ملاحظتان بعد ختام مهرجان "كان" 2023.. تقدم عربي وانحياز لنجوم الأمس
هناك الكثير من الملاحظات التي يمكن استخلاصها من الدورة المنتهية حديثاً لمهرجان «كان».. من بينها ملاحظتان من الأهمية بمكان كبير.
1- الاشتراك العربي
بعد سنوا ت من السعي، أنجزت السينما العربية عدداً من الجوائز ولو انحصرت في مسابقة «نظرة ما»، ثاني أهم أقسام المهرجان.
أسماء المدير - مخرجة فيلم «كذب أبيض»
فمن بين الجوائز الست التي تم توزيعها في هذا القسم، نال ثلاثة مخرجين عرب ثلاث جوائز فيما يشبه مطراً منعشاً لحضور السينما العربية في دورة هذا العام. جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى أسماء المدير عن فيلم التسجيلي «كذب أبيض» (تسويقياً اختير له The Mother of All Lies). وجائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى فيلم كمال الأزرق «كلاب» الذي فيه من الجهد في الكتابة والتنفيذ ما يتجاوز فيلم أسماء المدير.
محمد قردوفاني- مخرج فيلم «وداعاً جوليا»
جائزة بام «جائزة الحرية» نالها المخرج محمد قردوفاني عن فيلمه «وداعا جوليا» الذي هو أول اشتراك سوداني رسمي في تاريخ المهرجان الفرنسي.
لا يبتعد فيلم قردفاني (الذي قام بإنتاجه أمجد أبو العلا مخرج «ستموت في العشرين» 2018) عن أحداث اليوم لكن من دون معالجتها. تم تصويره قبل نشوب هذه الحرب الحاصلة بين المتحاربين اليوم. لكن الموازاة قائمة لأن الأحداث التي يعرضها «وداعاً جوليا» تقع في العام 2005 عندما عاشت الخرطوم حالات انهيار أمني آخر.
هذا فيلم آخر سوداني جيد (بالإضافة إلى «ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلا والتسجيلي «الحديث عن الأشجار» لصهيب قاسم الباري) ونال تلك الجائزة ذات النبرة السياسية باستحقاق. لكن ما هو ملاحظ أن أسماء جوائز هذه التظاهرة تحاول ألا تتداول مبدأ «الأفضل» على نحو «أفضل فيلم» و«أفضل مخرج» الخ... ما يجعل المجموعة الفائزة شبه متساوية في التقدير.
2- "كان" ينحاز للماضي
يمكن مطالعة هذه الظاهرة من خلال الاستقبال الرسمي الكبير لأبطال الأمس القريب.
جوني ديب وحفاوة كبيرة
بداية بذلك الاستقبال الذي قوبل به جونى ديب الذي حط هنا مع مطلع المهرجان لحضور فيلم الافتتاح (فرنسي الهوية، سعودي التمويل «جان دو باري») الذي كان نوعاً من مسح جراح ممثل قررت هوليوود مقاطعته بسبب القضية التي رفعتها زوجته السابقة أمبر هيرد ضده بتهمة سوء المعاملة والعنف من بين اتهامات أخرى. صحيح أن أمبر خسرت القضية لكن هوليوود اعتبرتها ضحية (وربما هي كذلك إلى حد) وقررت التوقف عن إرسال السيناريوهات إلى الممثل ديب الذي أعلن ذلك صراحة، شاكياً من أن هوليوود لا تود التعامل معه.
هذا قد لا يستمر طويلاً، وبعض السبب إدراك هوليوود للشعبية الكبيرة للممثل التي تجلت في هذا المهرجان خارج قصر العروض وداخله لدرجة أن الممثل اهتز عاطفياً للحماس الذي واجهه وأدمعت عيناه حين هب الحضور مصفقين له.
هاريسون فورد- نجاح متواصل
استقبال حافل أيضاً أحاط بالممثل هاريسون فورد عندما وصل إلى درجات قصر المهرجان ثم في داخل القاعة أيضا. فورد (18 سنة) برهان آخر عن أن الممثلين القدامى يتمتعون اليوم بحضور شعبي لافت ونجاح متكرر. هذا على عكس ما ذهب إليه المنتجون لفترة حاولوا فيها دفع جيل جديد من الممثلين لتبوأ الصدارة ليفاجأ أن الجيل القديم لم يتخلف عنها بعد.
إذ حضر فورد افتتاح فيلم «إنديانا جونر وقرص القدر»، كرر الوضع نفسه الذي حدث مع توم كروز في العام الماضي عندما عرض فيلمه «توب غن: ماڤيريك». كروز يصغر فورد بعشرين سنة لكنه من ذلك الجيل المحتفى به إلى اليوم.
روبرت دي نيرو وليوناردو ديكابرو مع لمخرج مارتن سكورسيزي
إعجاب دائم
مع وصول فيلم «قتلة فلاور مون» اندلع نوع آخر من الحماس شمل الممثلين روبرت دينيرو (97 سنة) وليوناردو ديكابريو (48 سنة) علاوة على المخرج مارتن سكورسيزي (80 سنة). لم يشهد المهرجان هذا العام تصفيقاً دام أكثر من عشر دقائق لمخرج آخر كما حدث ما سكورسيزي الذي، كالآخرين، كان متأثراً بهذا الاستقبال.
وامتدت حرارة الاستقبال قبل يومين للممثلة جوليان مور (62 سنة) المشاركة عبر فيلم آخر للمخرج الذي يكرر الاستعانة بها تود هاينز. الفيلم الجديد «ماي ديسمبر» من بطولتها ونتالي بورتمن. التي هي أصغر بنحو عشرين سنة لكنها لا تنتمي إلى جيل السنوات العشرين الأخيرة بل لما قبلها.
هذا كله على صعيد ما لوحظ من تقدير الإعلام والجماهير على حد سواء وما يستحق مهرجان «كان» نجمة كبيرة لإدراكه أن السينما تتجاوز مجرد اللعب على أوتار العصر الحديث.
لكن خارج الإطار الرسمي لعروض المهرجان هناك ما يحدث كذلك في النطاق نفسه.
الغريمان الصديقان
ما إن أعلن عن أن هناك مشروعاً سينمائياً جديداً لسلفستر ستالون (76 سنة) حتى تسابق الموزعون لحجز الفيلم للعروض حتى من قبل تصوير لقطة واحدة منه.
الفيلم هو إعادة صنع لفيلم ستالون السابق Cliffhanger الذي اضطلع ببطولته في العام 1993.
أرنولد شوارتزنيغر (75 سنة) لن يترك الساحة لمنافسه منذ الثمانينات سلفستر ستالون. ها هو يشمر عن ساعديه لدخول معترك تصوير فيلم جديد «هروب» (BreakOut) الذي سيعمد لتصويره قبل نهاية العام الحالي.
الحال ذاته مع الممثل نيكولاس كايج (95 سنة) إذ ما زال مستمراً في منح الشاشة حضوره ولديه الآن أربعة أفلام في مراحل مختلفة من الإنتاج، كما أعلن هنا في دوائر صانعي السينما.
ما يقترحه هذا الوضع هو أن الجمهور القديم ما زال يبحث عمن عاش وإياهم بعض أفضل الذكريات على الشاشة، والجمهور الجديد، الذي شاهد هذه الأفلام القديمة عبر منصات العروض الإلكترونية، يلتقي مع الآباء والأمهات في إعجابهم بسينما لم تكن قائمة فقط على المؤثرات البصرية، بل اضطلع ببطولتها بشر.