بعد انتهاء زواجه الأول بالطلاق من الملكة فريدة عام 1948، وضع الملك فاروق الأول شروطاً صارمة للعروس المحتملة التي ستصبح ملكةً على البلاد من بعد زوجته الأولى التي أحبها الشعب بكل طوائفه؛ فكان يجب أن تكون ابنةً وحيدة ليس لديها إخوة، وأن تتمتع بدماء مصرية أصيلة غير مختلطة، وأن تكون من الطبقة المتوسطة المرتفعة، وليس من طبقة النبلاء، وأن تكون صغيرة السن حتى تمنحه ولي العهد الذي طالما حلم به.
وبالفعل، وجد جواهري الأسرة المالكة العروس التي تُلبي كل تلك الشروط.. إنها ناريمان صادق.
من هي ناريمان صادق؟
وُلدت ناريمان حسين فهمي علي صادق يوم 31 أكتوبر 1933، لوالدها حسين صادق، وكيل وزارة المواصلات، ووالدتها أصيلة هانم كامل محمود، وذلك في فيلا والدها بحي مصر الجديدة بالقاهرة.
حاول والداها الإنجاب مرة أخرى ولكن لم يتمكنا من ذلك، فكبرت ناريمان طفلةً وحيدة تحظى باهتمام والديها الكامل، إلا أن ذلك الاهتمام تحول مع الوقت إلى خوف وقلق شديدين عليها، كونها ابنتهما الوحيدة، مما جعلهما يلحقانها بمدرسة حكومية ملاصقة للفيلا التي كانوا يقيمون فيها، بدلاً من إلحاقها بمدرسة خاصة بعيدة عن مقر إقامة العائلة.
تمت خطبتها الأولى وهي ابنة 16 عاماً
أكملت ناريمان تعليمها حتى المرحلة الثانوية فقط، وعندما أتمت عامها السادس عشر بدأ الخُطّاب يتوافدون على منزل الأسرة لخطبتها، لما عُرف عنها من جمالها ورقتها وأدبها الجم.
وتمت خطبتها بالفعل إلى محامٍ معروف هو الدكتور محمد زكي هاشم، وقامت الأسرتان بتحديد موعد الزفاف واتفقتا على موعد لشراء خاتم الزواج من متجر أحمد باشا نجيب، أحد أشهر تجار المجوهرات في القاهرة آنذاك، والجواهري الخاص بالأسرة المالكة.
ولكن.. كان للقدر كلمة أخرى
في اليوم الذي ذهبت فيه ناريمان لاختيار خاتم الزواج، تصادف وجود الملك فاروق في محل أحمد باشا نجيب.
ويقال إن الملك يومها أمر حراسه بالقيام ببعض المهام، لذلك عندما حضرت ناريمان وخطيبها لم يمنعهما أحد من الدخول، إلا أن أحمد باشا نجيب اندفع نحو باب المتجر حين رآهما وطلب منهما عدم الدخول، احتراماً لوجود الملك، الذي انتقل فوراً إلى حجرة خزائن المجوهرات الملحقة بالمحل، فلم تره ناريمان إلا أنه رآها من وراء الستار وأُعجب بها وطلب من أحمد باشا رقم هاتف منزلها.
اتصال القصر بوالد ناريمان
كان اتصال القصر بوالد ناريمان لتحديد موعد معه للقاء الملك مفاجأة صادمة للأب، الذي نزل عليه طلب الملك ليد ابنته كالصاعقة التي ألجمت لسانه فلم يعرف كيف يرد.
ماذا لو كانت هذه مجرد نزوة من نزوات الملك؟
وهل ستلاقي ابنته نفس مصير الملكة فريدة إن عجزت عن منح الملك ولي العهد الذي يريد؟
اعترى القلق والخوف الشديدان حسين صادق، إلا أن وقع الأمر كان مختلفاً تماماً على ناريمان ووالدتها أصيلة هانم، اللتين لم تستطيعا تمالك نفسيهما من السعادة.
ومع الضغط الهائل الذي مارسته كلتيهما على الأب، رضخ في النهاية، وصارح زكي هاشم، خطيب ناريمان، بالأم، فما كان منه إلا أن انسحب فوراً من الصورة مقدراً جسامة الموقف، وتم بالفعل فسخ الخطبة.
وفاة والد ناريمان بصورة مفاجئة
ظل والد ناريمان يعاني مخاوفه تجاه مصير ابنته ومعاناتها المحتملة بسبب هذا الزواج، حتى أنه فكر في الهروب بعائلته إلى خارج مصر، إلا أن المقربين منه حذروه من خطورة تلك الفكرة.
وظل الأب يرزح تحت وطأة هذا الصراع إلى أن أصيب بسكتة قلبية مفاجئة توفي على إثرها، وأقامت له الأسرة عزاءً مهيباً حضره الملك وجميع كبار رجال الدولة.
الخطبة الملكية والزواج
تمت الخطبة الملكية يوم 11 فبراير 1951، وكانت ناريمان في قمة السعادة، ورتب الملك لها أن تسافر إلى إيطاليا برفقة عمها لكي تتدرب على قواعد إتيكيت البلاط الملكي على يد الكونتيسة ليلى مارتلى، إحدى أكثر سيدات أوروبا ثقافةً وخبرةً في ذلك الوقت.
وبالفعل عادت ناريمان إلى مصر بعد ستة أشهر ليتم الزواج الملكي يوم 6 مايو 1951، وكانت سنها وقت الزواج لا تتجاوز الـ 17 عاماً و6 أشهر. بعد الزفاف، انطلق الزوجان على متن اليخت الملكي لقضاء شهر عسل استمر لثلاثـة أشهر كاملة في أوروبا.
حفل زفاف الملك فاروق والملكة ناريمان - 6 مايو 195
ميلاد ولي العهد وقيام ثورة يوليو
بعد الزواج بثمانية أشهر جاء ولي العهد الذي كان فاروق يتحرق شوقاً إليه، وأطلقت المدفعية المتمركزة حول قصر عابدين 101 إطلاقة في السادسة والثلث من صباح 16 يناير 1952، إعلاناً عن مولد الأمير أحمد فؤاد الثاني.
سمع دويّ الإطلاقات جميع سكان القاهرة، بمن فيهم الأمير محمد علي، ولي عهد فاروق حتى لحظة ميلاد الأمير الصغير، والذي بكى وقتها في قصره المهيب بحي المنيل على حلمه الضائع بالجلوس يوماً على عرش مصر.
لكن سعادة فاروق لم تكتمل بسبب تصاعد الصراعات السياسية التي أدت إلى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وذلك بعد ميلاد ولي عهده بستة أشهر فقط. وتحسّرت ناريمان على النهاية المؤسفة للمُلك الذي أتاها مصادفةً ولم يدم طويلاً، وبكت فقدانها هي وفاروق للعرش ورحيلهما القسري عن مصر.
لم تتحمل ناريمان، التي لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً، الحياة في المنفى كملكةٍ سابقة، فعادت إلى مصر بعد فترة وجيزة تاركةً وراءها ابنها وفقاً للشرط الذي وضعه فاروق لإتمام الطلاق.
وتم الطلاق بينهما بالفعل في فبراير 1954، لتنتهي بذلك قصة آخر ملكة جلست على عرش مصر.