شباب الإمارات...كيف شكّلوا "جبهة إسناد" لمواجهة "الهدير" وعبروا العواصف؟
لم يتردّد الشباب، الإماراتي والمقيم، في خوض غمار ميدان السيول والمياه المتجمعة في الشوارع للحدّ من آثار المنخفض الجوي الذي ضرب الإمارات، وهرع الكل لمدّ يد العون للأسر والعائلات التي احتجزت في المنازل جراء ارتفاع منسوب المياه، وعدم القدرة على النزول، والعجز عن توفير المتطلبات الغذائية.
بيد أن التطوع لمحو آثار المنخفض الجوي لم يقتصر على العنصر الشبابي، بل كانت الصورة الأكثر ألفة هي مُشاركة الأسر، والنساء، والأطفال، في إزالة تداعيات منخفض «الهدير».
من كل إمارات الدولة، قدمت مجموعة شباب لمساندة جهود إزالة الأضرار، ومساعدة العائلات، وأصحاب الهمم، والحالات المرضية.
تألف الفريق المتطوع من نحو 11 فرداً، ووحدها روح التكافل دفعتهم إلى مواصلة الليل بالنهار، كجبهة إسناد حقيقية في الميدان، واللقاء على أرض الشارقة من كل إمارات الدولة.
يشرح ذياب صالح المنصوري: «تطوّعنا كإخوة، و«ربع»، وأفراد من دبي، والشارقة، وعجمان، وأبوظبي، لا نعرف بعضنا بعضاً، لمواكبة المستجدات على الأرض، وردّ الجميل لدولتنا التي لطالما قدمت لنا الكثير».
للفريق قصة يرويها المنصوري: «الفكرة ترتكز على هدف واحد، وهو تجسيد تكافلنا وتضامننا مع جهود كل الأطراف الأخرى، وهذا ما قمنا به على مدى أيام المنخفض، حيث اجتمعنا، وباشرنا العمل بمعدات فردية، وليس بوسائل متطورة، لتوزيع بعض المواد الغذائية، والماء على العائلات داخل المباني، وتوفير احتياجات أصحاب الهمم والأطفال وكبار السن».
ورغم الجهد المبذول على مدى اليوم، لا يشعر المتطوع المنصوري بأي تعب: «لشدّة شعوري بالفرح والإنجاز، ونومي لثلاث ساعات فقط، لكني جدّ سعيد بمواصلة هذه المسيرة التطوعية».
زميله المتطوع حامد سيف لا يقّل حماسة عنه: «ما نفعله هو ردّ جميل للدولة، واستكمال نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي أرسى أسس التكافل والتضامن في مجتمعنا. فشعوري لا يوصف وأنا أقدّم المساعدات للأسر المحتاجة، لدرجة أننا صعدنا، في بعض الأحيان، 20 طابقاً، وأحيانا أخرى 30 طابقاً، على أقدامنا، لتوفير احتياجات بعض من كبار السّن العاجزين عن الحركة، وأصحاب الهمم، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، أو حتى إيقاف بعض المصاعد عن العمل».
عند إسعاف امرأة حامل
هذا الجهد يُشعر المتطوع سيف بالفخر لكونه قادراً على مواكبة نبض الشارع. ويروي عن نجدة امرأة حامل ومساعدتها، وفريقه، على نقلها إلى منطقة خالية من المياه، ومن ثم نقلها إلى المستشفى في سيارة إسعاف. يقول: «حالات كثيرة صادفناها، سواء لمرضى غسل الكلى، كبار السن، مرضى السكّر، وأصحاب الهمم، وكلها حالات مؤثرة، ولكن الأكثر تأثيراً هو الدعوات الصادقة النابعة بصدق من الأفراد الذين يتلقون المساعدات، وما يرافق يومي هو عبارة «كفو فيكم عيال زايد».
يتبادل الفريق العمل في مناوبات دورية، وتتكاتف الجهات الرسمية، والشعبية، في إيصال المساعدات لمستحقيها من حليب أطفال، وأدوية، ومتابعة الحالات الطارئة. يوجز حامد سيف المشهد بجملة واحدة: «كلنا على قلب رجل واحد، والكلمة الطيّبة هي سفيرة الأوطان».
شباب تجمعوا من كل إمارات الدولة في مبادرة فردية
مبادرات العطاء والتطوع طبعت معظم المناطق المتضررة، حيث قام العديد من الشباب، بمبادرات فردية، أو ضمن جمعيات خيرية وتطوعية، بمساعدة الأسر المحاصرة، وتزويدها بالطعام، والشراب، وبـ«مؤونة» تقيها مواجهة عواقب الخروج من المنزل في ظل الأجواء التي كانت سائدة.
وإن كانت تلك العطاءات ليست جديدة على الشباب الإماراتي، فإن آثارها لا تقتصر على تجسيد روح التضامن والألفة بين كل الشرائح المجتمعية في الدولة، بل تخفف معاناة بعض الأسر، وتطّل على مواسم عطاء سبق وزرعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في بناء جسور المحبة مع الآخر، وبناء مجتمع إنساني سِمته الأساسية الرحمة والتلاحم.
بهذه الروح التضامنية النبيلة، يعمل عبدالله صالح الخيال في الميدان، ويقود فريق «كاربتنيوم» الذي قام بجهود جبارة منذ اليوم الأول للمنخفض، والمساهمة في توفير مستلزمات المتضررين، وتأمين السيّاح العالقين بالطرقات.
فلم تمنع الأمطار التي استمرت في التساقط خلال أول يومين، نزول فريق «كاربتنيوم» إلى ساحة المواجهة، سواء لمواجهة تداعيات المنخفض، أو لتلبية احتياجات الأفراد العالقين في منازلهم، أو حتى انتشال السيارات.
يشرح الخيال: «في بداية المنخفض، كنا نقوم بانتشال السيارات التي تغمرها المياه في كل من الشارقة ودبي، ومن ثم انتقلنا إلى الشارقة للعمل لوجستياً على الأرض، وتقديم المساعدة لكل من تقطّعت به السبل، وبكل إمكاناتنا المتوفرة».
«لم نشعر بالتعب، وعبارات الودّ والدعوات لنا كانت تُبلسم تعَبنا، وأجمل عبارة سمعناها: «كفو يا عيال زايد».
واصل الفريق ليله بنهاره، لتوصيل عدد كبير من الأفراد إلى أماكن آمنة. ويتحدث عن مواقف جدّ صعبة واجهتهم لأفراد تقطعت بهم سبل الأمان، حتى «إن بعض المواقف لا يمكن الحديث عنها إلا وعيناي تدمعان، حيث نمتنع عن تصوير كثير من المواقف الإنسانية التي تواجهنا داخل الأحياء الداخلية، التي تغمر المياه مبانيها، وبينها اتصال ورد إلينا عن عجوز تحتاج إلى مساعدة، فما كان منا إلا أن صعدنا للطابق الحادي عشر، لنكون أمام امرأة كبيرة في السّن، عاجزة عن الحركة».
إلى جانب إنقاذ السيارات العالقة، والأفراد العالقين، تلمّس الفريق، مع تواجده في الميدان، الحاجة إلى تقديم مساعدات غذائية عاجلة، حتى أن جهات وأفراد قاموا بالتبرع بوجبات طعام، وبمواد غذائية، وخضار، وحليب، ومستلزمات للأطفال، لتوزيعها على الأسر المتضررة وبالأخص في شارعي الوحدة وجمال عبدالناصر.
وفي هذا الصدد، يتوقف الخيال عند بعض السلوكات الخارجة عن نطاق السلامة العامة: «رسالتي لبعض الأفراد أن يكونوا أكثر حرصاً على سلامتهم، ويتجنّبوا، عند أي عاصفة مطرية، التحرك في المياه، وبالأخص أنها مياه آسنة اختلطت بمجاري الصرف الصحي، ولتفادي الصعق الكهربائي».
التضامن طبع سِمة العمل الميداني وعمل الكل، من جهات حكومية، ومؤسسات، وجمعيات، وحتى أفراد، على قدم وساق، لتوفير الدعم والمساعدة للمتضرّرين، وتوفير وجبات الطعام، والمياه النظيفة، ونقل الحالات الطارئة.
وتواجدت جمعية الشارقة الخيرية في الميدان بكل إمكاناتها، البشرية والخيرية، لتقديم الدعم العاجل واللازم للمتضررين جراء منخفض الهدير.
كان التنسيق على قدم وساق مع الهيئة الوطنية لإدارة الأزمات والطوارئ، والكوارث، وسائر الجهات المعنية. ويرصد عبدالله سلطان بن خادم، المدير التنفيذي لجمعية الشارقة الخيرية، دور الجمعية في محاكاة احتياجات الأفراد، حيث «تقوم فرق المساعدات الداخلية بدراسة أعداد الأسر المتضررة، وفي ضوئها، يتم تقديم الدعم المناسب للأسر»، مثنياً على النهج الدؤوب للجمعية في مساندة كل أفراد المجتمع، ومساعدة المتضررين بالاحتياجات اللازمة وتوفير البدائل وفق احتياجات كل أسرة، التزاماً برسالتها الخيرية، ومسؤوليتها الاجتماعية».
ويلفت بن خادم إلى تسخير الجمعية كافة فرقها وإمكاناتها لمساندة المتضررين من آثار المنخفض الجوي حيث «يتكامل دورها مع دور الجهات الأخرى في الدولة، ما يدّل على وعي المجتمع المحلي بأهمية التضامن والتكافل والعطاء، في هذه الأوضاع الاستثنائية كما جرت العادة».
لم يقتصر التكاتف على الشباب وحدهم، بل امتد ليشمل الأسر، والمجتمع بأسره، حيث تبرّعت عائلات كثيرة بالمواد الغذائية والملابس، مُبدية تضامنها الكامل مع الأسر المتضررة.
هذه الصورة ينقلها محمد عاصم من فريق نبض الإمارات التطوعي، الذي يرصد مسار التطوع ومساندة الجهود الحكومية في الإمارات، لمحو آثار المنخفض الجوي.
يقول عاصم: «لم يبق أحد مكتوف الأيدي في الإمارات، الكلّ نزل إلى الميدان للمساعدة حيث تواجدنا منذ اليوم الأول، من مختلف الجنسيات، لتقديم وجبات الطعام للعائلات، وتذليل الصعوبات التي واجهت بعض الأسر».
ما يثلج صدر عاصم هو روح التكاتف والتضامن في تقديم المساعدة والدعم، من قبل أفراد ومن قبل أطفال صغار، وأسر، للتخفيف من معاناة الأسر المتضررة.
التطوع النبيل
لا تنتهي حكايات التطوع، ولا تغيب معالم التكاتف، حيث تتجلى روح العطاء في أجمل صورة بين الأسَر التي نزلت إلى الشارع لتنظيف آثار الوحول، ومشهد الأطفال وهم يحملون المعاول والمكانس، بأيديهم الصغيرة لإزالة التراب، وفتح الطرقات أمام السيارات، والمارّة.
لم يكن العمر عائقاً أمام الرغبة في خدمة المجتمع. هكذا جسدّت مبادرة «فرجان دبي» بصمتها في دعم المتضررين من المنخفض الجوي، حيث باشر مئات المتطوعين بمبادرات تطوعية، والمشاركة في جهود إنقاذ مئات العائلات، ومركباتها المتضررة من الأمطار، كما قدموا الدعم للمرضى المحتاجين، وتوصيل المواد الغذائية لكبار المواطنين.
وجسدت المبادرة قيم التكافل المجتمعي، حيث نزلت أسر بأكملها إلى الشوارع لإزالة آثار المنخفض إثر إنشاء مجموعات عبر «واتساب»، في دعوة للتطوع ضمن تلك الجهود، واستجاب لها العديد من الأفراد بينهم أطفال، وشباب، وأمهات.
واكب بدر الشمري، مؤثر اجتماعي عمل الفرق التطوعية، وشاركها تلك المبادرات. يثني على روح العطاء السائدة بين الشباب المواطن والمقيم، وبالأخص الفرق المتطوعة في فرجان دبي، بالتعاون مع شرطة دبي وبلدية دبي.
يقول: «تلك الفرق قدمّت نموذجاً ملهماً للعطاء، حيث إن مجموعة عبر خاصية «واتساب» جمعت آلاف المتطوعين قاموا بمهام مختلفة، وخصصوا حملات لتنظيف الشوارع، وتوزيع الطعام بمساعدة كل أفراد المجتمع من أعمار مختلفة، كما تم توزيع المهام حسب قدرات الأفراد، وبما يضمن سلامتهم ،وعدم تعرّضهم لأيّ أذى».
ويتوقف الشمري مطولاً عند مشاركة الأطفال في تنظيف الشوارع، داعياً الكل إلى «المبادرة، وعدم انتظار أحد لدعوته لأن هذا واجب كل فرد منا».
فريق نبض الإمارات التطوعي
تستكمل حكايات التضامن من الميدان. كان علي المهيري، رئيس فريق بيت التميز التطوعي، على تماس مع فريقه الذي انتشر بين دبي والشارقة، لتغطية احتياجات الأفراد الذين احتجزوا في منازلهم، نتيجة منسوب المياه العالي الذي غمر الأرصفة، والطرقات، ومداخل المباني.
45 متطوعاً، من مواطنين ومقيمين، ومن شباب وشابات، وطغى عليهم العنصر الأنثوي، أمّنوا الطعام والشراب لعدد من الأسر في كلتا الإمارتين.
يقول المهيري:«باشرنا عملنا الميداني مع اليوم الأول لمنخفض الهدير وبلغ مجموع الاستجابات نحو 250 استجابة خلال عملنا الميداني، رغم كل التحديات القائمة في مجال التحرك الميداني والظروف المناخية القائمة».
متطوعون في الميدان
كل تلك التحدّيات لم تمنع «بيت التميّز التطوعي»، وفِرق أخرى من محاكاة احتياجات الناس في المناطق الأكثر ضرراً، بخاصة أن جلّ أعضاء هذا الفريق مسجل بشكل قانوني في هيئة تنمية المجتمع بدبي، ما أعطى لتحركاته القدرة على مواكبة الاحتياجات حيث وزع المهيري الفريق تبعاً للإمارة التي يسكن فيها حيث «كل عضو من الفريق كان يعمل في إمارته لتسهيل مهامه، ولا بد أن نوجه الشكر لشرطة الشارقة التي خصصت رقماً عن طريق الواتساب للوقوف على احتياجات الأفراد ومتطلباتهم».
ويرى المهيري في هذا العمل «واجباً ودوراً نقوم به لخدمة مجتمعنا»، متوقفاً عند حالات كثيرة استفادت من تلك العطاءات، في ظل انقطاع التيار الكهربائي عند البعض، أو لوجود أفراد من أصحاب الهمم لدى بعض العائلات، فضلاً عن عدم تمكّن كثير من العائلات من الخروج من المنزل لتأمين الطعام والشراب».
الحكاية لا تنتهي، لأنها حكاية أمل، وفرح، وعطاء، والقدرة على مواجهة التغيير، وإلهام الآخرين.
* تصوير: السيد رمضان