مع اقتراب موسم رأس السنة الجديدة، تنشط في الغرب حملات جمع التبرعات للأطفال المرضى والعائلات المتعففة وللمشردين الذين لا يجدون وجبة ساخنة في شتاء صقيعي. والأمر نفسه يحصل في بلادنا مع اقتراب الشهر الكريم وفريضة توزيع الزكاة.
لا أعتبر نفسي من البخلاء ذوي القلوب الحجر. وليس من المناسب أن يستعرض المرء مروءته. إن من الحشمة ألا تعرف يمناك ما منحت يسراك. لكن هذا الإعلان الذي حمله لي البريد أصابني بالغضب. والمرسل هو جمعية «أطباء بلا حدود» الشهيرة عالمياً. وأنا أحترم هذه المنظمة وأنحني للأطباء المتطوعين الذين يهجرون عيشتهم المنعمة ويسافرون إلى مناطق الأوبئة والمجاعات والحروب لكي يضمدوا جرح طفل أو يعالجوا مسناً على وشك الموت.
ما الذي أثار غضبي؟
وجدت في المغلف السميك المطبوع طباعة فاخرة على ورق ملون صقيل، عدداً كبيراً من الوثائق المصورة وملصقاً كبير الحجم مطوياً عدة طيات، ورسالة تدعوني للتبرع تعلوها عبارة: «حين تتوقف الحياة على خيط»، ومع هذا كله هدية هي عبارة عن قلم جاف بأحبار متعددة الألوان، وبطاقة تهنئة بقلوب وردية صالحة للإرسال للأصدقاء مع مغلفها الملون.
وجدت نفسي حائرة إزاء هذه الدعوة. فمن المنطقي للمواطن متوسط الحال في فرنسا، مثل المعلم أو الموظف أو ربة الأسرة، أن يتبرع بعشرين يورو لا أكثر. إن الطلبات كثيرة من الكنائس والجمعيات الخيرية وهو غير قادر على تلبيتها كلها. لكن محتويات هذا المغلف تفوق هذا المبلغ. هل أرسل لهم نقوداً لكي أنقذ حياة طفل في الصومال أم لكي يصرفوها على الطباعة؟
قال لي صديق يعمل في منظمة دولية للطفولة إن معظم ميزانية المنظمة يذهب لمرتبات موظفيها ونفقات سفراتهم وبدلات الأخطار التي يتقاضونها عن عملهم في مناطق حرجة من العالم الثالث. ماذا يبقى للمحتاجين وللتلاميذ المحرومين من حقيبة مدرسية ودفتر وأقلام؟
كانت جمعية محاربة السرطان من أكثر المنظمات احتراماً في فرنسا. وكان الفرنسيون يتبرعون لها بالملايين. ثم استيقظوا ذات صباح على خبر يتصدر النشرات ويفيد باعتقال الطبيب رئيس الجمعية بعد ثبوت تهمة التربح من أموال التبرعات وإنفاق جانب كبير منها على نفسه ومنازله العديدة. أصيب الناس بصدمة. وتوقف أغلبهم عن التبرع للجمعية. واحتاج الأمر لوقت طويل وحملة دعائية كبرى لاستعادة ثقة المتبرعين.
هل من طريقة لربط القلوب الرحيمة مباشرة بالأجساد المريضة والأفواه الجائعة والعائلات التي تحتاج خيمة وبطانية في معسكرات اللجوء؟