"قرض البراقع".. "عيون" من ألوان وأشكال و"خد" يروي حكايات متجددة
أكثر من 15 عاماً ومريم علي سالم الشحي تحترف «قرض البراقع» وتواكب الكثير من ملامح التراث الإماراتي، عبر إتقان العديد من الحرف التقليدية مثل التلي والخوص وغيرها.
بحب وشغف، تضع أم خالد أمامنا «عدتها» من الطاقة، كما تسميه لنا، وهو «القماش الذي يصنع منه البرقع ويستورد في الغالب من الهند»، وهناك مسميات منها «أبو نجمة» (اللون الأصفر)، أبو صاروخ (اللون الأخضر) والنيل (اللون الأحمر)، وتشرح لنا عن الشبوق أو الشبوج وهي «الخيوط المستخدمة في صناعة البرقع وغالباً ما تكون من البلاستيك أو من خيوط الزري الملون أو من القماش الأحمر من الصوف أو القطن أو خيوط صفراء أو فضية تستخدم لربط طرفي البرقع خلف الرأس» والصقرة، صدف يتم فيها مسح البرقع لإزالة أي شوائب فيه ويصبح ناعم الملمس ولامعاً، إلى «السيوف» وهي القطعة الخشبية التي توضع في وسط البرقع لتثبيته.
قرضة العين
تستعرض أم خالد عدداً من «قرضات» البراقع الخاصة «هذه قرضة دبي وهذه قرضة العين وهذه تمثل البرقع المعروف على صعيد الإمارات، إلى القرضة «العيمانية»، (نسبة إلى عجمان)، وقرضة البدو وبرقع العوامر (نسبة إلى قبيلة العوامر) وبرقع «شرجاوي» من الشارقة.
قرضة دبي
تشرح مريم الشحي «تختلف القرضات (أي القصات) تبعاً للخط المستقيم بداية البرقع من أعلى إلى الانحناءات الممتدة من الجبهة، وحتى آخر فتحة العين من الجانبين، وهناك عيون البرقع و«خد البرقع» وهو القطعة التي تغطي الوجه وتصنع بناء على طلب المرأة سواء كبيرة أو صغيرة، والنساء قديماً كن يفضلن القطعة الكبيرة لتغطية الوجه بشكل أكبر».
أدوات صناعة البرقع
تزوجت أم خالد في عمر مبكر وحملت في ذهبتها 3 إلى 4 براقع، كما تذكر «لم يكن العدد كبيراً كون «قراضات البراقع» كثيرات آنذاك، وكان يمكن أن أقتني براقع بألوان وأشكال متعددة وقتما أشاء حيث كان في كل فريج امرأة أو أكثر متخصصة بصناعة البراقع».
سبق أن شاركت أم خالد في إكسبو 2020 – دبي في نسيج التلي، إلا أنها ترصد إعجاب الأجانب بالبرقع وتأسف أن «بنات البلاد» بتن يتزين بالبرقع لمجرد الزينة، في وقت كانت المرأة ملزمة بارتدائه منذ اليوم الأول لزواجها لاعتبارات تتعلق بالعادات والتقاليد وكونها تسكن مع العائلة الممتدة من أهل الزوج ومن الحشمة أن تغطي الجزء الأكبر من وجهها.
أم خالد تعمد إلى تلميع البرقع بـ «الصقرة»
تقدم لنا تفصيلاً موجزاً عن كيفية صناعة البرقع «نقص الطاقة حسب القرضة المطلوبة ومن ثم يتم تشبيقها (بالخيوط) ثم نضع قطعة السيف الخشبية لتثبيت البرقع عند الأنف ويتم تحديد فتحتين كبيرتين للعينين وقصهما، ثم يوضع القماش على الجهة الأمامية للبرقع، وبعد ذلك يتم حياكته، كما نعمد إلى تلميع الجهة الخارجية للبرقع بالصقرة أو الصدف وبالصابون من الجهة الداخلية».
مع مرور الزمن، طرأ الكثير من التغيير على أشكال البرقع، وبعد أن كان يغطي معظم الوجه بحجمه الكبير، فقد تغير شكل تصميمه وباتت بعض البراقع تلبي الحاجة إلى الزينة عند الجيل الجديد من الفتيات سواء من ناحية الشكل أو المواد المستخدمة.
لم تزل أم خالد تمتهن «قرض البراقع» رغم اعترافها باندثار الكثير من ملامح تلك المهنة «فارتداء البرقع بات يقتصر على النساء الكبيرات في السن، ولكن ما زلت أشارك في الكثير من الفعاليات التي تسلط الضوء على أهمية هذا التراث الثقافي عبر مهرجانات تراثية تحاول أن تواكب عمل الحرفيات ويقربن الصورة للجيل الحالي من الشابات».
من معرض «تأملات عروس» للدكتورة كريمة الشوملي
لطالما وضعت الفنانة التشكيلية الدكتورة كريمة الشوملي البرقع ضمن أعمالها الفنية لكونها «ابنة هذا البلد»، كما تقول، «تنشئتي في بيئة كان كل من حولي من نساء داخل العائلة والجيران يرتدين البرقع».
وتضيف «كان البرقع حاضراً في حياتي اليومية، بيد أنه على الصعيد الفني ألوان البرقع المعدنية شكلت عالماً نابضاً بالنسبة لي، وكذلك شكل البرقع وما يحمله من جماليات عابقة».
شاركت في العديد من المعارض التي ترجمت هويتها الإماراتية وكان البرقع أحد مفردات هذا التراث، حيث تستوحي من فتحة العين والخطوط المنحنية وملمسها الناعم واللامع، إلى الخطوط المستقيمة في جزئية سيف البرقع، معالم رؤيتها الخاصة للبرقع وتماسه مع ذكريات الطفولة ويوميات من حولها من النساء.
توجز د.الشوملي «دوري توضيح هذه النقطة للآخر، وهو أن البرقع لا يشكل أي صورة من صور سيطرة الرجل على المرأة، بل يجسد إحدى صور التراث الإماراتي وجزء من مكونات اللباس المحتشم، كما يبلور مهارة المرأة الإماراتية في قص البرقع تلقائياً وتحقيق «نسبة وتناسب» جراء خبرتها، إذ مجرد ما ترى صانعة البراقع وجه المرأة، تعرف القياس المناسب لقص البرقع المناسب لها».
ما زال البرقع موجوداً بالنسبة للفنانة الشوملي التي ترصده «حاضراً في الكثير من الفنون، في الأكسسوارات وحتى في عروض الأزياء، وما زال بعض النسوة يرتدينه لأنه يمثل هوية المرأة الإماراتية بلونيه الأخضر المذهب والبنفسجي اللماع».
تنوع البراقع مع الوقت
سبق أن تمحورت رسالة الدكتوراه للدكتورة الشوملي حول البرقع الإماراتي، وتناولت فيه الجماليات التشكيلية للبرقع ورصد تاريخه وتماسه مع الهوية الاجتماعية والجمالية للمرأة الإماراتية، توضح «البرقع الإماراتي يختلف عن البرقع في أفغانستان وغيرها، فهو (أي البرقع الإماراتي) ليس أداة للإضرار أو السيطرة على حرية المرأة، بل يندرج ضمن عاداتنا وتقاليدنا ويمنح المرأة الحرية في مجال العمل وعند مشاركتها في الكثير من الأنشطة التي تتشاركها مع الرجل، والأهم أنه يبلور هوية المرأة وتماسه مع التراث المجتمعي».
برقع الزفاف
في رسالة الدكتوراه، تورد الشوملي برقع ليلة الزفاف لكونه «يختلف عن أي برقع آخر وهو مطعم بالذهب، ويسمى «البرقع الريسي»، وعند المرأة برقعان، إذا تلف أحدهما تقوم باستخدام الآخر، وفي حالة عدم قدرتها على اقتناء برقع جديد تحاول بطرق تقليدية استرجاعه كتلميع سطح البرقع وغيره».
وتسرد «قبل زفاف العروس بثلاثة أيام، يطلى جسدها بالنيل الأزرق (صبغ أزرق) وتكون معزولة لا تراها سوى أمها أو عماتها، ويتم إلباسها برقع إحدى قريباتها من العائلة شرط أن يكون لصاحبة البرقع أطفال، كنوع من الفأل الحسن بأن العروس ستنجب».
فوائد جمالية للبرقع
على صعيد آخر، تعمل دائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي على الحفاظ على هذا البعد التراثي الذي يجسد «رمزاً من رموز الزي التقليدي للمرأة الإماراتية وجزءاً من العادات والتقاليد حيث ترتدي المرأة البرقع بعد الزواج مباشرة منذ أول يوم لزواجها».
وبحسب الدائرة، فإن حرفة «قرض البراقع» كانت «مصدراً للرزق ومهنة تتوارثها النساء جيلاً بعد جيل، ويعد اللون الأحمر من القماش الأغلى ثمناً، أما اللون الأصفر فيقل ثمنه وجودته عن اللون الأحمر، بينما يعد اللون الأخضر الأقل ثمناً».
وثمة فوائد جمالية للبرقع على المرأة، إذ «يقيها أشعة الشمس عندما تخرج من البيت، كما يساعد اللون الذي يصنع منه البرقع في إضفاء الجمال والنضارة على وجهها».
تصوير: السيد رمضان ومن المصدر