10 يوليو 2024

آنا وإيلين.. تعارفتا على مواقع التواصل وحين التقتا اكتشفتا سرّاً غامضاً

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

آنا وإيلين.. تعارفتا على مواقع التواصل وحين التقتا اكتشفتا سرّاً غامضاً

لهما الطول ذاته، الوزن ذاته وملامح وجهيهما متطابقة تماماً، أنا وإيلين مراهقتان جورجيّتان في التاسعة عشرة من عمرهما، تعارفتا مصادفة على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2021، ولأنهما كانتا متشابهتين تماماً، فقد جرت بينهما كيمياء جعلتهما تعيشان صداقة مميّزة ولو عن بعد.

في شهر أغسطس من العام الماضي، قررت آنا وإيلين تحديد موعد للقاء، كان ذلك في تبليسي عاصمة جورجيا حيث نشأتا، لم يخطر في بالهما أن ذلك اللقاء سيكون مفتاحاً لسرّ غامض يخفي جرائم كبيرة بحق الطفولة والإنسانيّة.

تقول إيلين «لقد شعرنا أثناء ذلك اللقاء بشيء لم نتمكن من تفسيره، شعرنا أننا نعرف بعضنا بعضاً منذ زمن بعيد، عانقتها وعانقتني وأجهشنا بالبكاء، كان اللقاء مثل صدمة تدور في فلكها أسئلة عديدة وقلق كبير».

ليس هذا فحسب، فقد لاحظت الفتاتان أنّهما تشبهان بعضهما بعضاً في أشياء أخرى، فعندما كانت إحداهما تبدأ الكلام بجملة، كانت الثانية تكملها.

تقول إيلين «لقد رحنا ننظر في المرآة» وتقول آنا: «لاحظنا أن لدينا شكل العينين ذاته، وكذلك شكل الأنف والشفاه».

آنا وإيلين.. تعارفتا على مواقع التواصل وحين التقتا اكتشفتا سرّاً غامضاً

المواجهة.. ومفاجأة صاعقة

لم تجد آنا وإيلين أمام ذلك التشابه الغريب بينهما سوى سؤال والديهما للاستفسار عن ذلك الشعور وذلك التطابق. وكانت الصدمة بالجواب الذي تلقته كلتا الفتاتين من والديهما.. لقد تم تبنيهما، والذين ربوهما ليسوا والديهما البيولوجيين!

على إثر تلك الصدمة، بدأت الفتاتان تتعمقان في تاريخ عائلتهما البيولوجية، وأدركتا أنهما اثنتين بين عشرات الآلاف من الأطفال في جورجيا، الجمهورية السوفيتية السابقة على البحر الأسود، الذين سُرقوا من والديهم عند الولادة وبيعوا في السوق السوداء.

آنا وإيلين.. تعارفتا على مواقع التواصل وحين التقتا اكتشفتا سرّاً غامضاً

الحمض النووي يؤكّد التطابق

في العام الماضي، وبعد الشكوك التي ساورتهما منذ اللقاء الأول، خضعت كل من إيلين وآنا لاختبار الحمض النووي، وجاءت النتيجة لتكشف عن جرائم بيع الأطفال، التي كانت تجري في البلاد على مدى نصف قرن من الزمن؛ ألين وآنا توأمتان سُرقتا من والديهما بُعيد ولادتهما وبيعتا لعائلتين مختلفتين.

في الواقع، لقد نشأت آنا وإيلين في أسرتين مختلفتين، في مدينتين جورجيّتين تفصل بينهما ساعتان.

تقول إيلين «لقد صُدمنا، نحن حتى لم نتمكّن من استيعاب ما جرى، لقد أغدق علينا والدانا بالتبنّي الكثير من الحبّ على مدى 18 عاماً».

تغيير تاريخ الميلاد

لقد تم تسجيل آنا وإيلين رسميّاً على أنهما ولدتا في عام 2005 بفاصل شهرين، الأمر الذي يعني أن إيلين تبلغ حالياً من العمر 19 عاماً بالفعل، ولقد كان تغيير تاريخ الميلاد جزءاً من مخطط بيع الأطفال بهدف التغطية على الممارسات غير القانونيّة.

آنا وإيلين.. تعارفتا على مواقع التواصل وحين التقتا اكتشفتا سرّاً غامضاً

ما الذي حصل عام 2005؟

تقول باتماني باركوسادزي، والدة آنا بالتبني: إنها دفعت ما قيمته اليوم 5350 دولاراً أمريكيّاً لتبنيها في عام 2005. وكان هذا المبلغ آنذاك يكفي لشراء شقة صغيرة في جورجيا.

وتضيف: «لم يكن لدينا أدنى فكرة في ذلك الوقت عن الممارسات الفاسدة، و كان علينا الانتظار لسنوات طويلة لتبنّي طفل، ولقد انتظرت وزوجي ستّ سنوات قبل أن نحصل على آنا، ولم نكن نتخيّل كيف تمّت سرقتها من والديها، لقد علمت اليوم أن مجرمين منظمين كانوا وراء تلك الجريمة، وقد عملوا على تجنيد سائقي سيارات الأجرة والأطباء وكذلك مسؤولين حكوميّين».

وتتابع باتماني «كانت هذه الجريمة المنظمة منتشرة في جميع أنحاء جورجيا، لا يمكننا أن نتحدّث عن تورّط مستشفى واحد للولادة، بل كانت جميع مراكز الولادة متورّطة.. لقد كان سائقو سيّارات الأجرة ينقلون الأطفال من مستشفى إلى آخر، حيث تجري العملية على أيدي ممرّضات وأطباء متخصّصين بأمراض النساء، والغريب أنه لم يتمّ القبض على أحد، ما يؤكّد تورّط مسؤولين».

يُذكر أن تلك الجرائم لم تكن تحدث في العاصمة الجورجيّة فقط، بل كانت تلك الممارسات غير القانونيّة تجري في عدد كبير من المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، وحتى الآن، لم يُعرف سوى القليل عن تلك المرحلة المظلمة من ماضي جورجيا.

الصحفية الجورجية تامونا موسيريدزي
الصحفية الجورجية تامونا موسيريدزي

قصص مأساوية أخرى

في عالم 2016، اكتشفت الصحفيّة الجورجيّة تامونا موسيريدزي أثناء قيامها بإخلاء منزل والدتها بعد وفاتها، أنها تملك شهادتيْ ميلاد بتاريخين مختلفين، ثم اكتشفت لاحقاً أنها كانت متبناة، ولكن عندما بدأت في استجواب والدها، ردّ عليها بعدوانيّة وحثّها على التوقّف عن التحقيق.

وبعد اكتشاف حقيقة عائلتها، أنشأت تامونا صفحة في الـ«فيسبوك» للمّ شمل الأطفال بأسرهم، ولقد ساعدت المجموعة، التي تضم الآن ما يقارب 250 ألف عضو، في لمّ شمل 700 أسرة.

«لقد سرقوا أطفالي»

على بعد ساعتين بالسيارة شرق العاصمة تبليسي، تعيش إيرينا أوتارا شفيلي البالغة من العمر 71 عاماً، والتي أخبرها طبيبها في عام 1978 أن توأمتيها قد ماتتا بعد ثلاثة أيام من ولادتهما، وتقول: «طلبت من زوجي أن يحضر ما نلفهما به ثم ندفنهما، فأحضر زوجي حقيبة يفترض أنها تحوي طفلتينا، مع ملابسهما وحفاضاتهما. دفنا الحقيبة في الفناء الخلفي للمنزل تحت شجرة بندق، و لم ننظر ما في داخلها».

وبعد أكثر من أربعة عقود، عثرت نينو ونانا، توأمتا إيرينا، في الـ«فيسبوك» على صفحة الصحفية تامونا، وخطر في ذهنهما أن تكون أمهما البيولوجية أيضاً ضحيّة لمخطّط الاتجار بالأطفال.

وتقول نانا «أخذنا أمي إلى منزل شقيقها وحفرنا القبر حيث دفنت الحقيبة، فلم يكن بداخلها أيّ شيء على الإطلاق باستثناء عصي صغيرة، وحينما أبلغنا الشرطة أكّدت لنا أن لا وجود لأي بقايا بشريّة».

وتقول إيرينا بحرقة «لقد سرقوا طفلتيَّ مني، وإذا رأيت تلك الخاطفة الآن فلن أسامحها، كنت دائماً أظنّ أن الطبيب فرد من عائلتي و لم أستطع حتى أن أتخيّل أنه يستطيع سرقة طفل ثم بيعه وإخبار أمّه أنه قد مات».

فتاتان من جورجيا اكتشفتا صدفة أنهما توأم
فتاتان من جورجيا اكتشفتا صدفة أنهما توأم

أسعار تصل إلى 30 ألف دولار أمريكي

تقول المحاميّة ليا موخاشافريا «لم أكن لأتخيّل أبداً عدد حالات الاتجار بالأطفال التي تحدث في هذا البلد، لقد تفاقمت الأمور في التسعينيّات عندما أصبح من الممكن التخلّي عن الطفل في الخارج وبيعه مقابل مبالغ كبيرة».

وتضيف «عندما بدأت في البحث عن طفل لنفسي في جورجيا قبل 20 عاماً، تواصلت مع أشخاص متورطين في هذا النوع من الأعمال واكتشفت أنهم يطلبون سعراً للصبي ضعف سعر البنت، كما يختلف السعر اعتماداً على عمر الطفل، لقد بدا لي واضحاً أن هؤلاء الأشخاص يقومون بتجارة غير قانونية منظمة تماماً».

ونظراً لصعوبة مقاضاة الجرائم القديمة للاتجار بالأطفال، فإن ليا موخاشافريا تركّز جهودها أولاً على رفع قضايا مدنيّة إلى المحاكم الجورجيّة في محاولة لتغيير القانون وتسهيل العثور على الوالدين البيولوجيين للأطفال المتبنين.

وبموجب القانون الجورجي، لا يمكن للأطفال المتبنين الوصول إلى شهادات ميلادهم دون إذن والديهم البيولوجيين.

وتقول موخاشافريا «لديّ تفاؤل كبير بأن القضاة الجورجيين سيتخذون قرارات لصالحنا لأنّهم يتفهّمون الألم الكامن وراء كل حالة من هذه الحالات الإنسانية، وفي حال خسرنا القضايا الثلاث فسوف أرفعها إلى المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان».

يذكر أنه في عام 2022، بدأت الحكومة الجورجية تحقيقاً في الاتجار التاريخي بالأطفال، ولكن النتائج لم تُعرف حتى الآن.

أما آنا وإيلين فهما سعيدتان معاً، وتحاولان تعويض ما فاتهما من سنوات ضائعة.. وتقول آنا «لا أظن أنّني سأحب شخصاً أكثر من إيلين.. نحن متشابهتان تماماً، ويكفي أنّني عندما رأيتها شعرت بسعادة عارمة».