بعد العودة الحضورية لكافة طلاب المدارس في الدولة، يطرح السؤال الأهم عن كيفية تخليص أبنائنا من هوس الأجهزة الإلكترونية التي كانت رفيقتهم لنحو سنتين عاشوا معها معظم أوقاتهم نتيجة نظام التعليم عن بعد أو نتيجة توجههم للألعاب عبرها لملء أوقات فراغهم خلال فترة الحجر.
هذا الهوس تتبدّى ظواهره جلية حيث شكاوى الأهالي تنصّب على عدم قدرتهم على تحرير أبنائهم من هذا الهوس الذي وصل إلى حد الإدمان.
«كل الأسرة»التقت مجموعة من الأخصائيين لرصد آثار هذا الهوس وتداعياته، كما طرح الحلول الواقعية للخروج من تلك «الأزمة» بعد أن بات أطفالنا «أسرى حقيقيين» للأجهزة الإلكترونية.
أعراض الأدمان الإلكتروني
تتوافق الآراء كلها على أهمية دور الأسرة في الخروج من هذا المأزق وبالأخص معالجة التداعيات الخفية منها. ترصد الدكتورة أسماء نزار إدلبي، علم نفس السلوكي المعرفي ومديرة مركز أفق الإبداع، تداعيات جائحة فيروس «كورونا» قائلةً «اعتيادنا على أسلوب الحياة المذكور تطور ليصبح إدماناً، ومن أبرز أعراضه إدمان الشاشات والأجهزة الإلكترونية، زيادة وقت جلوس أبنائنا أمامها، وعدم قدرتهم على التخلي عنها، الشعور بالملل وفقدان الشغف بأي نوع آخر من النشاطات الترفيهية، سيطرة المحتوى الذي يشاهدونه على أحاديثهم وتصرفاتهم، وعزوفهم عن لقاء أصدقائهم، إلى نوبات الغضب التي تعتريهم أثناء محاولاتنا إبعادهم عنها، واللجوء إلى الخداع والكذب لكسب المزيد من الوقت أمام الشاشات، وشعورهم بالسعادة أثناء جلوسهم أمامها فقط».
من خلال تماسها مع فئة الأطفال في مركز «أفق الإبداع»، لاحظت «استقبال المزيد من الصغار الذين يعانون مشكلات سلوكية وأنماطاً عدوانية وانخفاضاً في المهارات الاجتماعية واضطرابات في الانتباه والنوم، بما شكل إنذاراً واضحاً على ظهور وباء آخر وغير متوقع، يهدد الأطفال ويجعلهم عرضة للمخاطر».
ثمة آثار مخيفة تواكبها د. إدلبي، ومنها الجسدية والنفسية وحتى الاجتماعية «كثير من الأبناء بات يعاني ألماً بمفاصل اليد وأسفل منطقة الظهر والفقرات، آلاماً متفرقة بالرقبة، خمولاً دائماً وفقدان الرغبة بالحركة بالإضافة لاحمرار العينين».
وعلى الصعيد النفسي، الأعراض كثيرة ومنها «الشعور بالقلق والتوتر الشديد، حيث أثبتت الدراسات ارتباطها بالاكتئاب وسلوكيات الاكتئاب كالعزلة والشعور بالوحدة ومشاكل عديدة بالانتباه والتركيز والتخطيط وتحديد الأولويات».
كيف تنقذ طفلك من هذا الإدمان؟
وتحدد د. إدلبي خطوات لإنقاذ أطفالنا من إدمان الإلكترونيات:
- تحديد أوقات خاصة بالأجهزة الإلكترونية والاستفادة من البرامج التي تعمل على إيقاف شاشاتها بعد تجاوز عدد الساعات المسموحة.
- إشغال أولادنا ببرنامج مدروس ينّمي قدراتهم ويستثمر أوقاتهم ويلامس مواهبهم.
- الخروج من المنزل وممارسة الأنشطة الحركية أو الزيارات الاجتماعية.
- خلق جو أسري إيجابي مشترك كممارسة ألعاب جماعية تساعد على التواصل وقضاء جو ممتع، بعيدا عن الأجهزة.
- إعطاء أبنائنا مهام ومسؤوليات داخل المنزل.
- عمل تعاقدات مع أولياء أمور أصدقاء أبنائنا، والتخطيط لإدخالهم في أنشطة تطوعية مشتركة.
- كن قدوة صالحة.
حين يرى أبناؤنا أفعالنا أصدق من أقوالنا، فلو كنت أنت نفسك مهووسًا بالأجهزة الإلكترونية، فلا يمكنك أن تتوقع من طفلك أن يتعلم العكس.
في هذا الجانب، تطرح د. الدكتورة أحلام خطاب، خبيرة أسرية وتربوية، عدة آليات وخطوات للخروج من أسر الأجهزة الإلكترونية:
- تحديد وقت محدد لاستخدامها.
- ممارسة أنشطة بديلة وقضاء وقت مع الأسرة من دون أجهزة إلكترونية.
- العودة التدريجية والذكية للطبيعة.
- حث الإعلام على التطرق إلى أهمية العودة للحياة الطبيعية في المدارس والأندية والتحذير من مخاطر الأجهزة الإلكترونية.
- قطع النت عن غرف الأبناء وتشويشه لتعويدهم على تركه ولو لساعات.
سلبيات الألعاب الإلكترونية
تطرق الدكتور عصام علوان إلى سلبيات الهوس الإلكتروني وبالأخص سلبيات الألعاب الإلكترونية التي أفرزت نتائج سلبية تجسدت عبر تفاقم السلوكيات العنيفة وارتفاع معدلات الانتحار أو جرائم القتل والأخطر أن هذا العنف يتّم تقديمه «كنوع من أنواع التسلية والمتعة».
يجد أن "ثمة رابطاً بين السلوك العنيف لأطفالنا وما يرصدونه من مشاهد عنف من خلال الأجهزة الإلكترونية والألعاب تحديداً، وهو ما أثبتته الدراسات بكون العنف يتضاعف بلعب الألعاب ذات التقنية العالية التي تتسم بها ألعاب اليوم، وفي هذا الصدد أشارت دراسة كندية لمراجعة وتقويم المحتوى لـ(300) لعبة إلكترونية، تمّ رصد(222) لعبة منها تعتمد اعتماداً مباشراً على فكرة ارتكاب الجريمة والقتل، الألعاب قد تكون أكثر ضرراً من أفلام العنف التلفزيونية أو السينمائية لأنها تتطلب من الطفل أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها ويمارسها"، وذلك وفق الدراسة.
الاستغلال الجنسي للأطفال عن طريق الإنترنت
في تقرير أظهر تصاعد معدل الإساءة والاستغلال الجنسي للأطفال عن طريق الإنترنت، أصدر التحالف العالمي لمبادرة «نحن نحمي» تقرير تقييم التهديد العالمي لعام 2021 وأظهرت نتائج التقييم أن معدل الإساءة والاستغلال الجنسي للأطفال يتصاعد بوتيرة متسارعة تستدعي اتخاذ خطوات عاجلة في الاستجابة العالمية لإنشاء بيئات رقمية آمنة للأطفال.
ترصد المتحدثة باسم التحالف في الإمارات، المقدم دانة حميد المرزوقي، أنّ قرابة واحد من كل اثنين (44%) من المشاركين في استبيان إيكونوميست إمباكت من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عانى إساءة جنسية عن طريق الإنترنت مرة واحدة على الأقل خلال طفولته، متلمسة الدور المهم لمقدمي الرعاية في حماية الأطفال من التعرض للاستغلال عبر الإنترنت وتنبيههم إلى ضرورة اللجوء إلى الأشخاص البالغين والموثوقين في حال تعرضهم للاعتداء ودعم الأطفال لاتخاذ الإجراءات اللازمة مثل الإبلاغ عن أي شخص وحظره عند محاولة إرسال أو طلب مواد أو تصرفات غير لائقة منهم.
على الصعيد الإماراتي،. تلفت المقدم المرزوقي أن الدولة «تتيح للأهالي والأطفال وأي فرد من أفراد المجتمع إمكانية الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث، من خلال طريق تطبيق حمايتي على الهاتف المحمول أو الاتصال على الخط الساخن 116111 للإبلاغ عن حالات الاعتداء على الأطفال.
ويمكن للأهالي حماية أطفالهم بشكل أكبر عن طريق استخدام التوجيهات وأدوات التحكم التي يوفرها لهم كل من مركز حماية الطفل وهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية ومجلس الإمارات لجودة الحياة الرقمية».
وتقدم هذه النصائح للأهالي:
- الحد من وقت استخدام الأجهزة الإلكترونية لهم ولأطفالهم ليكونوا قدوة لهم، والقيام بأنشطة عائلية ومنزلية.
- التأكيد على خصوصية كلمات السر والحسابات وتنبيههم إلى ضبط حساباتهم على الإعداد الخاص.
- بناء علاقة مستندة إلى الصدق والصراحة مع الأطفال.
- إذا وقع الطفل ضحية لمحاولة استدراج، يجب الاستماع إليه دون توجيه النقد أو إطلاق الأحكام، ثم الاتصال بالشرطة، حيث يمكن أن يشكّل المعتدي مصدر تهديد لأطفال آخرين.
اقرأ أيضًا: طفلي مدمن ألعاب إلكترونية .. ماذا أفعل؟