صناعة العطور العربية التقليدية.. ورشة في متحف عجمان للحفاظ على التراث الإماراتي
في أروقة متحف عجمان وتحديداً في السوق الشعبي، تعد آمنة سعيد الظهوري عطورها بمزيج عربي مستوحى من خبرتها الممتدة على أكثر من 15 عاماً في هذا المجال الذي اختارته بنفسها، كما تعد مزيجاً متنوعاً ومعاصراً من العطور الفرنسية.
تحمل آمنة الظهوري، أم سيف، التراث الثقافي للدولة في «قنينة عطر» وتخوض رحلة بين الماضي والحاضر في أروقة متحف عجمان حيث السوق الشعبي بمفرداته ومجسماته يترجم أبعاد هذه التجربة وتماسها مع الحفاظ على أحد ملامح التراث، وذلك في ورشة «صناعة العطور العربية» التي نظمها مكتب الثقافة والفنون في دائرة التنمية السياحية في عجمان، بالتعاون مع متحف الشارقة للتراث - قسم الحرف اليدوية.
وهذه الرحلة بين الماضي والحاضر تتجسد في محاولة الظهوري إرضاء كل الأذواق عبر تسويق العطور العربية وأنواع عطور أخرى «خفيفة» كما تصفها، إرضاء لبعض من الجيل الحالي الذي يفضلها، ولكن تضيف «أعتبر نفسي عنصراً من عناصر الحفاظ على هذا التراث وهذه المهنة التي كانت خياراً شخصياً بحتاً».
تدرج الورشة ضمن سلسلة ورش عمل تراثية ثقافية ينظمها مكتب الثقافة والفنون في الدائرة بهدف الحفاظ على التراث الإماراتي وحرف الأجداد وتعزيز الثقافة الإماراتية، حيث توظف أم سيف، وهي عضو في جمعية شمل للفنون والتراث الشعبي والمسرح، مهاراتها في خوض تجربة مزج الزيوت العطرية باستخدام أساليب قديمة ومتطورة، بما يتناسب مع متطلبات الجيل السابق والجيل الحالي وتقر أن «عدداً كبيراً ينحو باتجاه استخدام العطور الفرنسية بحجة أنها أخف».
تروي عن مسيرتها «بدأت هواي بروحي» (كدلالة على أن أحداً لم يدفعها إلى اختيار هذا المجال).. كنت أختبر الروائح على ربيعاتي وبناتي، وعندما كان يعجبهن أي عطر أستكمل صناعته ولا أعتمد أي مقاييس بالنسبة للمزيج حيث «عندي نص تولة وربع تولة والتولة» وهذه مقاييسي ومعاييري».
تذكر أول عطر صنعته: «لم أكن أخطط لأخوض مجال صناعة العطور. كان عطراً تقليدياً عادياً وكنت أستقي بعض المعلومات من التلفاز ومن الهاتف إلى أن أكملت في المجال وأحببته».
تستخدم أم سيف الزيوت العطرية التي تشتريها من بعض المحال المشهورة داخل الدولة وكذلك الكحول من بعض المحال «علمت نفسي بنفسي هذه المهنة، إلا أني تعلمت من والدتي علمتني الطريقة التقليدية لإعداد «الدخون».
بشير أبو بكر، وهو خبير عطور هندي، زار الورشة لرصد خطوات إعداد بعض نماذج من العطور العربية. أبو بكر، وهو صاحب محل للعطور العربية والفرنسية ومعطرات الجو، حضر الورشة للاطلاع على بعض الأسرار حول الطرق التقليدية في إعداد العطور، إلا أن ثمة شيئاً مميزاً في التوليفة التي تقوم بها أم سيف ومن الصعب التقاط بعض أسرارها.
يقول لـ «كل الأسرة»، «أم سيف جداً مميزة بصناعة العطور العربية التقليدية وهي تقوم بمزيج جميل بين الروائح، ما يقود إلى نتيجة هائلة من العطور التي تزاوج بين الطرق التقليدية والأساليب الحديثة والحصول على عطر فريد».
يقر أبو بكر بأنه ملم بعالم العطور إلا أن «أم سيف تمتلك هذا الحس الفطري في صناعة العطور دون الاستناد إلى معايير علمية، بل إلى خبرتها ومهارتها في الوصول إلى عطور آسرة واستثنائية»، ولهذا، يفكر أن يعرض عليها تعاوناً مشتركاً مع شركته لتزويده بالعطور التي تحاكي البيئة المحلية وتستند العطور فيها إلى مكونات مبتكرة أو خلطات يتم تطويرها وتجد طريقها إلى السوق المحلي.
تقبل أم سيف التعاون ولكن شرطها الأول هو «عدم إفشاء أسرارها أو اختراق عوالم خبرتها، وتعزو الأمر إلى صدقها في التعامل مع هذا المجال»، وتعترف علانية «أسراري أخبئها لنفسي ولا يمكن أن أبوح بها لأحد، وحتى عندما أقدم ورشات آتي بالعطور شبه جاهزة ولكن لا أقر بأي سر».
ولكن هل تخفين الأسرار عن بناتك؟، سألناها، فأجابت «ابنتي الصغيرة تعرف أسرار هذه الصناعة لكونها طالبة جامعية وهي تتواجد معي في كل ما أقوم به، في حين أن بناتي الأخريات منشغلات بأعباء التربية والأطفال».
في يوم واحد، قد تصنع أم سيف أكثر من نوع من العطور «لست خبيرة عطور إلى هذا الحد ولكن عيالي وربيعاتي يشجعونني على استكمال هذا المشوار».
السوق الشعبي في متحف عجمان
وكما سبق وأشرنا إلى أن ورشة «صناع» تهدف إلى تنمية وإبراز الذوق العطري وإثراء هذه الصناعة التقليدية التي كانت منتشرة في الماضي لتمنح المشاركين فرصة لتجربة مزج الزيوت العطرية باستخدام أساليب قديمة ومتطورة ولاستكشاف عالم صناعة العطور العربية وتعزيز روح الابتكار والإبداع مع المحافظة على التراث المحلي والتجديد فيه.
تتحدث مريم الكتبي، تنفيذي في مكتب الثقافة والفنون في دائرة التنمية السياحية في عجمان، لـ «كل الأسرة» عن أهمية ورشة «صناعة العطور» في استقطاب الأجيال الجديدة نحو صناعة تقليدية جميلة والحفاظ على التراث الإماراتي الأصيل، حيث نظم المكتب ورشتين ضمن ورشة واحدة وهي ورشة صناعة العطور وتشمل المرشات العربية –الإماراتية والورشة الثانية هي العطور الزيتية، وذلك بالتعاون مع متاحف الشارقة – قسم التراث.
ويحاكي عقد الورشة في متحف عجمان أهداف دائرة التنمية السياحية في عجمان في إبراز العناصر السياحية الجاذبة في الإمارة، وتسليط الضوء على المقومات الفريدة التي تقدمها عجمان باعتبارها إحدى الوجهات السياحية الرائدة في دولة الإمارات.
كما تشارك أم راشد، مدربة أجيال في جمعية شمل للفنون وللتراث الشعبي والمسرح، في الورشة من باب تدعيم هذا التوجه وإرساء التراث الثقافي على خريطة الجيل الحالي، وتبين «الكل ما زال ينتصر للعطور العربية وحتى الشباب ولكن نأمل استمرار مثل هذه الورش التي تعزز استقطاب أجيال المستقبل نحو الصناعات التقليدية».
لا تغفل أم راشد أهمية المكان، متحف عجمان، الذي تزوره للمرة الأولى «هذا المكان أعادني إلى روح وأجواء الماضي الجميلة، فشخصيات السوق الشعبي للمتحف استأثرت بكل حواسي لدرجة شعرت أنها شخصيات تؤدي دورها في المكان وتعيد تجسيد الماضي بكل جمالياته».
* تصوير: السيد رمضان