وقع الاختيار على صوفي أدنو، وهي فرنسية تحمل رتبة عقيد في القوة الجوية، لكي تصبح رائدة فضاء وتنضم إلى محطة الفضاء الأوروبية. إنها واحدة من آلاف النساء اللواتي يحلمن بالسفر إلى الكواكب واستكشاف ما هو موجود خارج مدار الأرض. فقد مضى 50 عاماً على أول مشاركة لامرأة في رحلة إلى الفضاء الخارجي.. ولكن كيف تصبح البنت الطموحة رائدة فضاء؟ وما هو موقع العربيات في هذا المجال الذي يخاطب المستقبل؟
الروسية فالنتينا تريشكوفا
كان ذلك في ربيع 1963. أعلن الاتحاد السوفييتي السابق عن مشاركة المرأة للمرة الأولى في التاريخ في رحلة فضائية. إنها الروسية فالنتينا تريشكوفا، المولودة في 6 مارس 1937 في قرية قرب نهر الفولجا شمال شرقي موسكو. وكانت فالنتينا، قد بدأت تعليمها المدرسي في عمر الثامنة، وأكملت دوراتها التعليمية عن طريق المراسلة لانشغالها بالعمل في مصنع للنسيج. كما تعلمت القفز المظلي هوايةً في أوقات فراغها.
كان الرائد الأول يوري جاجارين قد أثار شغفها. إنه واحد من مواطني دولتها، وهو أول إنسان يرتاد الفضاء في التاريخ، عام 1961. وهكذا تطوعت تريشكوفا لمهمة مشابهة لمهمة جاجارين والتحقت ببرنامج الفضاء السوفييتي. لم تكن تمتلك أي خبرة طيار، إلا أنها كانت قد حققت 126 قفزة ناجحة في المظلة، وهو أمر رجّح كفتها؛ إذ كان يقتضي أن يقفز رواد الفضاء بالمظلة من كبسولاتهم قبل ثوانٍ من ارتطامهم بسطح الأرض.
وبعد قبولها تدربت لمدة 18 شهراً مع 4 مرشحات أخريات ونجحت في اختبارات ردود الفعل وظروف الجاذبية الأرضية، وبهذا وقع عليها الاختيار لتكون أول امرأة تغزو الفضاء، وهي قد أمضت 70 ساعة في تلك الرحلة ودارت 48 مرة حول الأرض وتابعها المشاهدون عبر التلفزيون المحلي والقنوات الأوروبية. وبعد أشهر من عودتها تزوجت زميلها رائد الفضاء أندريان نيكولايف.
ما أخبار الفتيات العربيات مع الفضاء؟
لم يعد خافياً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تبدي اهتمامها بدفع بناتها للعمل في كافة المجالات. وكان الخبر الأهم الإعلان عن اختيار نورا المطروشي، ضمن الدفعة الثانية من الإماراتيين المرشحين لريادة الفضاء. وبهذا يمكن اعتبارها أول عربية تحقق طموحها المشروع في استكشاف الفضاء الخارجي. وجاء اختيار نورا، ليثير روح المغامرة لدى ملايين الشابات العربيات اللواتي يمتلكن الموهبة والقدرة البدنية والنفسية على خوض هذا النوع من العمل. إنه ليس مجرد وظيفة؛ بل مشروع حياة مختلفة.
رائدة الفضاء الإماراتية نورا المطروشي
إن ما تقوم به نورا، هو حلقة في السلسلة الذهبية التي صاغتها الروسية فالنتينا قبل نصف قرن. وكانت الكويتية مريم الجوعان تتمنى أن تكون أول رائدة عربية تخترق الفضاء. ومنذ طفولتها كانت تتأمل النجوم في السماء وتتساءل عما هو وراء تلك النقاط البراقة في العتمة. ولما كبرت شاركت في الفيلم الوثائقي «ماذا يحدث في الفضاء؟» الذي تناول الحياة الواقعية لرجال ونساء من ثقافات يتحدثون عن العديد من القضايا المتصلة باستكشاف الفضاء. ولوضع طموحها موضع التنفيذ بدأت تتعلم اللغة الروسية والتحقت بجامعة سان بطرسبرج على أمل بلوغ هدفها.
بعد ذلك نقلت عنها الصحف قولها إنها تمكنت في عام 2005 من تحقيق حلمها بالحديث مع رائد الفضاء الروسي سيرجي كريكاليف عبر جهاز راديو للهواة نصبته فوق سطح منزلها في الكويت. وتم ذلك خلال مرور كريكاليف على مسافة قريبة من الكويت في الفضاء الخارجي أثناء وجوده في محطة الفضاء الدولية. كما أنها شاركت في دورتين من دورات «مجلس جيل الفضاء» خلال انعقاده في اليابان، وفي إسبانيا، قبل سنوات، وأوضحت أنه جزء من المجلس الاستشاري لجيل الفضاء الذي يعد شبكة دولية لجمع الطلبة والمتخصصين الشباب لتقديم رؤية موحدة لمستقبل استكشاف الفضاء وعرضها على الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى.
أنوشة أنصاري
في صيف 2006 جاءت الأخبار من إيران بأن أنوشة أنصاري هي أول رائدة فضاء مسلمة. فقد كانت واحدة من 5 سياح سافروا على متن المركبة «سيوز» إلى محطة الفضاء الدولية. واستغرقت الرحلة 11 يوماً. وتحملت أنوشة تكاليف الرحلة التي يقوم بها البرنامج الروسي، أي 20 مليون دولار، وهي تقيم في تكساس وجمعت ثروتها مع زوجها من صناعة التكنولوجيا الرقمية. لكن رحلة تجارية مفردة تختلف عن تكريس عمر كامل للعمل في ريادة الفضاء.
صوفي أدنو
صوفي أدنو.. ضابط برتبة عقيد وربة بيت
ونعود إلى آخر العنقود من الرائدات، وهي الفرنسية صوفي أدنو البالغة من العمر 40 عاماً. إن مسيرتها نموذج لما يتوجب على المرأة أن تقطعه لكي تتمكن من الخروج من المطبخ إلى الفضاء. إنها تتمتع بالروح العسكرية التقليدية باعتبارها تحمل رتبة متقدمة في سلاح الجو الفرنسي، وهي قد درست الهندسة وأبدت شغفاً في التعرف إلى التقنيات الحديثة ورغبة في تجاوز الحدود الممكنة أو المتاحة للنساء. ومثل غيرها من الأسماء التي وردت في هذا التحقيق، تؤكد صوفي بأن العمل رائدة فضاء كان حلماً داعب خيالها منذ الطفولة. ولكي تحققه، فإنها عزمت على بنائه «طوبة طوبة». وكانت الطوبة الأولى الدراسة في الفرع العلمي ودخول كلية الهندسة. والثانية التقدم للجيش والتدريب على الطيران في القوة الجوية.
اليوم توشك صوفي، على الانتهاء من تشييد جدار الحلم، فقد وقع عليها الاختيار للالتحاق بالدفعة الجديدة من طلاب الوكالة الأوروبية للفضاء. وكانت واحدة من خمسة مرشحين تم قبولهم من مجموع 23 ألف متقدم من كل أنحاء أوروبا. أما بقية الخمسة فهم من تخصصات تتراوح ما بين العلوم والطب. ولكن ما الذي يتوجب على الطفل الحالم، أو الطفلة الحالمة بالنجوم، أن يتقنه قبل أن يصبح رائداً أو رائدة فضاء؟
ولدت صوفي عام 1982 ونشأت في وسط فرنسا قبل أن تلتحق بدراسة الهندسة في مدينة «تولوز»، عاصمة صناعة الطيران الفرنسية، وتخصصت في ديناميكية تحليق الطائرات والمركبات الفضائية. وفي عام 2004 حصلت على الماستر في هندسة العوامل البشرية من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا في بوسطن.. إنه المعهد الأمريكي الأرقى للدراسات العلمية. وكانت أطروحة صوفي للتخرج عن كيفية التكيف مع الجاذبية الاصطناعية، وذلك للتدريب على أجهزة الطرد المركزي لرواد الفضاء.
وبعد تخرجها التحقت بسلاح الطيران طالبة ضابط وحصلت على شهادة مبرمج قبل أن تواصل تدريبها في قيادة الطائرات العمودية. وفي عام 2006 جرى ترفيعها لرتبة ملازم، وبعد 3 سنوات نالت رتبة قائد وفي 2014 أصبحت تحمل رتبة آمر. وفي عام 2021 رتبة عقيد.
إنها أول فرنسية تقود طائرة عمودية للتجارب في المركز الفرنسي بالإدارة العامة للجيش. وقد أنجزت 3000 ساعة طيران وقادت 22 نوعاً من مختلف الطائرات العمودية. ونالت شهادة طيار محترف من مدرسة للطيران في بريطانيا. وفي العام الماضي كرمتها فرنسا بوسام الشرف من رتبة فارس وبميدالية الجمعية الوطنية تقديراً لنشاطها سفيرةً ملهمة للمساواة بين الجنسين في ميادين العمل العلمي. ولعل وراء كل هذه المسيرة يقف رجل تأثرت به كثيراً، وهو جدها الذي كان ميكانيكياً في القوة الجوية خلال الحرب العالمية الثانية، وتقول إنه هو من أورثها حب التعامل مع الآلات.
نعم هناك عمل وجهد وعرق ودموع في هذه المسيرة، لكن لا يتوجب على المرأة أن تتخلى عن أملها الطبيعي في الحياة العائلية والأمومة. وحين تخلع صوفي آدنو بزة الضابط الطيار فإنها ترتدي فستان ربة البيت والأم المحبة لطفل في العاشرة من العمر. وقد صرحت في واحدة من مقابلاتها: «حين أكون في دورة تدريبية في الخارج، فإن رؤسائي يعرفون بأنني لن أرد على أي طلب بين السادسة والنصف والسابعة مساء. إنه الموعد الذي ألتقي فيه بطفلي على مائدة العشاء. يضع زوجي الهاتف على الطاولة ويفتح الكاميرا وأتعشى معهما».
السعوديتان ريانة ومريم
ريانة ومريم.. رائدتا فضاء سعوديتان
أعلنت السعودية مؤخراً عن إرسال أول رائدة فضاء سعودية، ورائد فضاء سعودي إلى محطة الفضاء الدولية خلال الربع الثاني من العام الحالي 2023. بهدف بناء القدرات الوطنية في مجال الرحلات المأهولة لأجل البشرية. وينتظر أن تلتحق رائدة الفضاء ريانة برناوي، ورائد الفضاء علي القرني ، بطاقم مهمة AX - 2 الفضائية للاستفادة من الفرص الواعدة التي يقدمها قطاع الفضاء وصناعاته عالمياً، والإسهام في الأبحاث العلمية التي تصب في صالح خدمة البشرية في عدد من المجالات ذات الأولوية مثل الصحة والاستدامة وتقنية الفضاء.
وستنطلق الرحلة العلمية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى محطة الفضاء الدولية، حيث سيتضمن البرنامج تدريب رائدة ورائد فضاء آخرين على جميع متطلبات المهمة وهما مريم فردوس وعلي الغامدي.