19 فبراير 2024

إنعام كجه جي تكتب: في مديح "واتساب"

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: في مديح "واتساب"

والمديح هنا يشمل «فيسبوك»، رفيق «واتساب»، ومعهما كل تلك المواقع الأخطبوطية التي قرّبت المسافات، وقفزت فوق الجبال والمحيطات، وأتاحت التواصل بين الأهل والمعارف من دون الاضطرار لدفع فاتورة باهظة للهاتف.

نسمع منذ زمن بعيد أن العالم بات قرية صغيرة. تتناول فطورك في الشارقة، وتتغدى في القاهرة، وتتعشى في باريس أو لندن. وحتى لو لم تسافر على متن الطائر الميمون، فإن الأحباب يحضرون بالصوت والصورة عبر شاشة هاتفك. لكن ليس السفر هو ما أودّ التحدث عنه اليوم، بل تلك الصداقات التي تنشأ مع أشخاص تتعرّف إليهم من خلال هذه الوسائل الحديثة.

من عادتي الاستيقاظ المبكر، أي قبل النجمة. وهناك في الطرف الآخر من الكرة الأرضية صديق اعتاد أن يطيل السهر، ولا ينام مثلي مع الدجاج. يكون الوقت عندي، أي في غرب أوروبا، فجراً، وتكون الساعة عنده في كندا بعد منتصف الليل. وهذا الصديق كان زميلاً قديماً لي في العمل من أيام بغداد. ونحن لم نلتقِ منذ سنوات طوال، ثم عثر عليّ، وعثرتُ عليه، بفضل هذا الفضاء الأزرق.

نتحدث عن أحوالنا وأحوال زماننا. يسألني عن فلانة من الزميلات، وأسأله عمّا حلّ بفلان. نسترجع الذكريات عبر الرسائل النصية المتواترة لكيلا نقلق هدأة الليل بصوتينا. يبعث لي صورة جديدة له مع أحفاده، وأبعث له بعض مقالاتي، وصور عيد ميلاد حفيدي. عجوزان بمقياس الأمس، شابان بمقاييس اليوم، يقاومان الأوجاع، ويتشبثان بما تمنحه الدنيا من مسرّات. وبعد المحادثة يقول لي صباحك ورد، وأقول له تصبح على خير.

صديق آخر يكتب لي من دبي. وهو كان طالباً يدرس الطب عندما تعرفت إليه، ثم تباعدت الدروب بيننا قبل أن أعثر عليه، وقد أصبح جراحاً قديراً للتجميل، له شهرة، وعيادات في الخليج. ولهذا الصديق القديم ذاكرة خرافية. يحفظ وقائع طريفة غابت تماماً عن بالي، بعضها يصلح للاندساس في قصصي، ورواياتي. نحكي، أي نكتب، ونضحك كثيراً. والقهقهة في «واتساب» من دون صوت، أي هكذا: ههههههه.

يقترح عليّ صديقي القديم أن يعيدني كما كنت قبل خمسين سنة. يتبرّع بأن يجري لي عمليات شدّ، ونفخ، وشفط، من دون مقابل. أغصّ بالضحك، وأشكره على كرمه، وأعتذر، لأنني لا أريد أن أتحوّل إلى منحوتة من الشمع، ولأن العطّار لا يُصلح ما...

هناك أصدقاء صاروا حميمين رغم أننا لم نلتق. تجمعنا الهواية الأدبية والمنشورات، في بلاط الأمير الملعون مارك زوكيربرج. صار مليارديراً على حسابنا. لكنني اليوم مدينة له بالشكر، وأظنكم لا تنكرون فضله على البشرية.

 

مقالات ذات صلة