طفولة مهددة بحجة النجومية.. الـ"سوشيال ميديا" تسلب براءة الأطفال
في عصر الرقمنة، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بات استغلال الآباء لأطفالهم في منصات الإنترنت، سواء بمشاركة صور، أو مقاطع فيديو، لغرض تحقيق الربح المادي، أو زيادة عدد المتابعين، ظاهرة مثيرة للقلق، متجاهلين تأثير هذه الممارسات في نموهم النفسي والاجتماعي.
ما إن يتصفح أحدنا هذه المواقع إلا ويصادف سيلاً من مقاطع الفيديو، أو ألبومات الصور التي يظهر فيها أطفال منهم من يقدم عرضاً للأزياء، ومنهم من يروّج لمنتج معيّن، ومنهم من يقدم مقطعاً تمثيلياً، لتتحول هذه التطبيقات إلى مسرحٍ لاستغلال براءة الأطفال، ويكونوا أدوات للكسب المادي، بأشكال وأوجه متعددة.
فما هي الأبعاد النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها الطفل نتيجة وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي؟ ومتى يشكّل هذا التواجد تعدياً على حقوقه؟ وكيف يمكن حمايته.
إساءة وانتهاك متكرر
ترصد عفاف المري، رئيس دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، أبعاد انتشار هذه الظاهرة، بالقول «شكّل وجود التكنولوجيا، وتنوّع تطبيقات التواصل الاجتماعي تحوّلاً جذرياً في حياتنا اليومية.
وزاد من حجم التحديات التي تفرض على الآباء والأمهات تكثيف جهود الرقابة الذاتية لحماية أطفالهم.
وفي ظل وجود آباء وأمهات مسؤولين يحرصون على مراقبة محتوى التطبيقات، وتأثيرها في أطفالهم، نجد في المقابل بعض الآباء الذين يدفعون بأطفالهم إلى دائرة الضوء على هذه المنصات.
حيث يبدأ الانتهاك لحقوق الطفل منذ اللحظة التي يتم فيها تسليط الضوء عليه، ويقرر الأهل مشاركة صور، ومقاطع فيديو، ومعلومات شخصية عنه».
تتوقف المري عند تبعات هذا الاستغلال، ودورهم كجهة معنية بحماية الطفل «يشكل استغلال الأطفال على هذه المنصات لأغراض دعائية، أو تسويقية نوعاً خطراً من الإساءة، بخاصة عندما يتم استخدام الصور، ومقاطع الفيديو بشكل متكرّر، سواء لإبراز قدرات خاصة للطفل، أو للترويج لمنتجات معينة.
ما يترك تأثيرات سلبية في صحة الطفل النفسية، ويشكّل انتهاكاً لحقوقه الأساسية، وهو بهذا الشكل لا يتعارض مع المبادئ الأخلاقية فقط، بل يصبح جريمة يعاقب عليها القانون.
وإدراكاً لخطورة هذه الظاهرة، نعمل في إدارة حماية الطفل على تعزيز حماية حقوق الأطفال، وضمان بيئة آمنة لنموّهم بعيداً عن الاستغلال الرقمي، من خلال دعوة أفراد المجتمع إلى اتخاذ موقف فعال ضد هذه الممارسات، بالإبلاغ الفوري عبر خط نجدة الطفل، أو الواتس أب، أو الموقع الإلكتروني التابع لدائرة الخدمات الاجتماعية».
كيف تخلق بيئة رقمية آمنة لطفلك؟
ولأهمية الحفاظ على وجود بيئة رقمية أكثر أماناً للأطفال، تضع عفاف المري جملة من التوصيات:
- زيادة نشر الرسائل الإعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي بهدف توعية المجتمع حول الأضرار النفسية والاجتماعية التي قد يتعرض لها الأطفال نتيجة مشاركة معلوماتهم الشخصية على الإنترنت.
- تكثيف الورش التوعوية التي تركز على أهمية احترام حقوق الطفل، وكيفية حمايته من الاستغلال الرقمي، وتعزيز الوعي حول العواقب القانونية والاجتماعية لمثل هذه الممارسات، ليصبح الأهل على دراية بكيفية حماية أطفالهم، وتأمين بيئة آمنة لهم.
- توحيد تطبيقات الجهات المعنية بحماية الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف تسهيل عملية الإبلاغ عن حالات استغلال الأطفال، أو تعرضهم للابتزاز.
- توعية الأهل بالآثار النفسية الضارة بشخصية الطفل وسلوكه، نتيجة الاستغلال الرقمي التي تشمل «تدهور المستوى التعليمي، الاتجاه إلى التدخين والإدمان، والانحراف السلوكي».
مخاوف حقيقية على الطفل من مخاطر العصر الرقمي
عن الأبعاد النفسية والاجتماعية التي تطال الأطفال في العصر الرقمي، تكشف أميرة عبد الله مستشار نفسي، مدرب دولي معتمد وأخصائي تحليل وتعديل سلوك «أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصّات لإطلاق نجوم صغار.
وبينما يحقق بعض الأطفال شهرة واسعة على هذه المنصات، تبرز مخاوف حقيقية حول التأثيرات السلبية التي يمكن أن تترتب على هذه الشهرة..
بما في ذلك الاستغلال الذي يسلبهم سنوات طفولتهم البريئة، وتؤثر في نموهم النفسي والاجتماعي بالشكل السليم، والتي يمكن إجمالها بـ:
- ضغوط الأداء: إجبار الآباء والأمهات أطفالهم على الحفاظ على صورة مثالية على وسائل التواصل الاجتماعي، يضع الطفل تحت ضغوط مستمرة، يمكن أن تتحول إلى مشاعر قلق ومخاوف بشأن قبول الآخرين، وبالتالي تؤثر سلباً في تقديره لذاته، وقدرته على التمتع بطفولة طبيعية خالية من التوقعات الزائفة.
- تأثير القوالب الجمالية: التعرض المستمر للمعايير الجمالية المبالغ فيها على منصات التواصل، يجعل الأطفال غير راضين عن مظهرهم الخارجي، بخاصة إذا لم تتوافق هذه المظاهر مع القوالب الجمالية المعروفة، مسبباً مشاكل تتعلق بالصورة الذاتية وتقدير الذات في مراحل حياتهم المختلفة.
- التنمّر الإلكتروني: يمكن أن يتسبب ظهور الأطفال بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي بجعلهم أهدافاً سهلة للتنمّر الإلكتروني، والتعليقات السلبية، أو السخرية، وبالتالي يؤثر في صحتهم النفسية، ويخلق لديهم شعوراً بالعزلة الاجتماعية.
- ضغط الانضمام والانتماء: يولد شعور انتماء الأطفال إلى مجتمعات معيّنة، أو الحفاظ على علاقات محددة عبر الإنترنت ضغطاً يقيد من قدرتهم على التعبير عن أنفسهم بحرية، ويؤدي إلى تبنّي سلوكات، أو معتقدات تتعارض مع شخصياتهم الحقيقية، ويعيق تطور هويتهم الذاتية.
- انخراط اجتماعي مشوّه: إفراط استخدام الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي يعيق من تطوير مهارات التواصل الحقيقي، فالتفاعل الرقمي المبالغ فيه على حساب العلاقات الحقيقية يمكن أن يؤثر سلباً في قدرتهم على بناء علاقات صحية، ومهارات تواصل اجتماعي قوية.
خطوات أساسية لضمان سلامة الطفل في العالم الرقمي
في هذا السياق، تقف أميرة عبد الله عند أهمية اتخاذ خطوات فعالة لضمان حماية حقوق وسلامة الأطفال، ما يتيح لهم التمتع بطفولة طبيعية ومتوازنة، بعيداً عن أوجه الاستغلال التي يفرضها العالم الرقمي والتي تلخصها بـ:
- آثار في الشخصية والحقوق: غالباً ما يتم استخدام شهرة الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي لعرض منتجات، أو خدمات من خلال الإعلانات والشركات التسويقية، يسهم هذا الاستغلال في تحصيل الأرباح التجارية من دون فهم حقيقي للآثار المترتبة على شخصياتهم، وحقوقهم.
- انحراف الاهتمام من التعليم والنشاطات الطبيعية: يقابل تزايد اهتمام الأطفال بشهرتهم على الإنترنت، ضعف الرغبة في التعليم والنشاطات التقليدية المهمة لتطور الطفل الطبيعي. فالاهتمام المستمر بإنتاج المحتوى، والسعي وراء الإعجابات والمتابعين يعوق تطوره الأكاديمي، ومهاراته الاجتماعية، ويضعه في دائرة من العزلة الرقمية، بعيداً عن تفاعلات الحياة الحقيقية.
- الاستغلال المالي والاجتماعي: تفتح الشهرة الرقمية للأطفال الباب أمام الاستغلال المالي والاجتماعي، فقد يتم توقيع عقود تسويقية تفتقر للشفافية لإنتاج محتوى مدفوع، من دون مراعاة لحقوق الطفل المالية، أو الاجتماعية.
- فقدان الخصوصية والسلامة: تُعرّض الشهرة على وسائل التواصل الاجتماعي الأطفال لمخاطر جسيمة تتعلق بخصوصيتهم وسلامتهم. ففقدان الخصوصية يجعلهم أهدافاً سهلة للاعتداء، أو التنمر الإلكتروني، إضافة إلى أنواع التهديد الأخرى التي تفرض تحديات كبيرة على حمايتهم.
استغلال الطفل للتربّح جريمة
أما من الجانب القانوني، فيكشف المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف، أن «استغلال الأطفال عبر المنصات جريمة يعاقب عليها القانون، بغضّ النظر عن الأهداف والنوايا وراء ذلك، ورغم أثبات الدراسات والأبحاث الجوانب الإيجابية لهذه المقاطع، إلا أن سلبياتها أكبر، وأخطر من الفوائد المتوقعة منها».
كما يوضح د. الشريف، «مع تزايد استغلال استخدام الأطفال في إنتاج محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وتصاعد المخاوف تجاه الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على ذلك، وجب التذكير بقانون حقوق الطفل «وديمة»، الصادر بالقانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 لحماية الطفل، وتأثيم كل التصرفات التي من شأنها استغلاله، أياً كانت صور هذا الاستغلال».
فقد نصت المادة الثانية من هذا القانون بفقرتيها الثانية والرابعة، على أن تعمل السلطات المختصة والجهات المعنية على تحقيق:
- حماية الطفل من كل مظاهر الإهمال والاستغلال وسوء المعاملة، (الفقرة الثانية).
- حماية المصالح الفضلى للطفل، (الفقرة الرابعة).
فيما نصت المادة الخامسة من القانون نفسه، على أن للطفل الحق في احترام خصوصيته وفقاً للنظام العام، والآداب، مع مراعاة حقوق ومسؤوليات من يقوم على رعايته طبقاً للقانون.
ثم جاءت المادة الرابعة عشرة من القانون نفسه، لتحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال، ولعل الغرض الأساسي من نشر خصوصيات هؤلاء الأطفال بتلك المنصات هو التربّح، وبالتالي هو استغلال اقتصادي مجرّم قانوناً.
وقد تكفلت المواد من المادة 60 حتى المادة 71 من هذا القانون، بفرض عقوبة جزائية على كل أنواع استغلال الأطفال والمساس بحقوقهم المكفولة لهم بموجب القانون، والتي تتنوع ما بين العقوبات المقيّدة للحرية، والعقوبات المالية».
ويوجز د. الشريف «حماية الأطفال من الاستغلال على المنصات مسؤولية كبيرة يتحملها الآباء والأمهات.. ونشر صور أو مقاطع فيديو للأطفال بغرض الترفيه، أو الربح، يمكن أن تترتب عليه عواقب نفسية واجتماعية خطرة.
حتى وإن كان الأهل غير مدركين للأضرار المحتملة، يبقى الاستغلال بهذا الشكل جريمة تنتهك حقوق الطفل الأساسية في الأمان والخصوصية، وهو ما يستوجب عليه المساءلة».