05 أكتوبر 2024

"الشارقة، وجهة نظر" في دورته الـ12.. معرض يحاكي قضايا النزوح والأمومة وتشظي الهوية

محررة في مجلة كل الأسرة

تحتضن مؤسسة الشارقة للفنون معرض «الشارقة وجهة نظر»، في دورته الـ 12، بعنوان مستوحى من قصيدة للشاعر محمود درويش «لو كنتُ غيري»، حيث يستقطب المعرض تجارب متنوعة لفنانين من خلفيات مختلفة تُعرض أعمالهم بشكل مستقل على امتداد بيت عبيد الشامسي، في قلب الشارقة، ما يشكّل منصّة، أو مساحة متميّزة لهم للتعبير عن أفكارهم، وقضاياهم من خلال أعمال فنية مبتكرة.

يستمر المعرض حتى الثامن من ديسمبر، ويطرح، عبر أربعة فنانين، تجارب إنسانية، وأفكاراً ورؤى عن الهوية، والنزوح، وتشظي الذكريات، وعن البيئة، والنسوية والأمومة، والكثير من ملامح المجتمعات المهمّشة.

وفي هذا الصدد، توضح سارا المهيري، قيّم مساعد في مؤسسة الشارقة للفنون، أنّ «المعرض يجمع بين أصوات وتجارب متنوعة، مجسّداً روح التجريب في التصوير الفوتوغرافي المعاصر، ويعرض أعمال أربعة فنانين، هم: سارة قنطار، ثاسيل سوهارا بكر، أروم دايو، مشفق الرحمن جوهان، الذين تُجسّد أعمالهم تجارب شخصية، وتاريخاً، وذاكرة جماعية، ورغم تنوّع المنهجيات المستخدمة في إنشائها، إلا أن جميعها تستحضر ذكريات تتناغم مع التجارب الإنسانية المشتركة».

وتتوقف سارا المهيري عند مراحل تطوّر هذا المعرض على مدى سنوات «فمنذ انطلاقه عام 2013 بغية تشجيع المشاركة العامة في التصوير الفوتوغرافي كوسيط فني، تطوّر هذا المعرض إلى منصّة تعرض جميع أشكال التصوير الفوتوغرافي، مثل التصوير الصحفي، والمقالة المصوّرة، والأعمال التجريبية في شكليها، الفيلمي والرقمي»..

لافتة إلى أنّ «الدورة الثانية عشرة تضمّ برنامجاً إرشادياً مهنياً فردياً، يتيح للفنانين فرصة التواصل مع ممارسين ثقافيين، أو محترفين يختارونهم بأنفسهم».

وإلى جانب الأعمال الفنية، ينظم المعرض مجموعة من الأنشطة التفاعلية، مثل ورش العمل، والمحاضرات، ما يسهم في تعزيز الوعي الفني والثقافي لدى الجمهور، وفي جعل المعرض تجربة تعليمية وفنية في آن واحد، تستهدف جميع الفئات العمرية، وتعزيز مكانة الشارقة عاصمة للثقافة والفنون.

كما تتنوع الأعمال المعروضة بين تجارب شخصية وجماعية، تتناول مواضيع كالمنفى، الهوية، الأمومة، وغيرها، وتوثق تجارب إنسانية متنوعة باستخدام مناهج متعدّدة، بحيث تمنح الفنانين المشاركين الفرصة لاستكشاف واختيار مساراتهم الفنية بأنفسهم.

مشفق الرحمن جوهان: «ذكريات ما قبل التطوير»

من عمق تجارب الهجرة والنزوح، يلتقط المصور الوثائقي وعالم الأنثروبولوجيا مشفق الرحمن جوهان، ملامح الألم والأمل في عمله «ذكريات ما قبل التطوير»، حيث يلقي الضوء على مشروع محطة الطاقة في مسقط رأسه، وما استتبع هذا المشروع من خسارات، وهجرة، وأثما، اجتماعية، وثقافية، وبيئية.

في مشروعه الفوتوغرافي، يوثق جوهان معاناة المجتمعات المهمّشة في بنغلاديش، ليبرز التحولات العميقة التي أحدثتها مشروعات التنمية، بخاصة محطة بايرا لتوليد الطاقة التي انطلقت في عام 2014 في مسقط رأسه، في موريتشبونا، ببنغلادش، بعد أن اضطر الناس لمغادرة بيوت أجدادهم، حاملين ذكرياتهم، وآمالهم، وخيباتهم.

عدسة جوهان تتجاوز السطح لتصل إلى الحكايات الخفية وراء التطوّر، فتوثق العائلات التي أُجبرت على مغادرة أراضيها بسبب الوعود بالتنمية، والتعويضات الموعودة التي لم تتحقق، حيث يصوّر جوهان البشر وهم يقفون على مفترق طرق، بين الأمل بالتغيير، والخوف من المستقبل المجهول، حيث تتحول الأرض إلى ذاكرة جماعية مملوءة بالشجن.

وسط كل هذه التفاصيل، تستكشف عدسة جوهان المناطق المظلمة خلف ستار التطور، لتكشف عن الصراع بين التنمية وذكريات الماضي، على إيقاع موجع من الهجرة القسرية.

أروم دايو: متى تنوين الزواج؟

من خلال سلسلة الصور «كابان نكاح؟ متى تنوين الزواج»، تسعى المصورة الصحفية أروم دايو إلى تسليط الضوء على قضايا حساسة تتعلق بمفهوم الزواج، لتفتح آفاقاً جديدة من التفكير حول التوقعات الثقافية للنساء، والأدوار التي يرغبن في تبنّيها، وتحاول تشريح التعقيدات التي تواجهها النساء العازبات في جاوة الإندونيسية في صراعهنّ بين التقاليد والحداثة، في ظل الفجوات الثقافية بين الأجيال المختلفة في إندونيسيا.

ففي جلسة تصوير خيالية لحفل زفاف تقليدي، تختبر دايو التوقعات المجتمعية التي تحيط بالنساء عند الزواج، بخاصة الضغوط التي تفرضها الأعراف على النساء الشابات ليلعبن دور العروس المثالية.

تقوم دايو بتصوير العرائس بلمسة فنية تبرز التناقض بين المتوقع منهنّ في إطار الزواج التقليدي، وما يطمحن إليه في حياتهن الخاصة، وهي بذلك (أي المصورة) تطرح تساؤلات عميقة وجوهرية حول مفاهيم الأنوثة، الأمومة، ودور المرأة ومكانتها في المجتمع، بحيث تترجم رؤيتها أن هذا الدور لا يقتصر على كون المرأة شريكاً في بناء الأسرة، بل فرد يتمتع باستقلالية، ويحمل في جعبته الكثير من الأحلام.

من خلال عملها، تسعى دايو إلى تفكيك «المعايير» التقليدية، وفتح مجال للنقاش حول كيفية سد الفجوة بين الأجيال، في سياق حوار أعمق حول مفهوم الزواج، وغايته، وكينونة المرأة، وغيرها.

سارة القنطار: «نحو النور»

توثق الفنانة سارة القنطار رحلتها في ظلال النزوح عبر سلسلتها الفوتوغرافية «نحو النور»، بإيقاع يلتقط لحظات المرارة والعبور إلى «النور».

في تلك الرحلة، الكثير من الخوف، الأمل، الحب، الصداقات الزائفة، والكثير الكثير من الانتظار، حيث تسجل القنطار تجربتها الشخصية في النزوح والهجرة، وهي تعبر من سوريا إلى اليونان، مروراً بتركيا، بين ديسمبر 2015 وفبراير 2016.

هذا التسجيل لرحلة حملت الكثير من المخاطر تمّ بواسطة هاتفها المحمول الذي كان «بطاقة عبور»، إذا أمكن القول، لتوثيق مشاعرها ولطمأنة أهلها، رغم كل عدم الأمان الذي رافق رحلتها، وبالأخص تجاربها مع مهرّبي البشر، وصولاً إلى فرنسا (حيث تقيم)، موثقة تلك اللحظات المشوبة بمشاعر مختلطة من الخوف والأمل.

«نحو النور» سلسلة صور توثيقية، ولكنها أيضاً توثق لمشاعر النازح الذي تتنازعه أمواج القهر، ويهرب من مكان لآخر باحثاً عن الأمان، وتطرح التساؤلات الأعمق عن الهوية والمستقبل والأحلام المخبّأة في جعبة الذكريات.

هذه الفصول من الصراع الداخلي مع المجهول وثقته سارة القنطار أيضاً في فيلمها القصير «3350 كم»، (2023)، ويتمحور حول أب وابنته، ورحلة النزوح الممتدة على مدى سبع سنوات، لقطع مسافة 3350 كيلومتراً، وهي المسافة التي تفصل بينهما (أي بين الأب والابنة) في طريقهما نحو النور.

ثاسيل سوهارا بكر: «شواطئ مضاءة»

يعدّ المصور الهندي ثاسيل سوهار بكر (من مواليد كيرلا 1992)، رائداً في تصوير المسطحات المائية، لقدرته على التقاط انعكاسات الضوء والسماء بطريقة تجعل المشاهد أمام صورة نابضة بالحياة، تتغير مع كل نظرة.

من خلال عدسة كاميرته، يجمع سوهارا بين الواقعية والخيال، وتتجلى عبقريته في التلاعب بالضوء والظلال، حيث يلتقط اللحظات التي تندمج فيها السماء بالماء في لوحة واحدة، ويرصد التفاصيل الدقيقة من تموجات الماء، انعكاس الألوان، ورقصات الضوء على السطح، حيث يدعوك إلى استكشاف جماليات غير متوقعة.

لا تقف إبداعات سوهارا بكر عند تصوير الطبيعة، بل يتجاوز المألوف بحيث تمثل سلسلته الفوتوغرافية «شواطئ مضاءة» رحلة استمرت ثلاثة أشهر، زار فيها سوهارا بكر خمس ولايات هندية، وتتضمن التَماس مع المسطحات المائية، ومع المجتمعات التي تعتاش عليها..

كما تتضمن صوراً للاضطرابات التي عمّت البلاد جرّاء جائحة «كوفيد -19»، والتي أدت إلى تشريد مجتمعات الطبقة العاملة، والتسبب بخسائر فادحة في الأرواح.

تشكّل صور سوهارا بكر تجارب بصرية، يقدم عبرها رؤية خاصة تجسد اللحظات التي تفلت من الزمن، وتعلق في ذاكرة الضوء.

* تصوير: السيد رمضان