07 ديسمبر 2023

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

محررة في مجلة كل الأسرة

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

تماهت مع شغفها بالأعمال اليدوية، وحلقّت إلى آفاق أبعد لتتميز في حرفة التطريز الفلسطيني، وبالأخص «غرزة الفلاحي التقليدية» بزخارفها، وإبداعاتها، وأشكالها، وألوانها المستقاة من تراث فلسطين.

الإماراتية مريم بوصيم، مدرِّبة تطريز فلسطيني، خاضت غمار هذه الحرفة منذ 30 عاماً، وتحديداً في عام 1993، وأتقنتها، وعبَرت بها إلى مدى أوسع، عبْر تنظيم دورات تدريبية للنساء اللواتي يرغبن في تعلم تلك الحرفة منعاً لاندثارها، وإحياء لتراث ليس مطروقاً في المجتمع الإماراتي، بعد أن انخرطت مريم بوصيم، وهي خريجة تربية أسرية، في دورة تدريبية في جامعة الإمارات لمدّة ثلاثة أشهر، قدمّت خلالها مشروع التخرج بلوحة مشغولة بالغرزة الفلاحية، وبكنبة نسجت قماشها بتطريزات فلسطينية، وبإتقان لافت.

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

في حديثها الكثير من الانتماء إلى تراث تستعيد مفرداته، وتحيط بتاريخه «يتميز التطريز الفلسطيني الفلاحي بالكثير من الخصائص الجميلة، ولكنّه غير منتشر في الإمارات، فارتأيت إطلاع الناس عليه، ونشره بين الكثير من الفئات المهتمة، وتعريفها بهذا الفن العريق، وتخصصت فيه لكونه مميزاً، ونادراً، على الصعيد المحلي».

ثمة سِرّ لا تعرفه مريم بوصيم جذبها إلى هذا المجال «كنت مفتونة بجماليات التطريز الفلسطيني، وارتأيت التخصص في هذا المجال، حيث عملت مدرّسة لأربع سنوات، ثم قدمت استقالتي وباشرت مشروعي الخاص «بوتيك M.bussem»».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

تدمج مريم بوصيم النقوش الفلسطينية مع بعض لمسات «التلي» الإماراتي على العباءات، وأطقم المواليد، وحتى مستلزمات الخطوبة، منها الوسادة التي تحوي «دبلة المعاريس»، كما تستخدم النقوش الفلسطينية بشكل فني، سواء على أكمام العباءات، أو على الصدر، وتدرّجه في «كلف ثانية» حيث الغرز الفلسطينية تضفي جمالاً استثنائياً على القطع المشغولة.

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة
من إحدى الورش التدريبية في منزلها

تقول «أنا جدّ فخورة بانخراطي في هذا المجال، وهو مجال متميز لي كامرأة إماراتية انتهجت مجالاً مغايراً للسائد، حتى أن الجيل الحالي من النساء الفلسطينيات لا يعرفن الكثير عن التطريز الفلاحي، وبالتالي أنا أحمل مشعل هذه الحرفة، وأنشر، من خلال الدورات التي قوم بها، ثقافة التطريز الفلسطيني في الإمارات لنُظهر للأجيال القادمة أهمية هذا التراث، وتماسّه مع حضارة فلسطين وتاريخها».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

تصّر بوصيم على العمل اليدوي من دون الاستعانة بأي آلات قد «تشوّه» روح العمل، وتكرّس نفسها لتعليم هذه الحرفة «الثوب الفلسطيني يروي تاريخاً وحضارة، ويتسم بالعراقة. فهو يروي حكاية شعب في ثوب واحد، ويجسد قصة كل مدينة فلسطينية، حيث إن هذه الأثواب تختلف، في زخرفتها ورسوماتها، تبعاً للمدينة، وحتى تجسد الطبقة الاجتماعية، والمعاناة التي عاشها الناس، حيث يمكن القول إن تلك الزخارف هي نتاج إبداع ناتج عن تلك المعاناة».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

للثوب الفلسطيني حكاياته المتعددة، ويُعتبر بطاقة تعريف للمرأة الفلسطينية، ولانتمائها لمدينة، أو قرية معينة، وتشرح مدرّبة التطريز الفلسطيني «قد لا تكون المرأة الفلسطينية ملزمة بالتعريف بنفسها لكون الثوب الذي ترتديه هو بطاقة تعريف بها، وببيئتها، والمدينة التي تنتمي إليها، وبالمستوى الاجتماعي الذي تنحدر منه، سواء كانت من الخليل، رام الله، جنين، غزة، طولكرم، أو غيرها من المدن والقرى الفلسطينية».

ووفق بوصيم، فإن هذه الحرفة تعود إلى عهد الكنعانيين، وكانت النجمة الكنعانية تميّز الزخارف «كلما كانت الزخارف أكثر، وزاد سمك الخيوط المستخدمة والمساحة المزخرفة على الثوب، كلما زادت قيمة الثوب الجمالية والمادية. لذلك، نرى أن من يعملن في مجال الزراعة من النساء الفلسطينيات يرتدين أثواباً قليلة الزخرفة، ليكنّ قادرات على إنجاز أعمالهن بسهولة ويُسر، ولكي لا يعيق وزن الثوب حركتهن في البساتين والحقول، وتداخلت النقوشات مع توافد بعض النساء من مناطق فلسطينية إلى أخرى بفعل الزواج من مناطق أخرى، لنجد أن الأثواب باتت تحمل مزيجاً من النقوش. فالثوب يتجاوز الزيّ إلى كونه يروي حكاية عن حياة هؤلاء النساء ويومياتهن».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

تعيش وتعايش مريم بوصيم الأجواء الفلسطينية، فهي لا تكتفي بمعايشة الزخارف والخيوط والتراث بل تضفي على الورش التدريبية نكهة فلسطينية عبر بعض الأطباق الخفيفة التي تقدمها لضيفاتها، حيث المائدة تعبق برائحة الزيتون الفلسطيني، وزيت الزيتون، والزعتر، واللّبنة، وكعك الأساور الفلسطيني بالتمر، حتى أنها تستعين بأوراق شجر الزيتون لإضفاء لمسة تحاكي رائحة الأرض.

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

الكثير من النساء والفتيات يشاركن في دورات التطريز الفلسطيني التي تنظمها بوصيم

تشارك الشابة حنين، أردنية فلسطينية من قضاء يافا، في ورشة هي الأولى لها حيث تتعلم الأساسيات الأولية في التطريز الفلاحي، تقول لـ«كل الأسرة»، «قد تكون هذه المشاركة ترجمة توعوية عن أهمية تراثنا، وأصالة هذا التراث، ومن باب التضامن مع أهلي في غزة والتواصل معهم، ولو عن بعد».

شعرت حنين برغبة جامحة في المشاركة «لفت انتباهي أن سيدة إماراتية لديها هذا الشغف بتراثنا، وشعرت إلى أي مدى قد تكون المشاركة في دورة تهتم بالتطريز الفلسطيني عاملاً مساعداً على تحرري من الطاقة السلبية التي أشعر بها مع أحداث غزة، وقد يكون إبداع قطعة فنية تزدان بالألوان والتاريخ وحكايات هذا الشعب الجبار، طريقة رائعة للتواصل مع أهلنا في فلسطين».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

بدورها، ثمة دوافع نفسية وذاتية دفعت زينب محمد من مصر للمشاركة في دورة التطريز الفلسطيني، تؤكد بتأثر «كان هدفي التعرف إلى مجال جديد، بما يتماهى مع شغفي في التطريز، وعند خوض غمار هذه الدورة اكتشفت مدى تماس هذا المجال مع الهوية الفلسطينية، وعناصر إحياء التراث الفلسطيني، ما شكّل منطلقاً لمشاركتي في الدورة كنوع من أنواع مساندة فلسطين في معاناتها».

أما سلمى العابد، من عمقا -قضاء عكا في فلسطين، فقد اختارت هذه الورشة لكون «التطريز الفلسطيني بات مجالاً نادراً، سواء بتعليمه للأجيال المقبلة، أو توارثه. فجدّاتي توفين، ولم يعد أحد من أجدادنا على قيد الحياة لأتعلم منه تراث بلدي، خاصة أنني شغوفة بالتطريز الفلسطيني. ليست مهمة صعبة ولكن تتطلب مجهوداً أكثر في تناسق خطوط الزخرفة والألوان».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

تبدو المشاركة من النساء الفلسطينيات جليّة في تلك الورشة. نورا فحماوي، فلسطينية من قضاء حيفا، ومن أم الفحم تحديداً، قادتها الرغبة إلى التعرف إلى تراث بلدها «هذه الورشة الأولى لي في مجال التطريز الفلسطيني، وأرغب، بشدّة أن أتعلم تراثنا، لأنّ السؤال الذي ينخر رأسي هو في حال لم نتعلم تراثنا ونورثه إلى أبنائنا، فمن سيعلّمهم ذلك؟ وأتلمّس الإجابة عبر هذه الورشة التي تعزز بقاء التراث حياً، إذ أنوي تعليمه لأبنائي».

إماراتية تعلّم التطريز الفلسطيني.. مريم بوصيم: سِرّ خفيّ جذبني إلى هذه الحرفة

بيد أن ثمة إقبالاً من النساء الإماراتيات أيضا على الانخراط في هذه الدورات. تهوى فاطمة الرمسي، إماراتية، الأشغال اليدوية وتشارك في الدورة من باب صقل معارفها ومهاراتها «سبق وشاركت في الكثير من الدورات التي تختّص بصناعة الصابون والشموع والبخور، ولفت انتباهي هذا المجال الجديد، حيث أعتبر أن مشاركتي في تلك الورشة هي رسالة تضامن مع أهلنا في فلسطين، ومع تراثهم، وتجذّرهم في الأرض».

* تصوير: السيد رمضان