الأولمبياد الدولي للأحياء... وسيلة الاستثمار العلمي في عقول الشباب
تمضي دولة الإمارات قدماً نحو تحقيق رؤيتها في أن تصبح واحدة من أكثر الدول إنتاجاً للعلوم والمعرفة وذلك من خلال خلق بيئة محفزة للبحث العلمي، والاستثمار في الشباب من خلال تزويدهم بالمهارات والعلوم والمعرفة اللازمة لتمكينهم من أن يكونوا قادة المستقبل. وتأكيداً لهذه الرسالة العلمية، استقبلت جامعة الإمارات بمدينة العين، مؤخراً، فعاليات النسخة 34 للأولمبياد الدولي للأحياء، الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة، من تنظيم وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع جامعة الإمارات، والذي أقيم للمرة الأولى في العالم العربي، فالأولمبياد يعد أهم مسابقة دولية في مجال علم الأحياء ومنصة تستقطب أفضل المواهب الطلابية في هذا المجال من جميع أنحاء العالم، وقد شارك فيه 320 طالباً وطالبة من 80 دولة و300 عضو في اللجنة تحكيمية، إلى جانب نخبة من الخبراء في علم الأحياء.
حاورت «كل الأسرة» عدداً من الطلبة المشاركين في النسخة 34 للأولمبياد الدولي للأحياء في مدينة العين، حيث تحدثوا عن أهمية هذه المسابقة في تعزيز قدراتهم العلمية، وفي استعراض مهاراتهم في دراسة مادة الأحياء التي لا تعتمد على المناهج المدرسية فقط، إذ لابد أيضاً من الاطلاع على المصادر والأبحاث العلمية الخارجية. وقد خاض المتسابقون ستة اختبارات خلال فترة المسابقة، الاختباران النظريان الأول والثاني اللذان جرى تنفيذهما عبر جهاز الحاسوب، وتمحورت الأسئلة حول موضوعات تتعلق بتشريح الحيوان والنبات وعلم وظائف الأعضاء، علم الخلية والأحياء الدقيقة البيولوجيا الجزيئية، علم الوراثة وعلم البيئة، السلوك والنظم الحيوية. كما تضمنت الامتحانات الأربعة الأخرى تجارب حول الكيمياء الحيوية، والبيولوجيا الجزيئية النباتية، والمعلوماتية الحيوية، وعلم البيئة والأخلاق. وتصدرت الهند وسنغافورة الدول الفائزة بالميداليات الذهبية بواقع أربع ميداليات ذهبية لكل منهما، فيما جاءت الصين والصين تايبيه والوفد الأولمبي المستقبل بالمركز الثاني بثلاث ميداليات ذهبية.
وحصلت الطالبة الإماراتية ريم راشد النقبي على الميدالية البرونزية في المنافسات، لتسجل لدولة الإمارات فوزها الأول في أولمبياد الأحياء الدولي، وخلال حديثها معنا أكدت المتعة التي تشعر بها من خلال دراستها لمادة الأحياء، والتي تعتمد على العديد من المصادر والفيديوهات لتعزيز ما تعلمته في المناهج المدرسية، وقالت «في البداية أنا فخورة بتنظيم الإمارات لهذه المسابقة العلمية الكبيرة، وهي فرصة ليرى الطلبة من مختلف دول العالم ما وصلنا له من علم وتقدم، كما أعدها فرصة لتبادل الأفكار والعلوم فيما بيننا، وقد اطلعت قبل المشاركة في المسابقة على فيديوهات لمسابقات السنوات السابقة، ولم أشعر برهبة أو تردد في المشاركة، فالمسابقة تشمل العديد من الاختبارات المكثفة التي تحدت معارفنا ومهارات التفكير لدينا، كما شملت مجموعة من ورش العمل التي ساهمت في تعزيز روح الصداقة فيما بيننا».
ومن السعودية، تحدث الطالب المطير نواف عن استعداده للمسابقة الأمر الذي أهله للحصول على ميدالية برونزية، «علم الأحياء شغف ودراية بكيفية البحث والحل، والمهم ليس الثقة في القدرة على الحل بل في التعود على الحل، ومعرفة الأهم ثم المهم، وهذا ما اكتسبته مع الوقت، وحاولت أن أستعرض خبراتي الدراسية والعملية خلال المسابقة التي يشارك فيها طلبة من دول أجنبية، قد تكون متقدمة في أساليب وأدوات التعليم، ولكن على الرغم من ذلك نحن نعد ورثة رواد علوم الأحياء من العرب، ولدينا أدوات ومهارات فطرية، كما لدينا شغف كبير للتطور ورفع أسماء بلادنا في مختلف المجالات، وأهمها العلمية».
حضر عبدالله جادة مع فريقه من سوريا ليثبت للعالم أن الطالب السوري على الرغم من الظروف الصعبة، ما زال مصراً على المنافسة والتطور على المستوى العلمي، «رسالتنا للعالم من خلال الأولمبياد أن الطالب السوري لا يستسلم أمام الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها، فلدينا من الشغف والإصرار ما يدفعنا للمنافسة في مثل هذه المسابقة العلمية العالمية، خصوصاً أن هنالك العديد من ورش التدريب العلمية في سوريا، التي أهلتنا لنواصل تحصيلنا العلمي خصوصاً في مادة الأحياء، التي نتعلم من خلالها كل ما يتعلق بجسم الإنسان، بل الكائنات الحية كافة، وكل ما نحتاج له هو الفرصة لنطور أنفسنا ولنعود بالنفع على بلدنا».
من جهته، تحدث الطالب نيكيتا شوسا من إيطاليا، عن ضرورة مواكبة الطلبة للعلوم التكنولوجية الحديثة إلى جانب المواد العلمية، «المشاركة في الأولمبياد فخر لكل طالب أتى ليمثل دولته، وينافس من أجلها أمام 80 دولة مشاركة، ولكن في الوقت نفسه هو فرصة لمعرفة أساليب وأدوات التقدم العلمي والتقني في تدريس هذه العلوم، كي نتمكن من مواكبة هذا التطور في أساليب تحصيلنا العلمي، فقد سيطر الذكاء الاصطناعي على العديد من الوظائف وعلينا التسلح بهذا العلم كي نستخدمه في حياتنا العملية مستقبلاً، وأنا سعيد بتبادل هذه الأفكار في دولة عربية، حيث اكتشفنا أنهم يهتمون بالتعليم، خصوصاً علوم الأحياء».
وتعليقاً على الحدث، أكد الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير التربية والتعليم، أهمية الحدث كونه فرصة مهمة لاكتشاف الطلبة الموهوبين في مجال علم الأحياء من مختلف دول العالم، والمساهمة في إعداد القادة المستقبليين في علوم الحياة، فضلاً عن تمكينهم من تطوير شراكات علمية وبحثية دولية في المجتمع العلمي، وقال «حرصت دولة الإمارات على تبني الابتكار والإبداع منهجاً راسخاً ودعامة أساسية في تطوير خططها التنموية الاستراتيجية، ليكون الإبداع عنواناً للمضي قدماً نحو تحقيق رؤيتها للخمسين عاماً المقبلة، كما عملت على الاستثمار برأس المال البشري الشاب لتنمية مساهماتهم وقدراتهم وكفاءاتهم المهنية والعلمية، ودفعهم للمبادرة والمزيد من العمل للمشاركة بأفكارهم والاستفادة من طاقاتهم الكبيرة، باعتبارهم الثروة والسواعد التي سندفع عبرها عجلة التنمية ونبني المستقبل».
وقالت الدكتورة آمنة الضحاك الشامسي، رئيس اللجنة المنظمة للنسخة 34 للأولمبياد الدولي للأحياء - الوكيل المساعد لقطاع الرعاية وبناء القدرات بوزارة التربية والتعليم، «إن أهم المقاصد من تنظيم الأولمبياد، بداية الأخذ بيد الطلبة الموهوبين وتنمية قدراتهم إلى مستويات أكبر وأعمق وأشمل، ومن ثم العمل على تطوير مهارات التفكير الأساسية لديهم في مجال الأحياء، والتعمق أكثر في عمليات الحياة المعقدة، ومستوياتها الخلوية والجزيئية إلى المحيط الحيوي بأكمله، وهذا بدوره يسهم في إدراك الطالب لمفاهيم علم الأحياء بطريقة غير نمطية، ويعزز مهارات حل المشكلات والتحليل والنقد البناء لديهم. ولقد تميزت هذه النسخة من الأولمبياد بانسجامها مع أفضل الممارسات والتوجهات العالمية في مجال الاستدامة، فقد حرصنا على أتمتة الاختبارات لتتم عبر أجهزة الحاسوب بدلاً من الاختبارات الورقية، الأمر الذي ساهم بالاستغناء عن طباعة ما يفوق 65، 000 صفحة ورقية لاستخدامها لأغراض أداء الاختبارات. كما قمنا باستضافة مؤتمر التعليم الأخضر على هامش الأولمبياد لتعزيز الوعي وتمكين المشاركين من المساهمة بحلول مبتكرة لمواجهة التغير المناخي. وذلك يأتي انسجاماً مع توجه دولة الإمارات الذي يؤكد بأن العمل المناخي يعد من الركائز الأساسية لاستراتيجيتها الاقتصادية الوطنية وسياساتها الداخلية والخارجية، كما ينسجم مع الجهود المبذولة في دولة الإمارات الساعية للحد من تداعيات تغير المناخ وتعزيز التعليم الأخضر ورفع مستوى الوعي البيئي للمجتمع، وتعزيز ثقافة الاستدامة في المؤسسات التعليمية استعداداً لمشاركة الدولة في مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ 28COP والذي حظيت أيضاً دولة الإمارات هذا العام بشرف استضافته».