تمتلئ القاهرة بالقصور التاريخية التي عاش أصحابها حياتهم في حقب زمنية متباينة من تاريخ مصر. ولكل قصر من هذه القصور قصة فريدة تود جدرانها لو ترويها إن استطاعت؛ ومن هذه تلك القصور، قصر "عائشة فهمي "بحي الزمالك الراقي في القاهرة، وهو قصر فخم يطل بشرفاته الوردية وطرازه الأوروبي المميز مباشرةً على شاطئ نهر النيل.
فمن هي عائشة فهمي؟ وكيف آلت ملكية القصر إليها؟ وما قصة الحب التي شهدها القصر وانتهت بقتل أحد طرفيها؟
مالك القصر الأصلي هو علي باشا فهمي
كان علي باشا فهمي – صاحب القصر- ينتمي إلى أسرة أرستقراطية، حيث كان والده فهمي باشا هو كبير ياوران الملك فؤاد الأول ومن أثرى أثرياء مصر في ذلك الوقت.
وفي عام 1907، كلّف علي باشا فهمي المهندس المعماري الإيطالي الشهير أنطونيو لاشاك، الذي قام ببناء عدة قصور للأسرة المالكة في ذاك الوقت، ببناء قصر فخم ليسكن فيه على ضفاف نهر النيل بالزمالك.
قصة حب أدت إلى مقتل الباشا
علي باشا فهمي
وقع علي فهمي باشا في حب امرأة فرنسية من وسط اجتماعي متواضع، تُدعى "مارغريت ميللر"، وقرر ترك وطنه وأسرته وأملاكه واللحاق بها إلى باريس للزواج منها. وبالفعل ، سافر للزواج منها، إلا أن صدمته كانت كبيرة عندما اكتشف أنها تعيش نمط حياة منفتح للغاية لن يسعه أبداً اعتياده أو تحمله، فعانى الكثير من غيرته الشديدة عليها.
وفي إحدى الليالي وأثناء مشادة حامية بينهما واجه علي باشا زوجته فيها بشكوكه في خيانتها له، أمسكت زوجته بمسدسها وأطلقت على رأسه ثلاث رصاصات لترديه قتيلاً على الفور.
وعلى الرغم من ثبوت كل الأدلة الجنائية في حق الزوجة القاتلة، إلا أن القاضي تعاطف معها بحجة تزمُت الرجل الشرقي وعدم تفهمه أساليب الحياة الأوروبية، وحكم ببراءتها.
عائشة فهمي تشتري القصر بعد وفاة أخيها
عائشة فهمي
بعد مقتل علي باشا فهمي، آلت ملكية القصر إلى شقيقاته الأربع ومن بينهن شقيقته عائشة هانم فهمي، التي قامت بشراء نصيب أخواتها في القصر ليصبح ملكاً لها في مايو من عام 1924، أي منذ ما يقرب من مئة عام مضت.
وقد دفعت عائشة هانم وقتها مبلغ 72 ألف جنيه لشراء القصر، وهو مبلغ باهظ للغاية بمقاييس هذا الوقت.
زواج عائشة فهمي من يوسف بك وهبي
تزوجت عائشة هانم فهمي ثلاث مرات، إلا أنها لم تجد السعادة التي كانت تبحث عنها ولم تنجب أطفالاً من أيٍ من أزواجها، حيث انتهت جميع زيجاتها بالطلاق. وكان أشهر أزواجها هو رائد المسرح العربي الفنان يوسف وهبي، الذي عاش معها في قصر الزمالك لعدة سنوات واستوحى قصة فيلم "أولاد الذوات" من قصة مقتل نسيبه علي باشا فهمي، وكان ذلك سبباً للخلاف بينه وبين زوجته.
القصر وإبداع معماري يفوق الخيال
يتكون القصر، الذي انتقلت ملكيته للحكومة المصرية عام 1964 وقامت وزارة الثقافة بتحويله إلى مجمع للفنون وفتحه أمام الزوار، من طابقين.
يضم الطابق الأرضي 6 غرف وردهة كبيرة يوجد في منتصفها تمثال يسمى "المفكر". وتوجد على الجهة اليمنى 3 غرف صيفية تتميز بإطلالة خلابة على النيل، ويُعرض في داخلها عدد من اللوحات الفنية الرائعة.
أما الغرف الثلاث الواقعة في الجهة اليسرى فهي غرف شتوية، من بينها غرفة الموسيقى بجدرانها الخضراء المرسومة، وغرفة البلياردو بمدافئها التراثية ونقوشها المبهرة في السقف وأرضياتها المصنوعة من الخشب الطبيعي المشغول.
أما في الطابق الثاني فتوجد الغرفة اليابانية الشهيرة التي أهداها السفير الياباني لعائشة فهمي عندما زارها في القصر، والتي تتميز جدرانها بنقوش باللغة اليابانية ومصابيح تراثية وعدة تماثيل مطلية بالذهب.
كما توجد بالطابق الثاني أيضاً غرف للنوم وغرفة الملابس الخاصة بعائشة فهمي، وحمامات توجد بها سخانات تعمل بالغاز الطبيعي، على الرغم من صعوبة إدخال الغاز للبيوت في ذلك العصر، مما يشير إلى الرفاهية التامة التي كانت صاحبة القصر تتمتع بها.