امتلاكها ذخيرة علمية غنية ومسيرة ملأى بالمؤهلات فتح لها الطريق مشرعاً للفوز بالتكريمات واعتلاء المناصب الإدارية.. هي الدكتورة منى عبيد العيان، مديرة مستشفى صقر، طبيبة الأورام السرطانية واستشارية جراحة الثدي، الفائزة بجائزة محمد بن راشد للأداء الحكومي، التي كان لنا معها هذا الحوار:
اخترت دراسة الجراحة والتطبيب رغم صعوبة التخصص!
بشكل عام تتدرج الصعوبة في جميع التخصصات الطبية، لكن إن ركزنا على الجراحة، نعم فالتخصص يحتاج إلى عزيمة أكبر لظروف العمل التي تواكب الطبيب بعد فترة استكماله لمتطلبات الدراسة وتتويجه كطبيب، ومن وجهة نظري فإن أي تحد يخلق هو من صنع العقل الباطن، فطموح الإنسان وشغفه هو ما يجعله قادراً على مواجهة الصعوبات والتحديات، وخير برهان على ذلك وجود الكوادر النسائية الإماراتية اليوم في ذات التخصص وغيره من اللواتي قبلن الرهان وجعلن من خدمة الوطن وتطوير الذات هدفاً يسعين إليه.
كنت من أوائل خريجات البرنامج الوطني للزمالة في جراحة أورام الثدي، حدثينا عن تلك المرحلة؟
خلال العام الأخير من البرنامج التدريبي لتخصص الجراحة التحقت ببرنامج الزمالة الإكلينيكي لأمراض وجراحة الثدي التخصصي الجديد المعتمد من جامعة الإمارات والذي يعد مستواه التعليمي بحسب رأي الخبراء والمختصين مساوياً للمستوى التعليمي في الولايات المتحدة، لكن توافر مقعد سنوي وحيد للراغبين في الانضمام جعل منه برنامجاً تنافسياً وتحدياً بالنسبة لي، وبتوفيق من رب العالمين قبلت في البرنامج لأكون أول من انضم إليه وأمثل الدفعة الأولى من خريجيه، وهنا لابد أن نقف وقفة امتنان وشكر وتقدير لما تقدمه دولة الإمارات لكوادرها لتصنع منهم أشخاصاً متخصصين متمكنين في كافة المجالات.
أثناء مشاركتها في إحدى جلسات جمعية الامارات للتنمية الاجتماعية
حصلت على الكثير من المؤهلات العلمية التي زادت من خبراتك في تخصص أورام الثدي، كيف تمكنت من توظيف ذلك في مجال العمل؟
رحلة التعلم في الحياة رحلة لا تنتهي، لذلك لابد للإنسان أن يسعى دائماً للتعلم من خبراته وتجاربه، مع تقدم العلم في مجال الطب والعلوم الصحية تزداد مسؤوليات الطبيب ويصبح لزاماً عليه أن يواكب جميع التطورات والعلوم والتقنيات الحديثة ليتمكن من توظيفها بالشكل المطلوب لخدمة الوطن والمواطن. وعلى الرغم من حصولي على الزمالة الإكلينيكية في أمراض وجراحة الثدي، والبورد الأوروبي في جراحة الثدي، ودرجة الماجستير في جراحة أورام الثدي والجراحة الترميمية والتجميلية للثدي من جامعة برشلونة، إلا أني ما زلت أسعى لتطوير قدراتي من خلال الإقبال على البرامج التخصصية، والحصول على الشهادات التقييمية للكفاءة، واتباع التوصيات العالمية في المجال الصحي، والمساهمة في الدراسات والأبحاث، والمشاركة في برامج التدريب الإكلينكي للاطلاع على أفضل الممارسات وورش العمل والمؤتمرات العالمية والإقليمية والمحلية مما يسهم بلا شك في تطوير مهاراتي في الجوانب الصحية سواء التشخيصية أو العلاجية.
تكريم مستشفى صقر من قبل القافلة الوردية
رغم توليك منصب المدير العام لمستشفى صقر في رأس الخيمة لكنك ما زلت حريصة على ممارسة دورك كأخصائية أورام سرطانية واستشارية لجراحة الثدي؟
منحي منصب إدارة مستشفى صقر تشريفاً وثقة، وهو دليل على تمكين الكوادر الشبابية من قبل قيادة الدولة الرشيدة، في المقابل نظرة الأمل في عيون المرضى وثقتهم العالية جعلتاني أدرك بأني ما زلت طبيبة جعلت هدفها الأول الوصول لرضا المريض وعلاجه بأقصى الطاقات والإمكانات، ومما لا شك فيه أن جانب مسؤوليتي في هذا المجال جعلني طبيبة وقيادية تسعى لضمان الاستدامة في الخدمات الطبية في مقدمة عمل المستشفى.
ما الذي يميز وحدة العناية بالثدي في مستشفى صقر لتكون الأولى على مستوى الإمارات الشمالية؟
تم استحداث وحدة العناية بالثدي في المستشفى عام 2019 لتكون الأولى على مستوى الإمارات الشمالية بعد تزويدها بأحدث الأجهزة الحديثة وفريق طبي مختص، حيث يتم تقديم خدمات الكشف المبكر وجميع الخدمات التشخيصية والعلاجية والجراحية لأمراض وأورام الثدي، فهو أول مستشفى على المستوى الإقليمي أدخل قراءة الماموغرام بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تقديمه جراحات الترميم المباشرة بعد الاستئصال الكامل للثدي على مستوى وزارة الصحة ووقاية المجتمع وتفرده بعيادة اليوم الواحد التي يتم فيها تقديم جميع الخدمات بنفس اليوم لأكثر من 75% من الحالات.
خلال إحدى حملات التوعية
إبلاغ المريضة بإصابتها بسرطان الثدي أصعب ما يمكن أن يواجه الطبيب المختص، كيف تتعاملين مع هذا الموقف؟
طريقة التواصل مع المرضى هي فن لابد أن يتقنه الطبيب عند إيصال المعلومات، لذلك تعد دراسة شخصية المريض هي الخطوة الأولى والمفتاح الرئيسي لفهمه ما يساعد في إيجاد طريقة لإيصال المعلومات والتواصل معه عند إبلاغه بالنتيجة، فهناك فئة تتقبل المراحل العلاجية وتؤمن بأن الطب قد تطور، بينما تنزوي وتنكر وترفض الفئة الأخرى الحقائق، لذلك كل شخصية تحتاج إلى طرق معينة في التعامل، مع الاعتماد على الدعم الأسري كعامل مساعد، إضافة إلى دعم الطبيب في مساعدته على مدار الساعة في تقديم الاستشارات والإجابة عن جميع التساؤلات.
تواجدي في هذا التخصص عزز من الجوانب الإنسانية في شخصيتي
تمر على الطبيب الكثير من الحالات، ما هي الحالة التي مرت بك ولم تتمكني من تخطيها؟
كل مريض له قصة مؤثرة نعيشها معه بجميع تفاصيلها، والطبيب في هذا المجال هو الصديق والداعم الأول، تواجدي في هذا التخصص عزز من الجوانب الإنسانية في شخصيتي بأن أكون متفهمة وقريبة من كافة مرضاي وجعلني أستوعب كمية المشاعر والأحاسيس المختلفة للمرضى.
ما هي أكثر الأسباب المحتملة للإصابة بأورام الثدي؟
إلى هذا الوقت يعتبر السبب الرئيسي لسرطان الثدي غير واضح، حيث ترتبط 5 إلى 10% من حالات سرطان الثدي بالطفرات الوراثية، وهناك عوامل أخرى مرتبطة بنمط الحياة وعوامل أخرى هرمونية وبيئية قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، لكن تبقى هناك أسباب غير واضحة وراء إصابة بعض الأشخاص بالسرطان على الرغم من عدم وجود أي عوامل خطرة تهددهم أو تحيط بهم، بينما من الممكن كذلك ألا يصاب أشخاص آخرون معرضون لذات العوامل الخطرة.
المشاركة مع القافلة الوردية
كيف ترصدين الوعي بالإقبال على إجراءات الفحص المبكر لسرطان الثدي، ومدى فاعلية الفحص المنزلي في اكتشاف المرض؟
من خلال تزايد عدد النساء المقبلات على فحص الأشعة السينية للثدي بالرغم من وجود مخاوف واضحة من هذا الفحص، لمسنا تغيراً ملحوظاً في ثقافة المجتمع بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وكطبيبة لاحظت ذلك من خلال طلب الاستشارات سواء عبر الهاتف أو الحضور شخصياً بين فئات متنوعة من أفراد المجتمع. وهنا لابد من ذكر الجهود المبذولة من قبل المنشآت الصحية والمؤسسات الحكومية والمحلية والخاصة لدعم الحملات التوعوية للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وعلى الرغم من أن الفحص الذاتي لا يعد الطريقة المثالية للكشف المبكر عن سرطان الثدي لكنه مازال يساهم في التعرف إلى بعض التغيرات التي قد تحدث في الثدي واكتشافها مبكراً وبلا شك تحتاج إلى الاستشارة الطبية من المختصين.
تقليدها وسام رئيس مجلس الوزراء
تزخر مسيرتك بالكثير من الإنجازات والتكريمات، أيها أكثر وقعاً في قلبك؟
الحصول على وسام رئيس مجلس الوزراء لأفضل طبيب في الدورة الأخيرة يعد وسام شرف وتقديراً وعطاء من القيادة للمتميزين في القطاعات الحكومية، وهو الخطوة الأولى لمن يرغب في بناء اسم مرتكز على التميز والإنجاز والنجاح.
كيف تتلمسين وجود المرأة الإماراتية في هذا المجال؟
لا يخفى وجود النساء الإماراتيات في المجال الصحي الذي شغلن فيه مناصب وظائف مختلفة حرصن فيها على تقديم أفضل الخدمات الطبية، وبتكامل هذه الوظائف والمناصب يمكن استكمال المنظومة التي تجعل من أي مؤسسة صحية ناجحة.
أين تجد د. منى العيان بصمتها؟
البصمة هي الأثر المستدام، الذي يمكن أن أجده في بريق الأمل عند النظر في عيون المرضى، وعند التماسي ثقة المجتمع وإحساسي بالقدرة على تقديم خدمات متميزة.
* تصوير: السيد رمضان