يزدان ويزدهر الحراك الثقافي والفني في إمارة الشارقة بافتتاح قصر الفنون في مدينة الذيد، ليضم بين جنباته الأعمال الفنية التابعة لمؤسسة الشارقة للفنون ومهرجان بينالي الشارقة في نسخته الخامسة عشرة تحديداً.
يعود تاريخ القصر، الذي بدأ الشيخ صقر بن سلطان القاسمي ببنائه، إلى خمسينات القرن العشرين، ليكمله من بعد ذلك الشيخ خالد بن محمد القاسمي في الستينات، وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تم افتتاح القصر بعد ترميمه ليكون على موعد مع الأنشطة والبرامج والمعارض الفنية التابعة لمؤسسة الشارقة للفنون مؤكداً أهمية دور الشارقة على خارطة الخطابات الفكرية والفنية ومواصلة التزامها المستمر تجاه عشاق متذوقي الفن في الدولة.
تتنوع أعمال البينالي الفنية المعروضة في القصر بنسخته الخامسة عشرة بين الأشكال التركيبية وأعمال الفيديو والطباعة التجريبية والإسقاط الضوئي واللوحات المستوحاة من الأرشيفات التاريخية، إضافة إلى الزخارف الهندسية الإسلامية، ومن الأعمال التي ضمها القصر أعمال الفنان رشدي أنور الذي عبر من خلال النحت والصوت والصور الأرشيفية والخرائط والوثائق عن تجربته كلاجئ كردي، حيث تناول فيها قضايا النزوح والصدمات التي تحدثها أنظمة الحكم الاستعمارية والأيديولوجية بمجموعة أطلق عليها «أمل وسلام لإنهاء كل أمل وسلام».
وبعنوان «عندما يهدأ غبار الصراع» أعادت الفنانة دانا عورتاني استحضار الممارسات الفنية التاريخية ومزجها مع ملامح العصر الحالي عبر أرشيف ضم جميع الأنماط التزينية لنقوش الأحجار المأخوذة من الصروح الأثرية المتوزعة على شتى أنحاء سوريا، والتي لحق بها الضرر، مدفوعة بشغفها بالأشكال والمفاهيم والتقنيات والهيكليات العربية التقليدية.
في جانب آخر من القصر يوظف علي عيّال الرسم في صيغ تتكامل مع النصوص والأعمال التركيبية والتصوير الفوتوغرافي، ليسبر مشاعر الغياب والتنافر التي تعتري نفس الإنسان أمام أهوال النزاعات المسلحة، حيث يواجه فيها عيّال من اعتدى على عائلته حينما تعرض بيته للغزو ويكشف مظالم لحقت بمجتمع بأسره بصور سريالية مستوحاة من طفولته في رحاب الريف العراقي وأراضيه الزراعية وتجربته مع الحروب، حيث أنتقم من هذا الجور بتروٍ وصبر عبر إبداع تصاوير تجريدية ترمي إلى استعادة ما فقد والتعبير عن الصدمة سعياً للشفاء منها.
فيما وظف الفنان قادر عطية أعماله التركيبية والنحتية للكشف عن المضاعفات العاطفية بعيدة المدى للهيمنة الثقافية الغربية وتأثير أنظمة القوى الاستعمارية على المجتمعات التي خضعت لها مع التركيز على مفاهيم الصدمة الجماعية والتعافي، من خلال استخدام حوض السباحة السابق في قصر الشيخ خالد بن محمد، ليستعيد السطح المموج للمياه باستخدام آلاف الذرات من زجاج المرايا في عمله «مرآة العالم العظيمة»، بما يحيل الأبعاد العاطفية للذاكرة التاريخية لهذا الموقع بكل ما تنطوي عليه من أفراح وأحزان.
بينما تستعرض الفنانة أسماء بلحمر في تصميمها ظاهرة البنية التحتية الضخمة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتأثيرها في ذاكرة المناظر الطبيعية المحلية من الناحية الطبوغرافية، حيث تقدم «نماذج الفريج» عمل تركيبي خارجي أنجزته في قصر الشيخ خالد اعتماداً على أبحاث مكثفة أجرتها على تاريخ العمارة في الإمارات، حيث يعاين العمل أصول الدرابزين على سطوح المباني الذي استوردته العمالة الأجنبية من جنوب شرق آسيا في الفترة التي سبقت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة مظهرةً تأثيرها في المشهد المعماري الإماراتي.
يركز بينالي الشارقة 15 على ماضي الشارقة الحي، عبر عالم متعدد الثقافات وعابر لها يتجسد من خلال ما يزيد على 300 عمل فني لأكثر من 150 فناناً ومجموعة فنية من جميع أنحاء العالم، والتي تم تنصيبها في خمس مدن على امتداد الإمارة؛ إذ عمد الفنانون المشاركون إلى تطوير ممارسات نقدية للتفاهمات الأحادية للنزعة الوطنية والتقاليد والعرق والجندرية والجسد والخيال، ولتندرج هذه الروح النقدية في ثيمة البينالي وتقاطعاتها.
* تصوير: السيد رمضان