في عالم مملوء بالمتغيّرات، تتقاطع رغبات أطفالنا لتحقيق نوع من الاستقلالية والانفراد في اتّخاذ بعض القرارات، وهذا جزء أساسي ومهم من نضوجهم الفكري، والشخصي، ولكن مع تخوّف الآباء من تقبّل هذه النزعة، والتعامل معها.
بينما يبقى التصرف بحريّة من دون ضوابط وقوانين، أو متابعة وتوجيه، مطلب كل طفل، وأن يكون أبناؤنا مستقلين عنّا، متحمّلين لمسؤولياتهم وأداء الواجبات المنوطة بهم مطلب كل ولي أمر.. فما هي حقيقة الاستقلالية، أو مفهومها، بين الإفراط في مصادرة إرادة الأبناء، ونزوعهم نحو الاستقلال، والتفريط في التربية الحديثة، وترك الخَيار للطفل، مع انخفاض الوعي والخبرة في كل مجالات الحياة؟
تشير المرشدة الأسرية وأخصائية تعديل السلوك أسماء سويد «حريّ بنا، نحن كأولياء أمور أن نعي وجود فرق شاسع، وكبير بين تربية الطفل وفقاً لنظام عسكري مفاده نفّذ ولا تفترض، يُمنع فيه الطفل حتى من التفكير، بل ويُطلب منه أن يكون تابعاً لأوامر الأهل، ومنفذاً لتوجيهاتهم، وبين ترك الحبل على الغارب بحجّة التربية الحديثة في أن أترك له خَيار اتخاذ قرارات مصيرية، وأن يكون رفضه لأي توجيه، أو تدريب، أو تعليم هو استقلالية مفادها رفع وصاية الوالدين عن أبنائهم».
تشرح سويد الاستقلالية «تعني أن ابدأ أولاً بمعرفة واسعة، شاملة عميقة، للمراحل العمرية التي سيمرّ بها الطفل، وخصائص كل مرحلة، بإيجابياتها، ومميزاتها، وسلبياتها، ومشكلاتها، وكيفية التعامل معه خلالها، ونعي أيضاً حقيقة أن العناد عند الأطفال بشكله الطبيعي يبدأ من سن 2 إلى 3 سنوات، والرسالة وراءه أنني مستقل فأعينوني وتقبّلوني وادعموني!، هنا يصبح الأهل أمام خيارين، أما القمع ومبارزة العِند بالعند، فيزداد ويتفاقم بتبعات خطرة، قد يصعب، أو يستحيل حلّها في بعض الأحيان، أو الحصول على شخصية ترضخ للقمع وتتحول بطاعتها لشخصية اعتمادية، اتكالية، عاجزة عن إدارة أبسط تفاصيل حياتها، بدءاً من اختيار الملابس، وانتهاء باتخاذ قرار الدراسة، أو العمل، أو الارتباط، فيما ينتج عن التقبّل، والاحتواء، والدعم الواعي لهذه الشخصية فردٌ قياديّ واعٍ، يُحسن اتخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات، وبذلك تكون استقلاليتها ناجحة ورشيدة».
تستعرض سويد النماذج والأساليب التربوية التي يتبعها الآباء «مع الضغوط الحياتية والتربوية، وانخفاض الوعي، نجد أن الأسهل لدى البعض استخدام القمع ومصادرة الإرادة التي يدفع الآباء ثمنها غالياً مستقبلاً، بخاصة بعد النتائج السلبية الناجمة عنه، بينما يكون من نتائج ترك البعض الآخر الخيار للطفل على أنه استقلالية ونمو وحداثة في التربية، ضياع وفوضى، وخروج عن الطاعة والنظام، وربما عن حدود الأدب والبِر.
والاستقلالية في حقيقتها أن أعي كيف أعدّ وأهيّئ أبنائي للحياة، أن أدرّبهم على تحمّل المسؤوليات المنزلية أولاً، ثم الحياتية، أوضح لهم أهمية وجود قوانين، سماوية ووضعية، نعمل بموجبها، وأن نبيّن لهم حدود خياراتهم بعد تدريبهم على الطاعة، والاحترام، والمتابعة، والتوجيه، والإرشاد، والاستمرارية، والعمل على إكسابهم المهارات الحياتية وآلية التخطيط وتسلّمهم القيادة التدريجية عند جاهزيتهم، واكتمال نضجهم. الاستقلالية هي رحلة حياة واعية لصناعة جيل يُعتمد عليه، يبني نفسه أولاً، ثم وطنه ثانياً، ليكون مؤثراً ملهماً أينما حلّ وارتحل».
توجه أخصائية تعديل السلوك للوالدين جملة من التوصيات للتعامل مع الأطفال بما يضمن نموهم وجاهزيتهم للاستقلال بشكل صحيح وسليم:
- على الوالدين أن يدركا أهمية التفاهم والإنصات للطفل، والعمل على بناء علاقة تجمع بين الثقة والاستقلالية.
- تقديم الدعم والتشجيع له في إنجاز مهامه اليومية ما يساعد على تطوّره إيجابياً وتعزيز ثقته بنفسه.
- اتّباع الوالدين الأسلوب الهادئ في التواصل مع الطفل، والتعبير عن تفهمهما لمشاعره، وتحفيزه على بناء ذاته بطريقة إيجابية.
- استخدام الأمثلة والقصص الواقعية التي تدعم الطفل وتشجعه على تحسين أدائه وثقته بنفسه.
- الابتعاد عن أسلوب الاستنكار والتهديد، واستخدام الحوار والصبر للتواصل الفعّال للوصول لأفضل النتائج.
- ترك الاختيار فيما يتعلق ببعض النشاطات التي يمارسها بما يساعد على تعزيز الإحساس بالرضا، والتحفيز.
- خلق بيئة داعمة ومشجعة للطفل ليتمكن من التعبير عن ذاته بحرية، وتطوير مهاراته واهتماماته بشكل صحيح وإيجابي.
- التركيز على أهمية توجيه الطفل وتعليمه مهارات الحوار والتواصل الاجتماعي.
- دعم استقلالية الطفل في سِن الدراسة وتحفيزه على المشاركة والتواصل بنجاح.
- تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة المدرسية ودعمه في التواصل مع المعلمين.
- على الآباء والأمهات إجادة التعامل مع الأطفال بما يعزز ثقتهم بأنفسهم في أداء مهامهم اليومية.