19 ديسمبر 2023

إنعام كجه جي تكتب: سندريلا من هذا الزمان

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: سندريلا من هذا الزمان

كان يا ما كان، في قديم الزمان، فتاة فقيرة من رود آيلاند تعيش وحيدة مع والدتها. إنها تتعرض للسخرية من رفيقات المدرسة لأنها ترتدي ثياباً رثّة. لذلك كانت تهرب من واقعها الحزين لتسرح في دنيا الأحلام. وكلّنا يعرف بقية الحكاية التي اخترعها «والت ديزني» عن سندريلا. لقد التقت بأمير وسيم وقع أسير جمالها، لكنها ضاعت منه، ولم تترك سوى فردة حذائها التي سقطت من قدمها. يستنفر الأمير كل مرافقيه للبحث عن صاحبة الحذاء و... تنتهي الحكاية نهاية سعيدة.

هذا العام تحتفل استوديوهات ديزني الأمريكية بمرور 100 عام على تأسيسها. لكن سندريلا أمهاتنا لم تعد تشبه سندريلا العصر الحديث. وتقول جنيفر لي، مديرة ديزني، إن مياهاً كثيرة جرت في أنهار العالم منذ أن صدرت الطبعة الأولى من حكاية سندريلا التي تحولت، في حلم ورديّ، من فقيرة إلى أميرة. ومع تعاقب السنوات والأجيال، تغيّرت صور الأميرات بشكل ملحوظ. فأميرة اليوم لا ترتدي فساتين محلّاة بالدانتيلا، وأحذية فضية بكعوب عالية، بل نراها في الجامعة بسروال جينز وبلوزة قطنية وحذاء رياضة.

ليست سندريلا وحدها من تغيّرت، بل بناتنا وحفيداتنا. وقرأت قبل أيام مقالاً جميلاً للأستاذة نيفين مسعد، تحكي فيه عن تغيّر نوعية الهدايا التي تطلبها البنات الصغيرات في الأعياد والمناسبات. إن حفيدتها لم تعد ترغب في باربي، بل تريد مستحضرات تحمي البشرة وتحافظ على نضارتها.

تصوروا كتكوتة في العاشرة من العمر تحفظ أسماء زيوت الشعر، والشامبو الخالي من مواد كيمياوية، والمراهم التي تقاوم التجاعيد! أدهشني مقال الدكتورة التي عودتنا على اقتناص الملاحظات الاجتماعية الذكية. أدهشني لأن حفيدتي ما زالت في سنتها الأولى، لم تبلغ سن اختيار الهدايا بعد. لكنني أذكر أن ابنتي كانت ترفض، منذ أن بلغت سن المراهقة، أن ترتدي اللون الوردي في الثياب. إنه لون يناسب الرضيعات، وهي صارت آنسة تختار ألوان فساتينها، وسراويلها، ومعاطفها، بنفسها. تحب الأصفر، والأزرق، والبرتقالي، وتنفر من الزهري.

لا أذكر أنني اشتريت لابنتي كتباً لليافعين تتحدث عن سندريلا، أو قطر الندى. كانت تفضّل مجلات للقصص المصورة، ومنشورات لمن هم في عمرها، لم تكن معروفة على أيامي. أما ولدي فكان يقرأ روايات عن غزو الفضاء، وعن ارتياد القطب الشمالي.

في مرحلة من المراحل لم أعد أشتري هدايا لابنتي، ولا لشقيقها. لقد صارا أطول مني. وهما يفضلّان أن أمنحهما نقوداً لكي يشتريا الهدية التي تناسبهما. وهما لا يختاران مشترياتهما من المتاجر الكثيرة في البلد، بل من «النت». أما أنا، فما زلت لا أفهم كيف يمكن اقتناء حذاء لمجرد أنني شاهدت صورته، من دون أن أجرّبه في قدمي، وأمشي به خطوات لأتأكد من أنه مريح.

أقرأ تصريحات مديرة ديزني وأتذكر سندريلا. لقد نسيناها، ولابد أنها صارت امرأة عجوزاً اليوم. هل يمكن لدور النشر ولشركات الإنتاج السينمائي أن تشدّ وجهها، وتُجدد لها شبابها، وأن تعيدها إلى اهتمامات بنات اليوم؟ جهد مشكوك فيه. والمثل يقول: لكل زمان رجال... ودُمى.

 

مقالات ذات صلة