تبقى مسألة سعادة الأبناء من أهم المواضيع التي تشغل بال الآباء والأمهات، ولكي يتمكنوا من تحقيقها لابد لهم أن يعرفوا: ما الذي يجعل الأبناء سعداء؟ وأين تقع السعادة في المخ؟ وهل يدعم المخ السعادة؟ وما هي الهرمونات المسؤولة عن هذا الإحساس؟ كيف يمكن تحفيزها وهل يمكن نقلها لهم؟.. مجموعة من الأسئلة تجيبنا عنها الخبيرة التربوية واستشارية الجودة الدولية الدكتورة جليلة حمود الحمدان لنتمكن من الوصول لأفضل الطرق والممارسات لمنح أبنائنا لحظات ممتعة وسعيدة.
د. جليلة حمود الحمدان
تكشف الحمدان عن دور ومسؤولية «الدماغ» في تنظيم الحالة المزاجية وتعزيز مشاعر الحب والإيجابية «هرمونات السعادة» في الأسرة، فهو العضو الرئيسي والمسؤول عن التعامل مع المثيرات والمتغيرات والأحداث الخارجية والكثير من العمليات الحيوية لجسم الإنسان، وقد تناولت الكثير من الأبحاث موضوع «هرمونات السعادة» على أنها النواقل العصبية المسؤولة بالدرجة الأولى عن إحساس وشعور الأسرة بالسعادة.
توضح الحمدان أهم هذه الهرمونات ودور كل واحد منها ومصدره:
- السيروتونين: يطلق عليه هرمون الحب، مصدره أشعة الشمس وتأمل الطبيعة والتغذية والموسيقى، فالتنزه مع العائلة والتعرض لأشعة الشمس والغذاء الصحي المتوازن يساعد على توازن ورفع نسبته في الجسم، فهو من مضادات الاكتئاب ويرتبط بالأساس مع شعور الثقة بالنفس والانتماء إلى الأسرة حيث إن إفرازه يعزز هذين الشعورين، كما أنه المسؤول عن تقليل الإجهاد وتحسين النوم ومنع الإصابة بالقلق.
- الإندروفين: مصدر هذا الهرمون الترفيه والضحك والرياضة وتناول الشوكولاتة، ودائماً ما ينصح بإشراك الأبناء في الأندية الرياضية لممارسة الرياضة وبذل الجهد كونها ترفع من مستوى هذا الهرمون، كما أن الضحك والفكاهة عاملان أساسيان للإحساس بالسعادة لذلك يكون من المهم ممارسة الأنشطة المضحكة مع أفراد الأسرة لترفع من مستوى هرمون الأندروفين في الجسم وتمنحه الإحساس بالسعادة، حيث تقول لوريتا بريونينج، مؤلفة كتاب «عادات الدماغ السعيد» إن الضحك هو إحدى طرق زيادة الإندورفين بشكل طبيعي وعند ممارسة هذه الأنشطة تتحسن الحالة المزاجية التي تمنح الجسم البهجة أكثر خصوصاً مع أفراد الأسرة.
- الدوبامين: كونه الهرمون المسؤول عن الشعور بالمتعة والتركيز يطلق عليه هرمون التحفيز والمكافأة، من مصادره الرئيسية النوم الكافي والطعام الصحي، كما يرتبط هرمون الدوبامين أيضاً بشكل وثيق مع شخصية الفرد، وتشير الأبحاث إلى أن زيادة نسبته تعتمد على طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة بمعنى دعم وتشجيع وتحفيز الأبناء في تحصيلهم الدراسي وأداء أبسط المهام لذلك دائماً ما ينصح بأهمية إشراكهم بالأعمال التطوعية، والأطفال الذين يمتلكون شخصيات اجتماعية وقيادية تكون نسبة الدوبامين لديهم أعلى من الانطوائيين الذين لا يمارسون أي أنشطة تذكر.
- الاوكسيتوسين: يسمى هرمون الحب والعناق، هو المسؤول عن تعزيز العاطفة والترابط، مصدره الاستقرار العاطفي ودفء الأسرة والإحساس بالأمان، لذلك تكون زيادة إفرازه سبباً في تقوية العلاقات الأسرية ومساعدة الآباء في الحفاظ على الوحدة الأسرية وتقريب الأزواج.
الصلاة وتقليل وقت الشاشات يحقق السعادة
تشير الحمدان «لأهمية حث الوالدين الأبناء على أداء الصلاة ودورها في تحفيز الهرمونات جميعها كونها رياضة وإنجازاً وعطاء وحميمية إذا تحقق الخشوع وهذا ما يوضح إمكانية تحقيق السعادة بأبسط الأشياء».
كما توضح خطورة العالم الرقمي «يمنع انشغال الأبناء بالشاشات تدفق هرمونات السعادة العميقة، وبالتالي يفقدهم التوازن الانفعالي والعاطفي في مرحلة الطفولة وهو شيء لا يمكن تعويضه في الدماغ مهما بذلنا من جهد في المستقبل، كما يجرد العلاقات من العاطفة لذلك ننصح بأهمية المحافظة على المودة مع أبنائنا من خلال احتضانهم وترسيخ ثقتهم بأنفسهم والإحساس بالحب والأمان النفسي والاستقرار الأسري، وتخفيف معدلات القلق وتعزز التواصل معهم مما يجعلهم أكثر ذكاء».
تكشف الحمدان دور الآباء في زيادة هرمونات السعادة «تساعد الحياة العائلية السعيدة على تقوية جهاز المناعة وزيادة الصحة والمشاعر الإيجابية لدى الأبناء، فسلوكيات الوالدين لها دور مهم في تعزيز هرمونات السعادة لأبنائهما من خلال التفاعلات الممتعة والحب المتبادل والاهتمام والمودة والقبول وتجنب الكلام الجارح، والحفاظ على علاقة إيجابية معهم وخزن الذكريات السعيدة من خلال إعداد برنامج يتضمن العديد من الأنشطة كاللعب والمرح معهم بما يضمن تأثيراً جيداً في صحتهم الجسدية والنفسية والتركيز على نقاط القوة بشخصياتهم وعدم الخوض في مقارنات خصوصاً بين الأخوة».
وفي النهاية، توصي الحمدان «منح الحب بجميع أشكاله وتبادل عبارات الثناء يزيد من حجم هرمونات السعادة عند الأبناء، كما يعد السفر للاستجمام فرصة للتخلص من الضغوط والمشاكل المتراكمة في الحياة الأسرية فالسفر يمثل الهروب إلى السعادة والفرح وتغيير الأماكن ورؤية كل ما هو جديد يزيد من مهاراتهم وخباراتهم الحياتية كما يقلل من إفراز هرمونات التوتر».