15 ديسمبر 2022

من هم «اللا إنجابيون»؟ وما هو منظورهم المختلف للحياة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

من هم «اللا إنجابيون»؟ وما هو منظورهم المختلف للحياة؟

«اللاإنجابية»... فلسفة أو وجهة نظر عرفها كثير من الأمم، ولم تكن سائدة في مجتمعاتنا العربية، لكنها بدأت مؤخراً تشد إليها كثيراً من الشباب الذين يفكرون في عدم الإنجاب لأسباب فلسفية أو اجتماعية أو نفسية، أو قد يكون سبب ذلك ما يشهده العالم من حروب ومجاعات وتغير مناخي وأزمات باتت لا تحصى ولا تعد.

توجهنا إلى عدد من الشباب غير الراغبين بالإنجاب لنعرف رأيهم بهذه الفلسفة؟ وكيف يواجهون المجتمع بأفكار غير نمطية؟

«لاحظت ظهور مصطلح «اللاإنجابيين» في «السوشيال ميدياً»

تمكنت الإعلامية الشابة مها فطوم من خلال بودكاست «صارت معي» من تسليط الضوء على موضوع «اللاإنجابيين»، وهو «بودكاست» قصصي حواري اجتماعي يتناول أحداثاً ومواقف يرويها دون قيود أو شروط أشخاص مروا بها، “نطرح مواضيع منوعة وحساسة في بعض الأحيان، عبر طريقة معالجة القصة التي يتميز بها راديو «الآن» في نقل ثقافة المجتمعات والبيئات المختلفة في عالمنا العربي، من خلال بودكاست «صارت معي» الأسبوعي، وقد لاحظت ظهور مصطلح «اللاإنجابيين» عبر «السوشيال ميدياً» الذي أصبح قوياً، وخلق لديهم جرأة أكبر للتعبير عن توجهاتهم من خلال «قروبات» وصفحات عامة وحسابات على كل المنصات، وهنا أتحدث عن «اللاإنجابيين» العرب رغم أن نسبتهم ليست كبيرة، كما أنني أجريت استفتاء على حسابي في «الانستغرام» سألت فيه المتابعين عن الموضوع الذي يرغبون بسماع مقابلات وقصص حوله فكان التصويت الأكبر لموضوع «اللاإنجابية»، مع أنه ليس لدي إحصائية بهذا الخصوص، إذ لم يتم التعامل حتى الآن مع هذا التوجه أو الانحياز بشكل جدي، حتى من قبل المنظمات والجهات المعنية في عالمنا العربي، كما أن بعض الشباب يختارون عدم إعلان هويتهم، ونحن نحترم هذا بكل تأكيد لكنهم نسبة قليلة جداً وبعضهم يختم حديثه ويقول: «خلي الناس تعرف».

الحوار والنقاش المتحضر من أسباب تطور الفكر البشري

«الشخص «اللاإنجابي» ليس متشائماً ولا سوداوياً، ولا يريد فناء البشرية»

لدى مايا-أ، طالبة هندسة، سورية، مواقف وأحداث في طفولتها أثرت فيها وفي خياراتها بالإضافة إلى الكتب والمصادر التي قرأتها وجعلتها مقتنعة بفكرة «اللاإنجاب»، «من أهم الأسباب التي دفعتني لأتكلم عن توجهي الفلسفي (اللاإنجابية) هو الفهم الخطأ لمعناها، والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة عن الشخص «اللاإنجابي» بأنه متشائم وسوداوي ويريد فناء البشرية، فأغلبية الناس يتكلمون من دون أن يقرؤوا، يتحدثون من دون أن يسمعوا، وينتقدون هذا وذاك بجهل تام للفكرة المطروحة، فالحوار والنقاش المتحضر من أسباب تطور الفكر البشري والحضارات عبر الزمن، فلو وافقنا جميعاً على فكرة واحدة وأصبحنا نُسخاً من دون تفكير، سنقف عند عتبة زمن واحدة كما هي حالنا الآن».

«نسعى لكسر الصورة النمطية في المجتمع حول موضوع الإنجاب»

دينا وسيف متزوجان منذ ثلاث سنوات تقريباً، وهما متفقان على عدم الإنجاب لأنهما على قناعة تامة بأنه لا يوجد إلزام بذلك، وهو قرار خاص بهما وبحياتهما، تقول دينا «أحب الحديث في الموضوع ليس بهدف التشجيع على انتشار هذا الفكر، وإنما بقصد توضيحه وإثبات وجوده، فهناك أناس كثر عندما نعترض على شيء ما، يهاجمون بالإنكار ليثبتوا أننا غير واقعيين».

أما سيف فيقول «نسعى لطرح منظور آخر، وكسر الصورة النمطية للمجتمع حول موضوع الإنجاب ولتوضيح السبب الذي دفعنا لاتخاذ قرار عدم الإنجاب من جهة العقبات والمسؤوليات المترتبة نحوه، على أمل أن يتوقف الضغط من المجتمع، وأن يتركوا القرار لأطراف العلاقة فقط، وليضعوا في الحسبان أن لكل شخص حياته الخاصة وهو المسؤول عن نتيجة أي قرار يتخذه وليس المجتمع، وبهذه الطريقة من يَفرض وجوده يُفرض على الآخر احترام رأيه ولو كان مختلفاً».

من هم «اللا إنجابيون»؟ وما هو منظورهم المختلف للحياة؟

«صوتنا غير مسموع بالنسبة لفئة الناس بحكم تمسكهم بالعادات والعرف»

بدأ عابد الانحياز لللاإنجابية منذ أكثر من 4 سنوات بعد قراءاته العديدة عن الموضوع واقتناعه به، «مع الأسف أرى اليوم أطفالاً يتعرضون للظلم بسبب قرارات خطأ من أهلهم، أو بناء على غريزتهم الجينية، أو لأنهم أنجبوا بمحض المصادفة، هؤلاء الأطفال يأتون إلى الحياة في بيئة غير صحية وغير مجهزة لتحتضنهم، بالإضافة لأسباب أخرى مشابهة يجب الوقوف عندها قبل التفكير في الإنجاب، ويمكن أن يكون صوتنا غير مسموع بالنسبة لفئة الناس بحكم تمسكهم بالعادات والعرف الاجتماعي، لكننا نطرح فكرة.. والفكرة لا تموت».

«التعريف بالفلسفة «اللاإنجابية» ومحاولة تغيير بعض الأفكار السائدة عن حتمية الإنجاب بعد الزواج»

تعرض كرار علي، لبعض الأحداث في منزله ضمن عائلته ساهمت بشكل كبير في اتخاذه قرار عدم الإنجاب، «لقد تأثرت بظروف صعبة خلال فترة دراستي فانعكس ذلك على شخصيتي وأفكاري، ولدي رأي خاص في قرار الزواج وأتمنى أن ألتقي بشريكة لا إنجابية مثلي، والدافع الأساسي للحديث في الموضوع هو التعريف بالفلسفة «اللاإنجابية» ومحاولة تغيير جزء بسيط من الأفكار السائدة عن حتمية الإنجاب بعد الزواج، أو على الأقل لتكون هناك فكرة عند بعض الأشخاص الذين لم يسمعوا عن اللاإنجابية، كما أن دعاة الإنجاب يتحدثون بحرية، فلم لا تكون هناك مساواة في حرية التعبير؟».

«لدي وعي نسوي بحرية جسدي والتحرر من فكرة أن جميع النساء يجب أن يكن أمهات»

آية...(26 سنة)، شابة تعمل مصورة فوتوغرافية ومقيمة في فرنسا منذ 3 سنوات بغاية الدراسة، هي الأصغر في عائلة مكونة من أمها وأختها إذ توفى والدها عندما كان عمرها 5 سنين، كبرت آية بحرية واستقلالية سمحت لها أن تعرف حقوقها وواجباتها وتحديد خياراتها بكل وضوح في الحياة، ضمن هذه الخيارات انحازت لعدم الإنجاب، «السبب خلف هذا الانحياز هو وعيي النسوي بحرية جسدي والتحرر من فكرة أن جميع النساء يجب أن يكن أمهات، وأود أن أوضح أن هذا التفكير ليس غريباً ونادراً، وأن الشباب الذين اتخذوا هذا القرار لديهم حجج مقنعة، والحديث عنها يأتي بطريقة توعوية، لتشجيع الناس على التحدث والتصريح بأفكارهم من دون خوف من الضغوط الخارجية».

«عوامل اجتماعية تؤثر في فكرة التسرع في الإنجاب»

يرى دكتور علم الاجتماع إبراهيم الحوسني، أن موضوع عدم الرغبة في الإنجاب بالنسبة للفتيات قد يكون بسبب خشية ألم الولادة، «حين تقارن الفتاة الألم وتعب التربية، بصعوبة البقاء وحيدة في نهاية العمر ستجد بأنها الخاسرة، أما بالنسبة للشاب، فغالباً يخشى نقص الإمكانات المادية، مما يجعل فكرة الاستعجال بالإنجاب أمراً غير مستساغ، ولكن بالنسبة لمجتمع مثل الإمارات فالأمر غير محبذ، لأننا نحتاج للكم السكاني بإمكاناتنا المادية، والقضية تتعلق بنقص الخبرة في مسألة الإنجاب والتربية وتكوين أسرة».