مخيمات الأطفال خارج الدولة.. رحلة تعليمية وترفيهية توسع آفاق الطفل وتنمّي مهاراته
تتبدّى أهمية سفر الأطفال وإشراكهم في مخيمات كخطوة أساسية في تطوير شخصياتهم، وتعزيز قدراتهم، وتوسيع أفقهم التعليمي، والثقافي، والمهاري، باعتبارها تجربة ثرية لبناء شخصية قوية قادرة على مواجهة الحياة بكل ما فيها من فرص، وتحديات. في تحقيقنا استطلعنا الآراء لمعرفة دوافع وأهداف الأهل من سفر الأطفال، ورصدنا من خلال المختصين في المجال التربوي أهم الإيجابيات التي يمكن أن يعززها.
باختلاف الأهداف التي يسعى الأهل لتحقيقها من خلال سفر الأطفال وانضمامهم لمخيمات ومعسكرات تعليمية، أو رياضية، أو ترفيهية خارج الدولة، سواء برفقتهم أو بمفردهم، يبقى السفر تجربة تسهم في فتح مدارك الأبناء، وتساعدهم على تنمية شخصيّاتهم، ومهاراتهم، وقدراتهم الحياتية.
الشقيقان أحمد ومها عمر صالح السركال في رحلة لندن
مخيم خارج الدولة لتطوير الشخصية وتعزيز القدرات
اهتمام عائشة مبارك محمد، وليّة أمر،الكبير بالتخطيط لمستقبل أبنائها، وإدراكها للمعارف التي يمكن أن يكتسبوها من خلال السفر دفعها لاتخاذ خطوة جريئة بإرسالهم ضمن مخيم خارج الدولة، تقول «ساعدت تجربة سفر ولديّ «مها وأحمد» ضمن مخيم في المملكة المتحدة على تطوير شخصيّتهما، وتعزيز قدراتهما في الاعتماد على النفس، والتعامل مع المواقف والتحدّيات المختلفة بفعالية، واكتسابهما مهارات قيّمة تدعم مستقبلهما، المهني والشخصي، والتواصل مع أقرانهما من مختلف الجنسيات والثقافات».
الشقيقان صالح ومروة عمر صالح السركال يتناولان الطعام مع زملائهما في مخيم لندن
تشير «في زمن يعيش فيه بعض أبنائنا حالة من الفوضى وقلّة الانضباط، تكون هذه المخيمات فرصة لإعادة ضبط إيقاع حياتهم اليومي والاعتماد على انفسهم في مواقف معينة، وبناء علاقات إيجابية، ومساعدتهم على اتخاذ بعض القرارات المهمة، وهي بالتأكيد تجربة لا تختلف كثيراً عن تجربة السفر التي رافقت فيها أخويهم الأصغر سناً «مروة وصالح» إلى ذات المخيم فيما بعد».
تكمل «خوض هذه التجربة عززت من قدراتهم على اتخاذ بعض القرارات المهمة في حياتهم، أو تغييرها واختيار ما هو أنسب بناء على المواقف التي مروا بها، أو رصدوها، فالعيش في مجتمع مختلف غيّر قناعة أبنتي مها في رغباتها في الدراسة في المملكة المتحدة، وكشفت عن عدم قدرتها على التعامل مع مجتمع يختلف كلياً عن مجتمعنا، على العكس من أخيها أحمد الذي تأكد من رغبته في السفر للدراسة في الخارج وتحديد وجهته نحو أستراليا».
محمد سعيد سيف خلفان خلال إحدى المنافسات
السفر يفتح آفاق الطفل ويزيد من فرص نجاحه
من خلال السفر مع المخيمات يمكن الخروج بمجموعة من الفوائد التي تزداد بتنوع الأنشطة التي تقدمها.. تتحدث عذراء غازي فيصل عن دور السفر ضمن مخيمات ومعسكرات تدريبية «سفر ابني «محمد» إلى فرنسا وجورجيا ودول أخرى، ساعده على تحسين مهاراته في لعبة الشطرنج، وأسهم وجوده في معسكرات خارجية في زيادة مهاراته الذهنية بممارسة اللعبة، وبالتالي ترشيحه لتمثيل الدولة في محافل دولية عدّة، إضافة إلى تعزيز قيم التعاون، والاحترام، والتفاعل، وتكوين علاقات صداقة جديدة مع لاعبين من ثقافات مختلفة»، وتؤكد عذراء تأثير السفر الإيجابي في زيادة مهاراته اللغوية «أسهم وجوده بهذه المخيمات في تعلّم لغات أسهمت في تعدد خيارات الدراسة، وفتحت له آفاق الفرص في الحصول على بعثة للدراسة بأمريكا من قبل وزارة التربية والتعليم».
عبادة ابراهيم مع ولدها علي
السفر يعلم الطفل الاعتماد على النفس وتحمّل المسؤولية
تجد عبادة إبراهيم في سفر ابنها «علي»، 14 عاماً، ضمن برنامج تدريبي فرصة لتطوير مهاراته في كرة القدم، بخاصة أن البرنامج يتضمن زيارة أفضل الأندية الرياضية في السويد وإيرلندا، تبيّن «كنت اخطط للسفر برفقته لكن رغبته في السفر بمفرده مع زملائه، وأصدقائه، ومدرّبيه، ونصيحة والده على تركه خوض التجربة بمفرده أثنتني عن الذهاب».
وتكشف «رغم قلقي من ابتعاده إلا أني متفائلة، وسعيدة باندفاعه لتحقيق حلمه بأن يكون لاعب كرة قدم معروفاً، إضافة إلى إمكانية حدوث تغيير إيجابي في شخصيته، والاعتماد على نفسه في إدارة شؤونه، والالتزام بمواعيد التدريب، والقيام بمسؤولياته الشخصية، بعد أن كنت أتابع كل شؤونه، وأرافقه خلال التمرين في كل مكان يذهب إليه».
أطفال مركز قادة المستقبل في مخيم لندن
برامج تعليمية سياحية في مخيمات ومعسكرات المدارس
ما بين مخيمات ومعسكرات تنظمها مدارس، ومراكز تعليمية، وأندية، وإكاديميات رياضية مختصة، يبقى الهدف الرئيسي من تجربة السفر تزويد الأبناء بتجارب تعليمية، وثقافية، واجتماعية، وحتى سياحية، تسهم في اكتشافهم لذواتهم، وتشكيل شخصياتهم، وتوفر فرصاً كبيرة لاكتساب الكثير من المهارات..
تلفت رانيا الملاح، مديرة مركز قادة المستقبل «توفر المخيمات المعدّة للأطفال والشباب فرصة أكبر لتعلم الأبناء من بعضهم بعضاً، وتعزز لديهم الفهم لبعض القيم، مثل الوقت، والانضباط، والتعاون، والاستقلالية التي أصبحت من عوامل التميز والنجاح في الحياة الشخصية والمهنية من خلال تجربة العيش بعيداً عن المنزل، في بيئة آمنة ليتمكنوا من تحقيق الاستفادة القصوى من تجاربهم».
في ظل هذا السياق، يتبدّى السؤال: كيف يمكن أن يختار الأهل المخيم الذي يناسب تطلعات أبنائهم للدراسة؟ توضح الملاح «في ما يتعلق بالطلاب الراغبين في تنمية وتطوير مهاراتهم الأكاديمية يمكن أن يجدوا في المملكة المتحدة فرصة فريدة للاستفادة من بيئة تعليمية مميزة، وتجربة ثقافية مثيرة من خلال الجامعات التي تقديم برنامج دراسي مدروس يغطي الجوانب التعليمية السياحية، حيث يتم توزيع الوقت بين الدروس الأكاديمية والأنشطة السياحية التي تتيح للطلاب المشاركة في رحلات تعليمية، تركز على الثقافة، المحلية والعالمية، وتمنحهم الفرصة لتطوير مهارات التواصل والتفاعل مع الثقافات الأخرى، وهو أمر هام لتطوير قدراتهم».
وتشير الملاح إلى نقطة مهمة «في السفر يواجه الأبناء تحديات متعدّدة، منها الشعور بالغربة، والانفصال عن بيئتهم الأصلية، وصعوبة التكيّف مع المتطلبات الأكاديمية والاجتماعية الجديدة. من هنا، يُعد دمج اللغة في دوراً حيوياً في تعزيز التفاعل الثقافي واللغوي، إلى جانب ضرورة توفير بيئة سكنية مناسبة، حيث يمكن بناء علاقات قوية تعزز تجربتهم التعليمية بشكل إيجابي مع زملائهم».
أطفال مخيم مؤسسة سي بي اي يتناولون وجبة الطعام
أساليب تطور الإمكانات العقلية والجسدية
مع التغيّرات التي نشهدها والفارق الملموس بين الجيل الماضي، وأجيال اليوم، تبرز الحاجة إلى التركيز على بعض المهارات الحياتية التي يشير إليها باسل الشولي، مدير مؤسسة «سي بي أي» للتربية والتعليم في دبي «أصبح التركيز على تطوير مهارات الحياة والقيادة لا يقل أهمية عن التعليم التأسيسي، كمهارة الحضور، والانضباط، وتعلّم أساليب حياة صحية تطور من قدراته العقلية والجسدية، وهو ما يمكن أن توفره المخيمات والمعسكرات من خلال البرامج الدراسية اليومية، والجلسات والأنشطة التعليمية والرياضية الصباحية»، ويوضح الشولي «مع أهمية دور التعليم في تطوير مهارات الأطفال.
أصبحنا نشهد تحولاً جديداً، فبعد أن كان تركيز الأهل على تعليم مهارات اللغة عند إرسال أبنائهم للخارج، نجدهم اليوم أكثر بحثاً عن المدارس والمراكز التي تقديم فرص تعليمية ترفيهية حديثة، ومتطورة، تسهم في بناء قدرات ومهارات الأبناء، وتلبّي تطلعاتهم في تطوير مستقبل أطفالهم ضمن بيئة آمنة ومحفزة تعتمد برامج مختلفة، إضافة إلى تعلّم الطبخ، وتنظيف الغرف، والاعتماد على النفس في جوانب متنوعة من حياتهم اليومية، وتشجعهم على الابتعاد عن التكنولوجيا والاعتماد على النفس بتسلق سلّم النجاح في المستقبل، وهو ما نحرص على توفيره من خلال مخيماتنا».
مهارات ثقافية اجتماعية يتعلمها الطفل أثناء سفره
توفر تجربة سفر الأبناء فوائد جمّة تتيح لهم فرصة اكتشاف آفاق جديدة تكسبهم مهارات حياتية قيّمة تعود عليهم بالنفع على المدى البعيد، والطويل، وتوضح الدكتورة أسماء نزار أدلبي، دكتوراه في التقويم النفسي والتربوي «يكون السفر فرصة للأبناء لتعزيز استقلاليتهم من خلال إنجازهم بعض المهام، مثل اختيار الملابس، وحزم الأمتعة، واتباع التعليمات، وتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل تناول الطعام، والحفاظ على النظافة الشخصية، واستخدام وسائل النقل العام».
أما على الصعيد الاجتماعي «يتعرف الطفل إلى ثقافات جديدة، وعادات وتقاليد مختلفة تعزز من قدرته على التكيف على العيش مع بيئات مختلفة، ويكسبه مهارة حل المشكلات التي يمكن أن يواجهها في العديد من المواقف خلال السفر، والتواصل مع أشخاص جدد، وكسر حاجز الخوف من التحدث أمام الآخرين، وتكوين صداقات جديدة يخوض فيها تجارب مثيرة، ويكوّن ذكريات جميلة تدوم مدى الحياة، كما يكتشف الطفل أهمية الأسرة، ويقدّر وجودها في حياته»، أما على صعيد الرياضة والصحة العامة، فتشير أدلبي «تشجع برامج السفر الأبناء على اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، إلى جانب مهارات أخرى جديدة توفرها المخيمات، مثل ركوب الخيل، والتخييم، والتجديف، بما يعزز من صحتهم العامة».
وتضيف أدلبي أنه مع كل خطوة على أرض جديدة يكتسب الطفل مهارات لا تقدمها الكتب ولا تعلمها المدارس، فالسفر ليس مجرد رحلة ترفيهية، بل هو مدرسة حقيقية لبناء شخصية قوية ومستقلة تواجه الحياة بكل ما فيها من فرص، وتحديات، لذلك لابد للأبوين أن يضعا في الاعتبار نقاطاً عدّة عند اختيار المخيم:
- البحث عن مخيم ذي سمعة طيبة: التأكد من مراجعة سمعة المخيم وتقييمات الآخرين له قبل التسجيل.
- اختيار مخيم يناسب عمر واهتمامات طفلك: التأكد من أن المخيم يقدم أنشطة مناسبة لعمر طفلك واهتماماته.
- التأكد من سلامة المخيم: من المهم أن يتبع المخيم معايير السلامة، بإشراف مدربين مؤهلين.
- التواصل مع إدارة المخيم: مراجعة إدارة المخيم لطرح أي أسئلة والتأكد من أن الطفل سيكون في بيئة آمنة ومريحة.
- مراعاة احتياجات طفلك النفسية: التأكد من استعداده للسفر وقضاء بعض الوقت بعيداً عن الأسرة.