مشاكل الآباء يدفع ثمنها الأبناء.. لماذا يخشى أبناء الطلاق من الارتباط؟
في رحلة البحث عن شريك الحياة يقف بعض الأشخاص عاجزين عن اتخاذ القرار خوفاً وقلقاً من تكرار أخطاء الآباء، ففقدان الثقة بالشريك ينجم عنها غياب الإحساس بالاستقرار وما يتبعه من حزن وألم سببه نشأتهم في أسرة لأبوين مطلقين، أو وجودهم ضمن علاقات مشوّهة وأجواء أسرية متوترة.
فهل من الطبيعي أن يخاف ويتردد أبناء الطلاق وهم يقبلون على مشروع الزواج وتكوين أسرة؟ وكيف يمكن أن يتعاملوا مع هذا الخوف؟ وكيف يمكن أن يتحول إلى طاقة إيجابية دافعة للنجاح ومبادرة لتكوين أسرة سعيدة وتربية أبناء صالحين؟
تأثير الطلاق على الإبنة
يرصد الاستشاري النفسي والأسري الدكتور جاسم المرزوقي تأثير الخلافات الأسرية والزوجية في قناعات وتوجّهات الأبناء مستقبلاً عند اتخاذ قرار تأسيس الأسرة، ويكشف «تتأثر الفتاة وتتخذ موقفاً جدياً من الرجال إذا ما وجدت في تعامل الأب مع الأسرة والأم نوعاً من العنف الذي يمكن أن يتخذ أنواعاً وأشكالاً مختلفة، وبالتالي تبلغ حدة تأثيره درجة كبيرة يمكن أن تضع الفتاة بسببها شروطاً وضوابط صعبة جداً، أو يكون سبباً كبيراً في تأخير ارتباطها».
تأثير الطلاق على الإبن
ويكمل الدكتور جاسم المرزوقي الحديث ليبين تأثير طلاق الأبوين على إبنهما «قد يضع الرجل ضوابط وشروطاً صعبة لتأسيس الأسرة، إضافة إلى تقمّصه شخصية الأب في التعامل مع زوجته، سواء أن كان الأب بشخصية قوية، وبالتالي هو المعنّف أو كان هو المعنَّف من قبل الأم عندما تكون شخصية الأم متحكّمة».
مشكلات نفسية ناجمة عن طلاق الأبوين
هل يمكن أن يكون طلاق الوالدين أو خلافاتهما سبباً في مشكلات نفسية تنعكس على حياة الأبناء مستقبلاً؟
تجيب خبيرة الإرشاد والصحة النفسية والعلاقات الزوجية الدكتورة إيمان عبدالله « في ظل أسر مفككة تتعرض لمشكلات مستمرة أو والدين مطلقين، يعاني الأبناء الكثير المشكلات، خاصة في ما يتعلق بتكوين العلاقات بسبب سوء علاقة والديهم قبل وبعد الطلاق، أو لتلقيهم معاملة سيئة من أحد الوالدين أو كليهما، وبالتالي تنعكس تلك الصورة الذهنية على شريك حياتهم وأقرب الأشخاص إليهم، نتيجة القلق تجاه المستقبل وفقدان الثقة الذي تتسبب به المشاعر المخزنة في العقل اللاواعي».
كما يمكن أن تكون نشأة الشخص داخل أسرة غير مستقرة سبباً في امتناعه عن الزواج، وهي حالة توضحها عبدالله «استمرار الحياة بين الزوجين على الرغم من المشاحنات المستمرة أو الانفصال العاطفي دون طلاق، يعطي الأبناء رسالة مغزاها أن المشاجرات ما هي إلا وقود استمرار الزواج، بينما يتملك قسم آخر منهم حماس شديد للزواج، وحرص شديد في الوقت نفسه على عدم تعريض الأبناء لما تعرضوا له في الماضي.
وقد أثبتت كثير من الدراسات حرصهم الكبير على البحث عن الحب المتبادل والمشاعر الطيبة، والتوافق الفكري والاجتماعي، والالتزام بشروط وبنود الزواج طمعاً في الاستقرار والهدوء والسعادة الزوجية، بينما تشير دراسات أخرى إلى أن تأثير الطلاق في الأبناء أخفّ بكثير من التأثيرات النفسية التي تحدث لأبناء يعيشون في أسر ظاهرها الارتباط ووجود الأبوين معاً في ظل مشاحنات مستمرة وأجواء أسرية متوترة وعلاقات مشوّهة يعيشها الأبناء، ما يجعل الاضطراب النفسي أقرب إليهم ممن يعيشون بين أبوين مطلقين طلاقاً صحياً ناجحاً».
كيف يؤثر الطلاق على الأبناء؟
إذاً كيف يمكن تربية أبناء أسوياء بعد الانفصال؟ وهل يمكن الاستمرار في تربيتهم بشكل طبيعي أم يصبح هذا الأمر مستحيلاً؟
جميع هذه الأسئلة تجيب عنها الاستشارية التربوية والأسرية الدكتورة جليلة حمود الحمدان، بقولها «تؤكد جميع الدراسات أن للطلاق تأثيراً في شخصية الأبناء، لكنه يختلف من طفل لآخر حسب طبيعته ونضجه واعتماداً على العمر وطريقة انفصال الوالدين، وهنا يأتي دور الأهل في تقبل الأبناء لهذا القرار وشعورهم بالارتياح من بعدهٍ».
وتحدد الدكتورة جليلة سمات تأثير الطلاق على الأبناء بحسب مرحلتهم العمرية:
- الأطفال دون سن التاسعة، صعوبة في السيطرة على مشاعرهم وتقبّل قرار الانفصال فيتأثرون نفسياً وعاطفياً ويزداد شعورهم بالتوتر والخوف والإحباط والقلق والتفكير.
- المراهق، غالباً ما يميل إلى الانعزال والانزواء ويصبح وحيداً لا يرغب في لقاء أحد أو القيام بأي نشاط أو عمل، ما ينعكس على علاقاته الاجتماعية، بسبب خجله من الوضع الذي يمرّ به، خصوصاً إذا ما رأى أن أصدقاءه يعيشون في حال من السعادة على الصعيد الأسري مع والديهم.
- بينما يركز الأبناء فوق سن الخامسة عشرة على أوجه القصور في الحياة الأسرية، والتي تجعلهم أكثر إدراكاً ، في وقت مبكر من حياتهم ، لضرورة تجنّب تكرار تجربة والديهم وتاريخهم المملوء بالتعامل الفاشل الذي أدى إلى الطلاق.
خطوات تعليم الأبناء بناء حياة زوجية ناجحة
تؤكد الحمدان « الحل والتعافي السريع للآباء والأبناء يكون بالتكيّف مع الوضع، حيث يمكن القول إن الآباء الذين يخوضون تجربة الانفصال الإيجابي هم الأشخاص الذين يكون اهتمامهم بالأبناء متبادلاً، حيث أثبتت الدراسات الحالية أن أطفال الطلاق يتكيّفون بشكل سريع عموماً، إضافة إلى وجود عدة عوامل يمكنها أن تقلل المشكلات التي ربما يتعرض لها هؤلاء الأطفال. على سبيل المثال، يمكن للأطفال أن يتعاملوا بشكل أفضل إذا تمكّن الآباء من الحد من النزاعات المتعلقة بعملية الطلاق، أو الحيلولة، قدر الإمكان، دون تعرض الطفل لتلك النزاعات، بينما يكون أساس تكيّف الأبناء الذين يعيشون في كنف والد واحد، حصولهم على الدعم خلال العامين الأولين».
وتشير الاستشارية التربوية والأسرية إلى أهمية دور الوالدين في نصح وإرشاد أبنائهم لبناء حياة زوجية ناجحة ومستقرة، من خلال الخطوات التالية:
- تعزيز بعض المفاهيم الأساسية للحياة الزوجية الناجحة، وعدم تكرار الأخطاء التي وقعوا فيها في الماضي، لكي لا تتكرر تجربة الطلاق.
- تعزيز الحب المتبادل بين الطرفين، ومنح الثقة لاتخاذ القرارات السليمة، وتقاسم الأدوار لبناء نموذج عائلي مثالي يتسم بالحوار والتواصل بين الزوجين.
- تقديم المساندة والدعم وحفظ الأسرار، للمحافظة على مشاعر الشريك، وأهم معيار لنجاح الزواج هو التسامح والاعتراف بالخطأ لتجنّب تطور أي خلاف بين الزوجين».
وتوجز «الطلاق لا يورث خصوصاً لأبناء الطلاق، لأنه يكون بمثابة درس لهم، وعلى المقبلين على الزواج الابتعاد عن القلق والتفكير في الأمور السلبية، وتذكّر الأشياء الجميلة وإيجابيات الزواج، فجميع أبناء الطلاق تراودهم مشاعر الخوف والقلق في لحظة من اللحظات، خصوصاً في موضوع الزواج، كونها مرحلة انتقالية للفرد، لكن المشكلة تكمن في السماح لهذه المشاعر السلبية بأن تسيطر عليهم».