بعد فوز "ماذا سيقول الناس؟" بصفقة نشر عالمية.. سارة حمدان: روايتي تضيء على نساء قويّات يحققن أحلامهن
في محاولاتها الدؤوبة للعثور على إجابة لتفاصيل «ما حولنا»، والبحث عن ملامح هويتها، كتبت سارة حمدان «ماذا سيقول الناس؟»، حيث التناقضات التي عاشتها بأصلها الفلسطيني في اليونان وبجواز سفر أمريكي.
سارة حمدان، وهي صحفية سابقة في «نيويورك تايمز»، ومحررة سابقة في «غوغل»، أرادت أن تعكس شخصيتها و«غربتها»، وأبعاد انتمائها ورحلتها نحو التحرر من بعض «التفاصيل المعقدة»، وهي تتماهى، في كتابها، مع «القضايا المشتركة التي تواجه جميع النساء في رحلاتهن نحو تحقيق الذات».
كتابها الأول «ماذا سيقول الناس؟» الذي تنافست عليه دور نشر في مزاد العروض، فاز بصفقة مع دار نشر أمريكية، وهي «دار هنري هولت وشركاه»، وهي خطوة جديرة بالاهتمام، وبالأخص «إنه أمر نادر لكاتبة جديدة»، كما تؤكد.
ومع انعقاد مهرجان «طيران الإمارات للآداب 2024»، تحاور «كل الأسرة» سارة حمدان التي تلقت دعماً من «مؤسسة الإمارات للآداب»، حول روايتها، وانتماءاتها، وزواجها، ومفاتيح نجاح هذا الزواج.
كتابك «ماذا سيقول الناس؟» يتماهى مع واقعك كشابة عربية.. كيف عايشت عوالم هذه الرواية؟
جزء من جهودي في كتابة هذه الرواية تمضي في محاولة العثور على الإجابة. نحن نقوم بـ«خلق» أوصاف وتعريفات شخصية لما حولنا، ولكن الحقيقة هي أننا جميعاً لدينا تفاصيل معقدة وهذا جزء من الإنسانية.
استلهمت الرواية من الوقت الذي قضيته في نيويورك كطالبة دراسات عليا في جامعة كولومبيا، حيث شعرت بأن تناقضاتي كانت محل اهتمام. فأصولي فلسطينية، لكنني نشأت في اليونان، ولديّ جواز سفر أمريكي. أردت أن أكون مثل أصدقائي الأمريكيين، وأردت أن أكون كعائلتي العربية. وعلى الرغم من أنني كنت أتفاهم مع الجميع، إلا أنني لم أكن أنتمي تماماً، إلى أيّ من تلك الأماكن.
تجاربي فريدة، وقصصي تلامس جوانب مشتركة بين أغلبية ثقافات العالم الحديث، ورسالتي بسيطة «الجميع يحاولون معرفة حقيقتهم والتنقل في عالم يزداد تعقيداً. لنجد الصفات المشتركة التي تقرّبنا من بعضنا بعضاً عوضاً عن التسرع بالحكم على ما لا نعلمه».
انتماءاتي المختلفة أطلّت بي على سؤال «من أنا؟» لأدرك أن تفاصيلنا المعقدة هي جزء من إنسانيتنا
برأيك، كيف يمكن تحقيق التوازن بين عاداتنا وتقاليدنا والعيش بحريتنا في عالم يحمل الكثير من التناقضات؟
أصف نفسي بأنني امرأة عربية متعددة الثقافات، أو ابنة ثقافة ثالثة. أعتقد أننا، بفضل الإنترنت، وسهولة الوصول إلى المعلومة، لا نحتاج إلى تقييد أنفسنا بحدود المعرفة المفروضة علينا.
أؤمن كذلك بأن قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة نجحت في بناء مجتمع آمن ومفتوح، يسمح لنا بأن نكون من نحن، وأنا سعيدة بأن دبي كانت موطني لما يقرب من 20 عاماً. التقيت زوجي هنا، وهو أيضاً ابن ثقافة ثالثة يحمل جنسيتين، نصف فلسطيني ونصف أيرلندي، ومعاً نربّي طفلين جميلين بثقافات مختلفة، آدم وسيرين.
حصلت روايتك «ماذا سيقول الناس؟» على صفقة مع دار هنري هولت وشركاه. ماذا يعني هذا الإنجاز لك؟
لقد انتظرت هذه اللحظة طوال حياتي. كنت صحفية ومحررة بمهنتي، وعملت دائماً مع الكلمات، لكن حلمي كان يكمن في كتابة رواية. وساهمت مشاركتي في الفصل الأول من برنامج «زمالة الإمارات للآداب وصِدِّيقي للكتّاب» في جعلي أؤمن حقاً بأنني كاتبة، وأنني أستطيع أن أحلم بأنه لا مستحيل.
من المهم أنّه تمّ توقيع كاتبة عربية أمريكية، وهي أنا، لإطلاق كتاب في الولايات المتحدة (أكبر سوق للكتب في العالم)، وهو كتاب عملت عليه أثناء إقامتي وعملي في دبي، مدينة عالمية في بلد عربي. يشبه ذلك تصوير فيلم في دبي وإطلاقه في دور العرض (السينما) في سوق الولايات المتحدة، أولاً.
كيف ترصدين مراحل تحقيق هذا الحلم؟
من الأمور المهم ذكرها أن كتابي تنافست عليه دور نشر في مزاد العروض، وانتهى الأمر بدار النشر رفيعة المستوى «هنري هولت»، بتوقيع عقد لروايتي الأولى بمشروع لنشر كتابين، وهو أمر نادر جداً لكاتبة جديدة. لقد قامت هولت بنشر لأدباء عمالقة أدبية، بما في ذلك هيلاري مانتيل، وتوني موريسون، وليان موريارتي، إضافة إلى مذكرات ماريا كاري، أشهر مغنية في العالم.
إضافة إلى ذلك، يُعَدّ تعاوني مع محررتي شانون كريس في «هنري هولت» لروايتي الأولى «ماذا سيقول الناس؟» شرفاً عظيماً، وآمل أن يكون هذا هو بداية مشوار أدبي طويل ككاتبة. وهذا الدعم تبلور من قبل وكيلتي القوية، ميريديث ميلر من وكالة UTA وشيلا كراولي من وكالة كورتيس براون، والتي أشكرها على الاعتراف بجهدي الشاق، ودعمي في صناعة شديدة المنافسة مثل النشر.
ما هي القضايا التي تحملها سارة حمدان في جعبتها الكتابية؟
في هذه الرواية بالتحديد، أردت التطرق إلى حق المرأة في أن تحب أياً كان من تحبه. أكتب عن الناس، والثقافة، والتفاعل الإنساني. إذا أردنا أن نطلق عليها تعبير «قضايا»، فهي القضايا المشتركة التي تواجه جميع النساء في رحلاتهنّ نحو تحقيق الذات. تسلط الرواية الضوء على نساء قويات يستطعن أن يحققن ما يحلمن به، وعلى محيطهن من الأفراد الذين يدركون أن الخيارات التي تتخذها هؤلاء النساء تؤثر في كيفية تطور حياتهم (أي حياة هؤلاء الأفراد). وأنا أعتقد أن الرواية، بشكل أو آخر، تمثلني إلى حد ما.
نساء ملهمات في مسيرة سارة حمدان
كيف تبلورين ثمار الدعم من مؤسسة الإمارات للآداب؟
زمالة مؤسسة الإمارات للآداب أحدثت تغييراً حقيقياً في حياتي، ومهرجان طيران الإمارات للآداب هو قصة نجاح مهمة للغاية في مساعدتي، وزملائي، على أن نؤمن، ونثبت بأنه يمكن تحقيق النجاح من دبي على المسرح العالمي.
لقد تلقينا ورشاً مصممة خصيصاً من قبل الكتاب الأكثر مبيعاً، مثل غريغ موس، وإيان رانكين، وكانت لدّي مرشدة مخصصة، الكاتبة الآيسلندية الأكثر مبيعاً يرسا سيغورداردوتير، والتي عملت معي على مسودات عدة. سافرت مجموعتنا من الزملاء إلى نيويورك لحضور ورشة عمل خاصة بالكتابة، وعشاء مع المحررين. أصبح الزملاء مجموعة دعم، وأصبح لدي الآن أصدقاء للكتابة مدى الحياة.
هذه الأنشطة والورش والدعم هي شهادة على الرؤية المذهلة لمؤسسة الإمارات للآداب، ومجموعة صدّيقي القابضة، ولا سيما لأحلام بلوكي، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الإمارات للآداب، وإيزابيل أبو الهول، المؤسسة والمستشارة، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمارات للآداب، وهند صدّيقي، رئيسة قسم التسويق والاتصالات لدى مجموعة صِدّيقي القابضة. هؤلاء النساء المذهلات يساعدن على دعم الأصوات القادمة من المنطقة. أنا فخورة جداً بأن هذه الجهود تقودها نساء ملهمات؛ ولكن الكتّاب الذين يستفيدون هم نساء ورجال، والكتب تكون باللغتين، الإنجليزية والعربية.
أنت محررة وصحفية سابقة في «نيويورك تايمز» وفي «غوغل».. إلى أي مدى وظفت تجربتك الصحفية في المجال الكتابي؟
الموهبة من دون ممارسة يومية لا تتطور، تماماً مثل الرياضة، أو الأعمال التجارية، حيث تحتاج إلى العمل يومياً على تدعيم المهارات، والمواظبة على جانب ما، لتصبح أفضل في المجال. وكوني صحفية يعني أنني أكتب ما لا يقل عن 500 كلمة في اليوم على الأقل، لمدة 200 يوم في السنة. هذا يعني أنني كتبت أكثر من 100000 كلمة في السنة، لعدة سنوات. وللمقارنة، تتراوح كتابة رواية كاملة نحو 85000 كلمة. لذا القيام بشيء بشكل منتظم كل يوم يجعلك أفضل فيه.
وبصفتي صحفية، تيسّر لي إجراء مقابلات مع أشخاص من خلفيات متنوعة، والسفر حول العالم. هذه التجارب والقصص أثْرت خيالي، وجعلتني أعايش عوالم مختلفة.
خوض مجال الصحافة ساعدني على الإمساك بعوالم مختلفة والقراءة زادي الذي أنهل منه لغتي التي أعبّر بها عن تلك العوالم
للكتابة عوالم خفية، ما هي عوالم سارة حمدان الخفية؟
الكتابة ساعدتني في التعرف أكثر إلى نفسي، وإلى العالم من حولي. في الواقع، لا أحب الاختفاء وعيش حياتي في الظل، وفي المقابل، لا أتمادى في مشاركة تفاصيل حياتي الخاصة في العلن، وأسعى إلى التوازن في الأمور.
القراءة.. «الوقوف على أكتاف العمالقة»
القراءة جزء من زاد الكاتب، كيف تقضين يومياتك وما أبرز قراءاتك؟
عادة القراءة ساعدتني على «الوقوف على أكتاف العمالقة». أقرأ يومياً بلا استثناء، وتتنوع الأساليب بين محمود درويش، وإيلينا فرانتي، وكيفن كوان، ورونا جافي. سأقرأ حتى مكونات علبة طعام إذا كان هو الشيء الوحيد المتاح. ويغلب الطابع الغربي على اختياراتي في القراءة، حيث إن الإنجليزية ليست الأكثر شعبية فقط، بل تتميز بكونها لغة عالمية تتطور مع الزمن. لو تخيلنا أن كل الكتب المتاحة باللغة الإنجليزية لا تزال تُكتب بنمط شكسبير السردي، لكان من المستحيل رؤية تلك الكتب تتحول إلى أفلام، وبرامج تلفزيونية تنال إعجاب الجمهور.
لذا، فإنه من المفيد أن أعبّر بالإنجليزية، سواء بالحديث أو الكتابة، لجمهور عالمي.
أنت تجسدين نجاح المرأة العربية وقدرتها على التمسك بالعادات والتقاليد، ما الرسالة التي توجهينها للشباب والشابات العرب؟
أعتقد أنه لا يمكن تصنيف المرأة العربية التقليدية الناجحة في نمط واحد. ففي البحث عن ماهية تلك المرأة، لدينا جميعاً الحق في الوجود، بغضّ النظر عن اختلافاتنا. هناك ألف نوع من «المرأة العربية التقليدية»، على الأقل، وأنا نوع واحد فقط.
نصيحتي لكل امرأة: كوني صادقة مع نفسك بكل فخر. فقد ترعرعت مع أهلي في بيت عربي باليونان. لا أحد آخر مثلي (كما أرى نفسي)، لذلك، توقفت عن محاولة أن أكون مثل الآخرين. حافظت على القيم التي تعني لي: حباً عميقاً للأسرة، السفر والفنون الإبداعية وتمسكي بالكرم والجود.
نصيحتي للنساء أن يأخذن كل الوقت لمعرفة أنفسهن واهتماماتهن، وأن يستكشفن العالم من خلال زيارة أي مدينة، أو دولة تجسد ثقافة تختلف عن ثقافاتهن الأصلية. كما أنصحهنّ ألا يحكمن على الآخرين. فمن الضروري تقبّل الغير، ونشر المشاعر الإيجابية، للحصول على الإيجابية نفسها في المقابل.
أشرعة الحب.. الصيانة الدورية للعلاقة الزوجية
في كتابك، تحاول الشابة التعبير عن رغبتها في العيش والوقوع في الحب كما يحلو لها، كيف تعيش الكاتبة سارة حمدان الحب وكيف تهادن أشرعته؟
لقد نشأت في منزل محب من قبل والدين داعمين للغاية، رسما لي حدوداً، ولكنهما وثقا بي أيضاً للخروج واستكشاف عوالم أخرى، إلى إتاحة الفرصة أمامي للدراسة والعيش، بعيداً عنهما. مع شريكي، أردت شخصاً يفهم تناقضاتي، ويتمتع برؤية عالمية مشابهة.
أردت أن أبني عائلة مع شخص متسامح، محب للسفر، واسع الأفق، وذي روح مرحة. في دبي، صادف أن مقالتي الأولى في صحيفة نيويورك تايمز كانت عن فن الكوميديا المرتجلة (الستاند أب) في الشرق الأوسط، وقد أجريت مقابلة مع الرجل الذي كان أول من قدم فن الكوميديا المرتجلة على شاشات التلفزيون في العالم العربي. وبعد فترة، تزوجنا. أصله مزيج فلسطيني وأيرلندي، وهو شريك روحي 100%. حياتنا معاً هي أكبر إنجاز لي. مثل كل علاقة، هناك أوقات يسيرة، وأخرى عسيرة. والمفتاح هو الصيانة الدورية، والتواصل المفتوح والضحك.
لدينا طفلان جميلان، لقد تجاوزنا تربية أطفالنا الصغار خلال جائحة، ومشاكل عمل ووظائف، وفقدان أحبائنا. وفعلنا كل ذلك معاً. الحياة قد تكون صعبة، لكن علينا دائماً أن نجد طريقة للضحك معاً.
* تصوير: السيد رمضان