19 يوليو 2023

نساء يشتكين: شريك حياتي.. ليس كاتم أسراري!!.. ما رأي الشرع؟

محرر متعاون

محرر متعاون

نساء يشتكين: شريك حياتي.. ليس كاتم أسراري!!.. ما رأي الشرع؟

بحكم التربية والثقافة والعادات والتقاليد يتطلع بعض الرجال والنساء في عالمنا العربي إلى معرفة كل شيء عن شريك حياته، حتى ولو كان بطرق غير شرعية وغير أخلاقية، فالرجل يعتقد أن من حقه أن يطلع على تفاصيل حياة زوجته ليس من وقت ارتباطها به فقط، بل من تاريخ مولدها ويسعى كثير من الرجال إلى التعرف إلى ماضي وحاضر زوجاتهم بكل الوسائل. في المقابل تشعر كثير من الزوجات أنهن ملكن أزواجهن، ومن حقهن معرفة كل شيء عنهم، وقد تدفع الغيرة المرضية بعض الزوجات إلى التلصص والتفتيش في ملابسهم وهواتفهم وعمل زيارات مفاجئة لهم في أماكن عملهم!!

أين يقف الشرع من كل هذه السلوكيات من الرجال والنساء؟ وما هي الخصوصيات التي تحميها الشريعة الإسلامية لكل من الزوجين؟ وهل من حق كل منهما التعرف إلى الماضي العاطفي لزوجته؟

نساء يشتكين: شريك حياتي.. ليس كاتم أسراري!!.. ما رأي الشرع؟

مشكلات نفسية

يؤكد د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، خصوصية العلاقة بين الزوجين، ويشدد على أن هذه العلاقة مصانة بتعاليم الشرع، ومصانة بحكم العادات والتقاليد العربية المحافظة، ومصانة بحكم الفطرة التي خلق الله البشر عليها خاصة ما يتعلق منها بالجانب الحسي.. ولذلك فكشف أسرار شريك الحياة ضد الدين، وضد الفطرة البشرية، وضد التقاليد التي تربينا عليها.

ويرى أن هناك فارقاً كبيراً بين الغيرة المعتدلة التي تدفع الزوج أو الزوجة إلى التحوط على زوجها وحمايته من إقامة أية علاقة عاطفية مع طرف آخر أو حتى مجرد التفكير في ذلك، وبين الغيرة المرضية التي تدفع أياً منهما إلى التجسس على الآخر ومحاولة التعرف إلى كل خصوصياته والتفتيش في هاتفه، ومطاردته بالاتصالات الهاتفية أثناء عمله، أو تكليف بعض أصدقائه وزملاء العمل بنقل أخباره. كل هذه السلوكيات تفعلها بعض الزوجات، وقد يفعلها بعض الأزواج، وكل ذلك ناتج عن عدم الثقة، وتكشف عن ضعف العلاقة بين الزوجين.

ويضيف «نعيش في مجتمعات شرقية لها منظومتها القيمية والأخلاقية ومن الطبيعي أن يغار الزوج على زوجته، لكن المرفوض والمدان أن تتحول الغيرة إلى عنف وعدوان جسدي، أو تتطور إلى ارتكاب جريمة كما يحدث أحياناً في حياتنا الواقعية».

ويشدد أستاذ الطب النفسي على أن ماضي الزوجة العاطفي من حقها ما دامت لم ترتكب ما يغضب الله، ويتنافى مع الأخلاق.. إلا أنه يؤكد أن المصارحة في مثل هذه الأمور أفضل، خاصة وأنه من الطبيعي أن يكون لكل شاب وفتاة تجارب عاطفية قبل الزواج، وقد تكلل هذه التجارب بالزواج وقد ينصرف كل طرف بعدها عندما يظهر له عدم وجود وفاق وتفاهم.. وهذا الأمر لا يعيب الزوجة ما دامت قد طوت هذه الصفحة من حياتها بعد الزواج، وأخلصت للزوج، وحافظت على حقوقه، وأصبحت مشاعرها وعواطفها ملكاً خالصاً له دون شريك.

نساء يشتكين: شريك حياتي.. ليس كاتم أسراري!!.. ما رأي الشرع؟

خصوصية بيت الزوجية

د. صبري عبدالرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد ضرورة تربية أولادنا ذكوراً وإناثاً على احترام قدسية وحرمة بيت الزوجية، وعدم نقل أخباره لأي أحد حتى ولو كان أسرة الزوج أو الزوجة، ويبين «الرجل ينبغي أن يكون حافظاً لأسرار زوجته، والزوجة كذلك، فطبيعة العلاقة بينهما وما تتصف به من خصائص تؤهل كل منهما للقيام بهذا الدور لو كان يعرف تعاليم دينه جيداً في هذا الأمر. لكن للأسف تغيب أحياناً آداب وأخلاقيات العلاقة الزوجية التي رسمها الإسلام عن بعض الأزواج والزوجات، ومن هنا تكثر الخلافات والمشاحنات الزوجية والتي تخرج تفاصيلها لكل المحيطين بهم وقد تصل إلى صفحات التواصل الاجتماعي».

ويواصل «الطرف الذي يكشف ما يحدث بينه وبين شريك حياته مريض يحتاج إلى علاج تربوي ونفسي ويحتاج إلى معرفة الحلال والحرام حتى يدرك خطورة ما يقوم به.. فالحديث عن العلاقات العاطفية بين الزوجين يدخل في باب إشاعة الفاحشة، كما أنه يجرح المشاعر والعواطف ولا يحترم الأحاسيس، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يفشي سر أهله بأنه من أشر الناس، فقد جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحكي لصديقاتها عما يحدث بينها وبين زوجها فقال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: «إن الذي يفعل ذلك مثله مثل شيطان يأتي شيطانة على قارعة الطريق والناس ينظرون إليه» وهذا التصوير الغرض منه التنفير والتقبيح لأن الأمور الزوجية ينبغي الحفاظ عليها بكل الوسائل».

ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية أن ديننا لم يأمرنا بالحفاظ على خصوصية العلاقة الزوجية وعدم التحدث فيما يخص الجوانب الحسية أو العاطفية بين الزوجين فقط، بل إن كل ما يحدث بين الزوجين من مناقشات وخلافات وأمور تتعلق بالأولاد، وما يخص شؤونهم المالية.. كل ذلك له حرمته، ولا يجوز لأحد من الزوجين أن يتحدث عنه لأطراف خارج نطاق الأسرة.

نساء يشتكين: شريك حياتي.. ليس كاتم أسراري!!.. ما رأي الشرع؟

سكن ومودة ورحمة

من جهتها، توضح د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن العلاقة بين الزوجين تبنى على التفاهم والتوافق والحماية المتبادلة، وهذا ما يسفر عن المودة والرحمة التي تحدث عنها الخالق سبحانه في قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة....»، وفي التعبير القرآني (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) ما يدعو إلى الطمأنينة، فخلق الزوجة من نفس الزوج يحدث الاطمئنان بينهما والسكن».

وترى أستاذة الشريعة الإسلامية بأن الحياة الزوجية قائمة على الحقوق المشتركة بينهما وأهمها (حسن العشرة الزوجية)، فبين الزوجين ميثاق غليظ يجب على كل منهما أن يحافظ عليه حتى لا يتعرض لعقاب الخالق أولاً، وحتى لا تفسد علاقته بشريك حياته، «هناك أمور شخصية خاصة بكل منهما، هذه الأمور لا يحق لأحدهما التدخل فيها طالما أنها لا تضر بالحياة الزوجية بينهما، فلا يحق للزوج أن يتجسس عن الأمور الخاصة بشخصية زوجته، وكذلك لا يحق للزوجة أن تبحث أو تتجسس عما يخص زوجها، عملاً بقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا....» أي: لا تفتشوا عورات كل منكما، لأن للأسف.. هناك بعض القيم والسلوكيات التي تسللت إلى الحياة الزوجية وأفسدتها، وأصبح كل من شريكي الحياة يشك في الآخر، وفي ظل استمرار هذه السلوكيات لا تستقيم الحياة بينهما».

وبناء على ذلك لا يحق للزوجة أن تفتش في موبايل الزوج، وهو كذلك، لأن هذه الأجهزة قد تحمل أسراراً خاصة لا يحق لأحدهم الاطلاع عليها بشرط ألا تضر بالعلاقة الزوجية القائمة على الصراحة والسكن والمودة والرحمة.

نساء يشتكين: شريك حياتي.. ليس كاتم أسراري!!.. ما رأي الشرع؟

ماضي الزوجة.. ملك لها

وعن أحقية الزوج في التعرف إلى ماضي الزوجة العاطفي، تقول أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر «المفروض في فترة الخطبة أن يتعرف كل من الخاطب ومخطوبته علي العيوب والمحاسن لكل منهما، حتى يحدث التقارب والتعارف الذي تبنى عليه الحياة الزوجية، ولا ينبغي أن يدلس أحدهما على الآخر، فلو سبق لها الخطبة قبل ذلك، أو هو تعرض لتجربة فاشلة مع امرأة أخرى ينبغي الإفصاح عن ذلك. أما ماضي الزوجة العاطفي الذي لم يطلع عليه أحد المتعلق بالشعور والإحساس في فترة ما تجاه شخص معين ثم انتهى الأمر، هذا حقها ولا ينبغي أن تكشف عنه لأحد طالما أنه لا يؤثر في علاقتها بمن تريد الزواج منه، لأن الرجال بطبيعتهم الغيرة، فمن المحتمل أن يعيرها بهذا الأمر فتتوتر العلاقة بينهما. ونحن نعلم جميعاً أن لكل إنسان ماضياً، وقد يكون هو أكثر منها، فلماذا يحاسبها ولا تحاسبه على ماضيه؟ المفروض أن الحياة تبدأ حيث انتهى كل منهما من حياته الخاصة ولا ينظر إلى الماضي».

تفاصيل ينبغي كشفها

ورداً على سؤال: هل تأثم الزوجة لو أخفت تفاصيل حياتها الخاصة عن زوجها؟ تجيب د. فتحية الحنفي التفاصيل المتعلقة بحياة الزوجة الخاصة تكون على شقين:

  • تفاصيل عادية جداً لأن كل شخص له تفاصيل خاصة في حياته، فإذا كانت هذه التفاصيل لا تؤثر على العلاقة الزوجية بينهما، فلا إثم في ذلك.
  • تفاصيل تؤثر بالسلب في الحياة الزوجية مثل العيوب الخلقية التي تؤثر في العلاقة بينهما، أو عندها مرض ما يؤثر في استقامة العلاقة بينهما كالربو وغيره، أو أنها ليست بكراً، وغير ذلك من التفاصيل التي تؤثر في عدم استقامة الحياة الزوجية بينهما، فإذا أخفت هذه التفاصيل كانت آثمة شرعاً، وتكون الحياة بينهما قائمة على الغش والتدليس وهذا حرام ويتنافى مع أسس الحياة الزوجية".

 

مقالات ذات صلة