"معرض الفضيات" في متحف رأس الخيمة الوطني.. ذاكرة المصوغات وحكايا الماضي
تدلف إلى قاعة الفضيات في متحف رأس الخيمة الوطني كمن يدلف إلى ذاكرة المصوغات وما تشكله الفضة من حكايا ترتبط بالماضي وقصص الجدات والأمهات من الجيل السابق.
الجميل في القاعة أنها تجمع بين دفتيها تاريخ بعض القطع الفضية وحكايات انتقائها، بحيث ترفد تلك القصص الحياة بالقطع المعروضة وتروي للزائر ما وراءها من خبايا وخفايا وذوق في الاختيار، وحتى يمكن أن تترجم الأبعاد النفسية والاجتماعية لمقتنيها سواء من الرجال أو النساء.
معرض الفضيات، عبارة عن قاعة دائمة ضمن قاعات متحف رأس الخيمة الوطني، نرصد فيها أوعية للكحل وللعطور ومحافظ مزينة بالفضة ومرود (عود للعطور) والقلائد أو ما تسمى الحرز وحلي للصدر وقلادات ازدانت بآيات قرآنية.
لم يقف الرجال مكتوفي الأيدي، هم أيضاً كانوا يقتنون القطع الفضية، حيث مجموعة ملاقط فضية كانوا يستخدمونها للزينة وحلقات من الفضة للبنادق وعبوات فضية ومرود كحل للرجال وكذلك خواتم تختلف في الأشكال والأحجام.
تشرح عائشة الظهوري، أخصائية إرشاد سياحي في دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة، أن «المجوهرات الفضية كانت تستخدم في العصور القديمة واستخدمت من قبل البدو في الإمارات وسلطنة عمان وكان العنصر الأساسي للفضة خلال القرنين الماضيين عملة أو دولار ماريا تيريزا، إمبراطورة النمسا، لما تتسم به من نسبة وافرة وثابتة من الفضة».
تم سك هذا الدولار في فيينا عام 1751 ميلادي وسمي على اسم ماريا تيريزا، إمبراطورة النمسا، حيث ترصد الكثير من القلائد التي تزدان بالعملة نفسها في تلك الفترة، وكانت المراكز الرئيسية للعمل موجودة في عمان. كما تشرح بعض المعلومات المستقاة من القاعة، حيث تظهر الألواح البابلية القديمة أنه تم تداول الفضة منذ أكثر من أربعة آلاف عام مقابل النحاس من ماجان (شبه جزيرة عمان).
بيد أن الاهتمام بالفضيات واستخدامها لم يقتصر على جزء معين من الجسد للتزين بالمصوغات الفضية.. توضح الظاهري «هناك الأساور والقلادات وبعض القطع التي يتم ارتداؤها فوق الرأس وفي الذراع وفي كاحل القدم».
تم تقديم الكثير من القطع، وبناء على الدراسات تم اختيار المصوغات المناسبة لعرضها في المتحف، حيث تندرج بعضها ضمن باب الزينة «حاولنا إشراك موظفات الدائرة عبر إجراء لقاءات مع عدد منهن وتوجيه أسئلة تتعلق بالمجوهرات والأكسسوارات التي ورثنها من جداتهن، وبلورنا ذلك ضمن قصص قصيرة ازدانت بها قاعة العرض».
تقول عائشة الجداح، من رأس الخيمة، في حديثها عن والدتها «تفضل والدتي جميع أنواع الحلي خصوصاً مسباح زايد وهي عبارة عن قلادة طويلة، وساعة الراديو التي كانت النساء يقتنينها والمرتعشة الصغيرة والخواتم الاعتيادية. كان ذوق الوالدة صعباً في الذهب».
من تلك العبارات، يمكن أن ندرك أهمية الحلي الفضية قديماً، حيث استخدمت للزينة الشخصية واستثماراً أيضاً.
فالقصص التي تزين جداريات القاعة تروي بعضاً من التاريخ والكثير من حكايا النساء وعلاقة والداتهن وجداتهن بالحلي الفضية، وتزود القاعة بنبض الماضي، في ظل الإلمام بمناحي التفكير لدى النساء خاصة في تلك الفترة.
روت فاطمة المرزوقي "من الأشياء الجميلة التي كبرت عليها هي توارث عائلتي للحلي الإماراتية والتي يقومون بارتدائها في المناسبات، حيث إنها تتسم بكبر حجمها على عكس المنتشر من الذهب اليوم، إضافة إلى توارثهم للخواتم الرجالية ولكل خاتم قصته الخاصة".
وتقف عند اختيار والدتها «من الحلي المفضلة لدى والدتي هي الحيول والخواتم، وكانت تفضل الأنواع الثقيلة والتي لا يتداخل معها شيء آخر وذات قيمة عالية».
عند تجهيزي لزهبتي، قمت بشراء طقم بحريني وطقم هندي وطقم سعودي، إضافة إلى الحلى الخفيفة والحيول (الأساور)
ولاستخدام الزهبة مدلولاتها الاجتماعية والاقتصادية، حيث قصة الدكتورة عبير الحوسني «من الذكريات الجميلة أن الوالدة كانت تهدينا وأخواتي السبع يوم زواجنا الحيل أبو شوك، أما سر حبي للون الأزرق والفيروزي أنه عندما خرمت أذني لأول مرة وكنت صغيرة، لبست حلقاً فيه حجر أزرق صغير ولا أزال أحتفظ به حتى اليوم».
وفي حكايتها المدونة على أحد جدران القاعة، ترصد الفارق في اقتناء الحلي تبعاً لمراحل الارتباط «عندما تكون الفتاة صغيرة، فهي ترتدي الحلي الخفيفة، أما بعد الزواج، فهي ترتدي الحلي الثقيلة لتبين لأهل الزوج أنها قد اشترت الكثير من الحلي من المال المقدم لها مع المهر».
كل ما في القاعة يستفزك لمعرفة الكثير عن علاقة النساء في الماضي بالفضة، مع الخلاخل والحلي للأذرع والقلادات المزدانة بعملات ماريا تيريزا والحلي للرأس وما يعرف بـ«الشناف والهيار».
تحاول القصص المدونة رفدك بالمعرفة، تروي وفاء الريامي عن القطع المميزة التي ورثتها عن جدتها «كان لدى جدتي خاتم الفتخ (خاتم لإصبع الرجل) ولطالما أعجبني شكله مع الحناء، فأصبح من القطع التي أرغب في اقتنائها. ومن القطع المميزة التي ورثتها من جدتي هي الطاسة التي جلبت من البحرين وما زلنا نحتفظ بها، وذلك لصناعتها وجودتها المميزة».
لا يقتصر المعرض على تقديم المعروضات والحلي الفضية، فالهدف أيضاً هو الإطلالة على تاريخ تلك المرحلة وما رافقها من عادات وتقاليد اجتماعية ومفاهيم ثقافية وحتى طبية، حيث كانت خرزات الفضة تستخدم لعلاج البوصفار الذي يصيب الأطفال كما كانت تكتب بعض الآيات القرآنية داخل الطاسة الفضية وتستخدم لتهدئة روع الأطفال عند شعورهم بالخوف كأن يوضع بعض الماء في الطاسة ويشرب الطفل منها لتهدئته.
فالمعرض ليس معرض أكسسوارات.. توجز الظهوري «نحاول أن نربط المرأة بتاريخ المجوهرات والقلائد التراثية والإماراتية واختلاف زينة المرأة قبل الزواج وبعده والإطلالة على جزء من الماضي وأصالته».
* تصوير: السيد رمضان