11 سبتمبر 2022

فاطمة الكندي: الأسرة مفتاح التميز والبيئة الحاضنة للنجاح

محررة في مجلة كل الأسرة

فاطمة الكندي: الأسرة مفتاح التميز والبيئة الحاضنة للنجاح

نجاحها في التعامل مع الحالات الإنسانية واستيعاب مشكلاتها لم يكن وليد مرحلة عملية؛ بل كان لنشأتها الأثر الطيب في اكتسابها مهارات الحياة دون مجهود، اشتهرت بين صديقات وزميلات الدراسة بالقدرة على الإنصات لمشاكلهن البسيطة ومحاولة تقديم المساعدة لهن على الرغم من خبرتها المحدودة، فكانت تتصف، على الرغم من صغر سنها آنذاك ، بأنها صاحبة أذن مصغية وقلب رقيق، وساعدها ذلك كله في بلورة أفكارها وتوجهاتها نحو مجال العمل الذي تماهى مع طبيعة شخصيتها.

هي فاطمة الكندي، رئيسة قسم الدعم الاجتماعي في الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي، التقيناها لنتعرّف منها إلى طبيعة عملها ونكشف مكنون أسرار شخصيتها:

فاطمة الكندي: الأسرة مفتاح التميز والبيئة الحاضنة للنجاح

تُعدّين من أولى رائدات العمل الاجتماعي في شرطة دبي، حدثينا عن البدايات ودوركِ في تأسيس قسم الدعم الاجتماعي فيها.

تمتاز شرطة دبي بامتلاكها كوادر وقيادات وطنية صاحبة رؤية ثاقبة تستشرف المستقبل بشكل واعٍ ومدروس، فعندما التحقت بالعمل بها عقب تخرّجي في الجامعة عام 1999، وجدت تفهّم الفريق ضاحي خلفان، القائد العام لشرطة دبي آنذاك، لدور الشرطة في خدمات العمل الاجتماعي وجانب حقوق الإنسان والأمن، وأنها كلها عوامل متداخلة ولا تنفصل أبداً. وأتذكر كلمته في ذلك الوقت عندما أخبرني بأن هذه المجالات مقتصرة على المدارس والمستشفيات، أما أن يكون لها دور في مؤسسة شرطية فهذا يعد شيئاً مهماً وسيُحدث نقلة كبيرة في هذا المجال، ليرحب بفكرتي ويمنحني شرف تأسيس قسم الدعم الاجتماعي، والحمد لله استطعنا أن نكون نموذجاً يُحتذى لمؤسسات شرطية أخرى تدخل العمل الاجتماعي ضمن عملها، وسار على النهج الراحل الفريق خميس مطر المزينة، القائد العام السابق، رحمه الله، ومن بعد ذلك الفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي، ليس هذا فقط؛ بل جاءتنا زيارات من دول خليجية وعربية لتنقل تجربتنا لمؤسساتها الشرطية وتستفيد منها.

التغير المتسارع في الحياة أفرز العديد من المشكلات الأسرية

هل اختلفت القضايا الأسرية التي تعرض عليكم الآن عن السابق؟

بطبيعة الحال، المجتمع يتطور يوماً بعد الآخر، ويتبع ذلك تغير في المشكلات الأسرية، كما يسهم تطور المجالات المختلفة في تشعب القضايا والخلافات. فعلى سبيل المثال، أدت الثورة التكنولوجية التي لا ننكر إيجابياتها، إلى إفراز العديد من السلبيات التي أثرت بشكل كبير في الأسر، فالمشكلات الأسرية التي كنا نناقشها منذ قرابة 20 عاماً، وقت افتتاح قسم الدعم الاجتماعي، اختلفت كثيراً عن الوضع الآن.

كنتِ ضمن الأيادي البيضاء التي أسست برنامجاً إنسانياً يعد الأول من نوعه لرعاية المسنين، فما الدعم الذي تقدّمونه لهم وما طبيعة دوركم فيه؟
في عام 2003 كنت ضمن فريق عمل أسس برنامج «وبالوالدين إحساناً»، للعناية بالمسنين ممن ليس لهم عائل يرعاهم، وكان يغطي الجانب الأمني والاجتماعي، عن طريق إعطاء كل واحد جهازاً متصلاً بإدارة العمليات وفريق البرنامج لمتابعة حالته، وكان يمر عليهم طبيب بصفة دورية، كما كنا ننظم فعاليات وأنشطة يمارسونها، إضافة إلى تغطية الجانب المادي، ومع مرور الوقت أصبحت للمسنين إدارة خاصة تُعنى بتوفير احتياجاتهم النفسية والمعنوية.

فاطمة الكندي بعد فوزها بالمركز الأول بجائزة القائد في المجال التخصصي
فاطمة الكندي بعد فوزها بالمركز الأول بجائزة القائد في المجال التخصصي

تتمتعين بقدرة على الاستماع وخبرة كبيرة في التعامل مع الحالات الإنسانية والصعبة، فما هي القضايا التي تخصصين لها وقتاً أطول لحلها؟

ميزة الإنصات والإدراك الكامل للتفاصيل من متطلبات العملية الإرشادية الناجحة، فاستيعاب الحالة وتشخيصها بشكل صحيح؛ بل تقبلها كما هي، إلى جانب إحساس المختص بالمسؤولية، من مهارات العمل الاجتماعي الذي يسهم في تقديم العلاج الجذري لها. أما في ما يتعلق بأصحاب القضايا التي نخصص لها وقتاً أطول لحل مشاكلها، فالحقيقة أن كلاً منهم يأخذ حقه كاملاً، حتى عندما تتشابه المشكلات وليكن تحت مسمى النفقة فلا ننظر لها ككيان واحد؛ بل ندرس ملابساتها التي ربما تختلف عن نظيرتها بشكل يغير مسار حلها، فالهدف هو تعديل مسار الأسر نحو الطريق السليم ومتابعتها لاحقاً، حتى نتأكد من قيامنا بدورنا على أكمل وجه.

يقع بعض النساء ضحايا لقهر أزواجهن، وقد أشرتِ لمصطلح «دورة العنف» الذي تتعرض له المرأة، فهل لكِ أن تشرحين مقصدك منه؟

«دورة العنف» هي سلسلة متواصلة تتحدد مدتها الزمنية بمدى ثقافة ووعي وتربية وتنشئة الزوجة، وتقبلها للعنف الواقع عليها. ففي أول مرحلة تسمى النكران، فعند أول مرة يمارس الزوج هذا السلوك عليها تبرر فعلته بأنه موقف عابر ولن يتكرر، وفي المرحلة الثانية وهي الإحساس بالذنب، تلوم نفسها على أنها من تستحق الضرب وسوء المعاملة، وأن الخلل يكمن في شخصيتها؛ كونها لم تتمكن من أن تكون على قدر ما يتوقعه الزوج منها. أما الثالثة فتسمى مرحلة التنوير، وفيها تصل إلى مرحلة النضج، وتدرك أنه لا توجد مَن تستحق أن تهان، ومع حبها لزوجها يتولد لديها شعور بقيمة التغيير للأفضل، ولابد أن يتحسن الوضع. أما المرحلة الأخيرة فتسمى المسؤولية، فمع استمرار تعنيف شريك الحياة تعي أنه لن يتغير، فتقرر أن تنتفض وتثور لكرامتها وتبحث عن بداية جديدة، وهذه المراحل تتفاوت مدتها الزمنية، كما أشرتُ من قبل، حسب وعي وثقافة المرأة.

أسرتي لعبت دوراً في رسم ملامح شخصيتي وأهّلتني لأن أثبت ذاتي

هل لكِ أن تستعرضين تفاصيل إحدى الحالات لإيضاح تأثير «دورة العنف» تلك؟

جاءتني امرأة مر على زواجها 9 سنوات، وكانت تعاني العنف بطريقة مبالغ فيها، لدرجة أن زوجها تعدى عليها بالضرب ولم تمر على ولادتها أيام، وعندما تقدم والداها بدعوى الانفصال لدرء العنف عنها، طلبت أن أجلس معها على انفراد لأستمع إلى رغبتها وهل تريد الطلاق، وجدتها ترجوني بألا أكمل إجراءات الانفصال بحجة أنها تحب زوجها كثيراً، وهنا حاولت أن أطلعها على ما يترتب على ذلك واحترمت قرارها؛ كوننا نعمل ضمن مبادئ، منها حق تقرير المصير.

أشرتِ من قبل إلى أن الخلافات الأسرية تتصدر حالات الدعم الاجتماعي، فما الأسباب من وجهة نظركِ بناء على تواصلك مع الحالات؟

التغير المتسارع في الحياة وأثره في الفرد، أفرز العديد من المشكلات الأسرية التي لم تكن موجودة من قبل، كما أن جهل البعض لمواد القانون يعرّضهم للمساءلة، وكذلك يلعب عدم الإحساس بالمسؤولية عند أحد الزوجين دوراً في تأجيج كثير من الخلافات الأسرية.

فاطمة الكندي: الأسرة مفتاح التميز والبيئة الحاضنة للنجاح

كيف تتعاملون مع البلاغات الخاصة بالخلافات الزوجية التي تبدو بسيطة؟

بالفعل تردنا شكاوى بسيطة إلا أنها قد تشكّل أزمة لأصحابها، وهو ما يجعلنا نهتم بها، فأي خلاف سببه سوء فهم من أحد الطرفين، دورنا فيه تقديم النصح والإرشاد، وتحجيم هذا الخلاف، والعمل على إدراك حجم المشكلة بشكل صحيح حتى لا تتطور.

تأخذون على عاتقكم مسؤولية التعامل مع «الأحداث» في مرحلتي الأزمة والتعافي، حدّثينا عن الجهود التي تبذلونها في هذا الملف.

في بداية المشكلة تبدأ مرحلة الدراسة والتشخيص وتقديم العلاج بشكل مكثف يتماشى مع طبيعتها، أما مرحلة التعافي فكثير منها يستمر لفترة ونظل على تواصل مع الحالات إذا ما استدعى الأمر ذلك، ونقدّم لها الرعاية اللاحقة، بهدف الوقاية من الوقوع في نفس المشكلة.

مَن وراء هذه الشخصية الديناميكية التي تبحث عن التميز؟

الأسرة هي مفتاح تميز أي إنسان، وهي مَن توفر البيئة المناسبة للنجاح، وأسرتي لعبت دوراً في رسم ملامح شخصيتي وأهّلتني لأن أثبت ذاتي في هذا المجال، إلى جانب بيئة العمل المشجعة التي تكافئ الشخص على إنجازاته، فهناك من يتابع ويشجّع، وهو ما يجعل الموظف يثابر على الاجتهاد والتميز.

في ظل ضغوط العمل، هل هناك هواية تمارسينها؟

تأدية المهام والتركيز في العمل لساعات طويلة مع أناس متعبين ومنهكين من مشكلاتهم، تجعلني أعيش أجواء ملأى بالتوتر والضغوط، إلا أن تراكم الخبرة مع الوقت يسهم في تقليلها، وهو ما يجعلني أمارس هواياتي كالقراءة وتصميم الأزياء.

*تصوير: السيد رمضان