها، تخصصها وبصمتها في المجال الأصعب وهو الجراحة، وكيفية تعاملها مع الضغوط ومع حالات إصابة بالسرطان في مراحله الأخيرة.

د. تغريد المحميد استشارية جراحة عامة

نشأتك في عائلة تمارس الطب كانت حافزاً لك لخوض ميدان الطب أم هو شغف متجذر؟

بصراحة، نشأتي في عائلة تمارس الطب كانت دافعاً كبيراً لخوض غمار هذا المجال. منذ طفولتي، كنت أميل دوماً للألعاب التي لها علاقة بمجال الطب وأذكر أن ثمة لعبة كنا نلعبها مع أخي (الدكتور وائل المحميد) وصديقاتي ونحن صغار ويطلق عليها اسم «operation» وكانت من أكثر الألعاب المفضلة عندي. كانت فكرة اللعبة تقوم على وجود غرفة عمليات وكنا نستخدم الملقط لإخراج الأحشاء والأعضاء وإعادتها مرة أخرى. ويبدو أن مهنة الجراحة كانت تسري في دمي مذ كنت صغيرة حيث كنت أنجح في المهمة-اللعبة في غالب الأحيان.

جدك عبدالوارث كبير كان سكرتير تحرير مجلة العربي، في ظل ما اتسمت هذه الفترة من تاريخ وأفكار وأحلام ما الأثر الذي تركه في تكوينك النفسي والفكري؟

توفي جدي عبدالوارث كبير وأنا طفلة ولكني كبرت على القصص التي أسمعها وعلى كل تاريخه وعلى كل ما أنجزه خلال حياته، وكنت أسمع دوماً عن مراحل تأسيس المجلة والإنجاز الذي قام به في مجال الصحافة، وهذا الأمر رسخّ عندي عزيمة وطموحاً أن أكبر وأكون مثله.

الضغط النفسي والعصبي يقلّل المناعة ومن الممكن أن يضاعف الفرصة للإصابة بأمراض كثيرة

ما الذي قادك إلى مجال الجراحة تحديداً؟

بعد أن تخرجت، زرت الأقسام كلها ودخلت غرفة الجراحة والطبيب الجراح كان معي وأوكل لي إجراء عملية الفتاق وكانت عملية ناجحة، ما شكل لدي حافزاً للتخصص في هذا المجال وأعادني، كما سبق وأسلفت، إلى مرحلة الطفولة عندما كنت ألعب دور الجرّاح وكانت لعبتي المفضلة.

وهل من روتين تتبعينه لمواجهة الضغط اليومي قبل دخولك غرفة العمليات وبعده؟

في الحقيقة، قبل الدخول إلى غرفة العمليات لا أواجه أي ضغوط لأن كل ما يشغل بالي في تلك اللحظة وأفكر فيه هو نجاح العملية حيث أدرس حالة المريض والإجراء الواجب القيام به خلال العملية. وبعد خروجي من غرفة العمليات، أتأكد وأتيقن بقيامي بكل متطلبات العمل الجراحي في إنجاح العملية، وبالتالي بعدها لا يكون لدي أي ضغط لأني مطمئنة لأداء واجبي على أتم وجه ودون أي تقصير. بشكل عام، أتبع روتينا أسبوعياً وأحرص عليه خلال ضغط العمليات. عندما تسنح الفرصة، أخرج للسير على شاطئ البحر كما أواظب على نمط حياة صحي يشعرني بالراحة، في خضم ضغوط الحياة التي نمر بها كلنا حيث أمارس اليوغا أو المشي أو أي رياضة خفيفة.

إلى أي مدى تجدين أن الضغط النفسي والعصبي قد رفع عدد الإصابات بالسرطان؟

فعلياً، الضغط النفسي والعصبي يقلّل المناعة ومن الممكن أن يضاعف الفرصة للإصابة بأمراض كثيرة لا تنحصر بالسرطان، وبالتالي سرعة التشافي تكون أثقل وتستغرق وقتاً طويلاً.

 د. تغريد المحميد

عملت في دول عدة سواء كأمريكا وكندا، ما الذي تعلمته من سنوات الغربة؟ وما السلوكيات التي استقيتها عبر تماسك اليومي مع الأفراد هناك؟

عشت في أمريكا وكندا واستفدت من هذه الفترة كثيراً. فالغربة علمتني كيف أكون مسؤولة وأعتمد اعتماداً كلياً على نفسي كوني بمفردي ولا أحد حولي، وهذا كان التحدي الأول لي في الغربة، وبعد فترة باتت إدارة حياتي اليومية بنفسي أمراً ممتعاً. وعلى صعيد السلوكيات، من أجمل الأشياء التي تعلمتها كانت أهمية الوقت، لكوني خلال اليوم مطالبة بإجراء عدد كبير من العمليات وهذا الأمر يقودني إلى التنبه للوقت الذي أنهي خلاله العملية وتزامن انتهائها مع العملية التي تليها وبقية اليوم. احترام الوقت من أهم الأشياء التي اكتسبتها في الغربة كون الوقت عنصراً مهماً جداً ومحورياً في حياتهم اليومية كما كنا نعمل كفريق عمل موحد ونتشارك خبراتنا وكانت روح العمل الجماعي مرتكزاً لنتعلم ونستشير الأكثر خبرة منا ونتعاون في مختلف الأقسام.

ما البصمة التي طبعتها د.تغريد المحميد في مجال الطب؟ وكيف ترصدين لنا يومياتك خلال جائحة «كورونا»؟

فخورة كوني إحدى الطبيبات القليلات التي تستخدم تقنية جهاز «Radar reflector» لتحديد مكان الورم السرطاني بدقّة، وهذا الأمر يساعد في إنجاح العمليات بشكل كبير جداً عن قبل. وبالنسبة ليومياتي خلال جائحة «كورونا» وبسبب طبيعة عملي كجراحة، كنت أذهب للعيادة وأعاين المرضى وأقوم بعمليات طارئة، إلى جانب فترات كنا نقضيها في المنزل بحكم عدم استئناف حياتنا الطبيعية في تلك الفترة في ظل جائحة «كوفيد- 19»، فكنت أعمد إلى القراءة من أجل التخفيف من حدّة التوتر الذي كان يعيشه العالم حولي.

ما أصعب حالة سرطان عالجتها ولم تزل تعانق ذاكرتك كونها تركت أثراً فيك؟

بالطبع هناك الكثير من الحالات ولكن ما أركز عليه هو التخفيف عن المريض بحيث نؤكد له أننا نقوم بكل ما نستطيع القيام به لشفائه وإشعاره بالراحة والطمأنينة. كان هناك مريض مصاب بسرطان البروستات وكان إيجابياً على مدى رحلة علاجه ولكنه توفي وصادف أن قصدتني زوجته للمعاينة وتبين أنها تعاني من سرطان المبيض وصدرت نتائج الفحوص في اليوم نفسه الذي توفي الزوج. لا أنسى هذا الموقف حيث كان من الصعوبة بمكان إخبار الزوجة بوضعها. كان موقفاً صعباً أن أخبرها بوضعها ولم يمض على وفاة الزوج إلا ساعات وكانت تحتاج للعلاج الكيميائي والتدخل الجراحي ولكني أجلت الموضوع يومين وانتظرت لما بعد الدفن تفادياً لانهيارها بالكامل.

حالة أخرى أثرت بي كانت لمريضة تبلغ من العمر 30 عاماً وكانت أماً لأربعة أطفال وكانت ترضع طفلها الأخير عندما اكتشفت كتلة في الثدي وكانت تعتقد أنها كتلة حليبية ولكن للأسف تبين أنها كتلة سرطانية. هذا الموقف أثر في وبالأخص أن الورم كان نشطاً وكان من الصعب أن أخبرها بالموضوع.

وهل تصطحبين كل هذه المآسي والأحزان معك إلى البيت؟

أحاول الفصل بين مهنتي والحالات التي أعايشها، ولكن في بعض المرات أعجز عن هذا الفصل لأني أشعر بالمرضى وأكون على تواصل معهم وأسأل عنهم وأطمئن أنهم بخير وأسعى إلى مساعدتهم بكل السبل المتاحة لدي. أحاول أن أفصل أحياناً وأتمنى أن أغلق هاتفي ولكني أفشل في فعل ذلك وتجدني منغمسة في التفاصيل معهم سواء عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، وحتى قد أقصد المختبر للاطلاع على نتيجة فحوصهم بنفسي وإعلامهم بالنتيجة. أحب أن أسافر كثيراً ولكن في الفترة الأخيرة أثرت جائحة «كورونا» على توجهاتي، وفي الوقت نفسه لا أحب الابتعاد عن مرضاي كوني أشعر أنهم يعتمدون علي في كل شيء، وحتى عندما أسافر أبقى على تماس مع مرضاي ولا أغلق هاتفي وأرد على اتصالاتهم ورسائلهم الإلكترونية وحتى تفاصيل التفاصيل عن مرضهم.. كما ترين ليس لدي حياة اجتماعية ولا شخصية. قد أفكر بالسفر في أي مناسبة إلى تركيا أو لندن وقد أفكر بإغلاق هاتفي (تضحك).

أقول لكل امرأة إماراتية إن مهنة الطب هي مهنة ضرورية ومهمة لمجتمعك ووطنك وتعتبر من أنبل المهن

بعد خبرة نحو 30 عاماً في مجال الطب، كيف تواكبين الحضور النسوي في هذا المجال؟ وما الرسالة التي توجهينها للمرأة الإماراتية ؟

تثبت المرأة الإماراتية حضورها في مجال الطب ولكن العدد ما زال منخفضاً في مجال الجراحة لأنه مجال صعب، وتواجه المرأة تحديات في التنسيق بين العمل ومهام الأسرة والمنزل. ومقارنة مع بداية مسيرتي الطبية إلى اليوم، أتلمس حضوراً نسائياً متزايداً في هذا الميدان أكثر فأكثر، ما يؤكد حضور المرأة، وهذا الأمر يترك أثره الإيجابي كونه يلبي حاجة المجتمع بالذات في الوطن العربي وفي بلادنا وبالأخص أن طبيعة المجتمع تقوم على كون السيدات يفضلن الطبيبة النسائية سواء كانت جراحة أو طبيبة عامة أو في أي من المجالات. وأقول لكل امرأة إماراتية إن مهنة الطب هي مهنة ضرورية ومهمة لمجتمعك ووطنك وتعتبر من أنبل المهن، وهذا يؤكد أهمية وجود طبيبات وفي كل المجالات الطبية.

رسالة تحفيز لنفسك

الرسالة التي أرددها لنفسي هي أن الله سبحانه وتعالى وضعني أو قادني إلى مجال الجراحة ووضعني في هذا المكان لأساعد المجتمع وأشعر أن هذا دوري في الحياة.

*تصوير: السيد رمضان