و«الثبيرة» بلهجتنا العراقية تعني الإلحاح على أمر من الأمور إلى حد إزعاج السامعين وتنفيرهم منه. نقول ـ مثلاً ـ إن الغرب «ثبرنا ثبيرة» بموضوع الترويج للمثلية الجنسية، سواء في الأفلام أو الكتب أو مؤتمرات حقوق الإنسان، أو مناهج التعليم وحتى في مسلسلات التلفزيون.
أما «الثبيرة» الجديدة فهو الأمير هاري، النجل الأصغر لملك بريطانيا. إنه حاضر في كل المجلات ونشرات الأخبار والمسلسلات، والكتب وأحاديث المجالس شرقاً وغرباً. فهو المؤلف والمنتج والممثل والمصور، وهو فاعل الخير، والنجم البارع في تفجير الفضائح الذي تتخاطفه برامج استعراضات الواقع. أخشى أن أفتح حنفية المطبخ ذات يوم فينساب منها الشاب الأشقر المتمرّد.
يبدو لي هاري مثل الشاهد الذي «ما شافش حاجة»، ثم استيقظ فجأة ليرى أنه رأى كل حاجة. كان غائباً فحضر. وأعجبته لعبة الحضور الساطع فراح يبالغ في استثمارها. إنه يلعب والناس يدفعون. يلعب ويحصد الملايين. يلعب ويزداد شهرة على شهرته التي رافقته مثل وحمة ولادية، باعتباره ابن أميرة القلوب ديانا. كل هذا مفهوم طالما أنه من أولئك النجوم الذين يثيرون اهتمام الناس. لكن ما هو غير مفهوم هو أن يتحول الأمير الإنجليزي إلى فيلسوف ومحلل نفسي قادر على تقشير طبقات حياته «المأساوية» التي ابتلي بها، باعتباره «البديل» لشقيقه ولي العهد. هو لن يصبح ولياً أصيلاً وسيبقى بديلاً (Spare) مثل قطعة غيار السيارة.
كان يمكن للبديل أن يرضى بهذا الدور. فالدنيا دوّارة ولا أحد يتنبّأ بالأقدار. ففي حال غاب الشقيق الأكبر، فإن الأصغر جاهز لتأدية المهمة، لكن مع ولادة أطفال لولي العهد، تراجعت مرتبة هاري في القائمة. كان الثاني فصار الخامس وربما سيكون ـ مع الزمن ـ السادس أو السابع. ويبدو أن هذا التراجع جعل منه فيلسوفاً. فهو يقول في آخر تصريحاته، إنه كان يشعر دائماً باختلافه عن بقية أفراد العائلة المالكة.
والعجيب أنه عالج ذلك الاختلاف بتدخين الحشيش. يجيء كلامه هذا في مقابلة مباشرة مع الطبيب الكندي جابور ماتي، صاحب المؤلفات الرائجة. يحكي الأمير للطبيب أنه ترعرع في عائلة «مهشمة»، وكان عليه أن يبذل جهداً لكي لا ينقل مخاوفه واضطرابات طفولته إلى طفليه آرشي وليليبيت. وعند هذه النقطة من الحديث لا نعود نعرف مَن منهما الطبيب المعالج، ومَن منهما المريض. إن الثاني يفهم علّته ويشخّصها أفضل من الأول.
والحنفية ما زالت تسيل وستواصل السيلان. ومع كل قطرة مليون من الدولارات، حتى إذا انضمت ميجان، زوجة الأمير إلى اللعبة، تضاعفت العائدات. هذا هو الثنائي المطرود من الجنة طرداً يساوي ثقله ذهباً.