وسط زحام التحولات الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الترندات والصرعات، محور اهتمام الأبناء، ومع كل صيحة أو ترند يبدأ السباق بغض النظر عن محتواها أو قيمتها متجاوزاً حدود الترفيه ليغدو نمط حياة مؤثراً على سلوكهم وتوجهاتهم ويطرح تحديات وعوائق جدية أمام تربيتهم..
فما هي الأبعاد السلبيّة لهذه الظاهرة؟ وما هو السبيل الأنجح لمواجهتها أو التعامل معها؟
عن هذه الظاهرة، تقول الدكتورة إسعاف حمد، الأستاذ المساعد في قسم علم الاجتماع –جامعة خورفكان: "مما لا شك فيه ونحن نعيش اليوم في عصر الصورة الذي سمّاه المفكر الفرنسي (جي ديبور) مجتمع الفرجة أو العرض.
يمكن أن نتلمس الكثير من السلبيّات، حيث بات التأثر بما خلف الشاشة ظاهرة لدى جيل الشباب بشكل عام والمراهقين الذين نراهم يتشبهون ويقلّدون مشاهير الفن والرياضة والتيك توك، وينقادون بلا وعي وراء صرعات الملابس وقصات الشعر والاكسسوارات وطريقة الكلام والتصرفات بأي شكل كان بشكل خاص..
ولا نبالغ إذا قلنا إن نسبة كبيرة من شباب مجتمعاتنا العربية أصبحت تعاني من متلازمة (الهوس بالموضة والصرعات والتريندات وتقليد المشاهير) إلى الدرجة التي صُنف فيها هذا الهوس كمرض نفسيّ واضطراب سلوكيّ يتطلّب في مراحله المتقدمة تدخلاً علاجيّاً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أمام هذه الظاهرة الخطيرة: ما الذي يمكننا فعله كآباء و أمهات لأولادنا تجاه هوسهم بالتقليد؟".
تكشف أبعاد وتاريخ هذه الظاهرة "تقليد المشاهير والانسياق وراء الموضة والصرعات ليس بالظاهرة الجديدة، بل هي ظاهرة قديمة تعبّر عن الحب والإعجاب، لكنّها تفاقمت بشكل كبير مع انتشار الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي..
لنجد أنفسنا أمام هيمنة ثقافية، تُقاد من ثقافات مختلفة تحدّد للعالم معايير للجمال، تحت مسمى موضة أو ترند، وهي في الغالب أفكار وأطروحات تصطدم مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا".
التأثيرات النفسية لانقياد الأطفال والمراهقين لـ«الترند»
تتوقّف حمد عند الأبعاد النفسية، الاجتماعية لهذه الظاهرة «ينذر التقليد الأعمى للصراعات والترندات بحسب نظرية (أريكسون) بوجود صراع نفسي بين حاجة الفرد ومطالب المجتمع، لذلك يسعى خلال مراحل نموّه المختلفة إلى تطوير وتنمية بعض الكفاءات والمهارات الأساسية، مثل: الاستقلال والثقة بالنفس والمبادرة والكفاية لمواجهة الأزمات..
وعندما يفشل الفرد يلجأ إلى أساليب أخرى منها التقليد ومحاكاة النماذج الأخرى وتقمص شخصياتها بشكل تام، بمعنى آخر عدم الشعور بالهوية الذي يؤدي إلى هشاشة الشخصية وسهولة انقيادها لتقليد نماذج غربيّة، سواء في الملابس أو قصّات الشعر أو الاكسسوارات أو طريقة الكلام والتصرفات»..
توضّح «فهم الشباب الخاطئ لمعنى التطور والتقدّم والثقافة، ولجوء الجنسين إلى تقليد الغرب في المظهر والتصرفات وكل ما من شأنه أن يجعلهم غريبي الأطوار، ومحطّ أنظار كلّ من يراهم، يؤكّد ضبابيّة الرؤية وضعف المستوى الثقافي وعدم النضج وضياع الأهداف».
تبيّن حمد الآثار الخطيرة للتقليد والهوس بالموضة والصرعات والترندات "يعمل هذا التعلّق على تعطل الحياة اليومية للمراهقين وتراجع تحصيلهم الدراسي نتيجة قضاء ساعات طويلة في متابعة أخبار المشاهير والموضة والترند..
بالإضافة إلى تحول شخصياتهم إلى شخصيات قلقة، متناقضة، نرجسيّة معرّضة للإصابة بالاكتئاب وسوء التغذيّة، لا سيما لدى المراهقات اللواتي يحرصن على التشبه بعارضات الأزياء النحيلات جدّاً، كون الجسد النحيل جدّاً أصبح هو الموضة السائدة هذه الأيام".
ماذا يفعل الأهل لإنقاذ أولادهم؟
تكشف أستاذة علم الاجتماع، أهمية أن يعي الأهل أن يكونوا قدوة لأبنائهم، لا يجدوا فيهم من يقلّد الآخر مهما كانت شهرته أو درجة إعجابه به..
وتفعيل دورهم في توضيح التقليد الأعمى وتأثيره على هويّتهم بجعلهم نسخة مشوّهة من الآخرين، وتزودهم بمجموعة من الخطوات:
- الابتعاد عن توجيه الانتقاد اللاذع للأبناء أو السخرية منهم أو استخدام العنف معهم، سواء تعلّق الأمر في لباسهم أو تصرفاتهم أو اهتماماتهم، لأن هذه المواقف تجعل المراهقين أكثر تعلّقاً بما يقومون به، فشخصيّة المراهق يغلب عليها طابع التمرّد على السلطة الوالدية.
- الحرص الدائم على الحوار مع الأبناء لمعرفة الأسباب الحقيقيّة لتقليدهم للمشاهير وانقيادهم للصرعات والترندات؛ لأن معرفة الأسباب تسهّل في إيجاد الحلول.
- تعريف الأبناء بنماذج إيجابيّة من المشاهير وحثّهم على الاقتداء بهم.
- إشغال أوقات فراغهم بالرياضة و المطالعة المفيدة التي تتناسب مع أعمارهم.
- اتخاذ مواقف حازمة وصارمة إذا فشل أسلوب الحوار و الإقناع مع الأبناء، تتمثل هذه المواقف بحرمانهم من أشياء يحبونها أو يحتاجون إليها كتعبير عن الرفض لسلوكياتهم.