26 سبتمبر 2021

د. حسن مدن يكتب: زمالة أو صداقة؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: زمالة أو صداقة؟

هل أصبحت دائرة الأصدقاء المقربين منكم، في ظروف كورونا، أوسع، أم أدت تدابير العزلة والتباعد إلى فقدانكم أصدقاء، كنتم دائمي الالتقاء بهم قبل الجائحة، وتجمعكم أنشطة وبرامج ترفيهية مختلفة، باتت متعذرة، بالصورة التي كانت عليها قبل الجائحة.

كثر هم الذين أصبحوا يشكون من أن ظروف الجائحة أفقدتهم الكثير من أجواء الصداقة الحميمة، حيث تقلصت لقاءاتهم مع أصدقائهم، وفي بعض الأحايين توقفت، وبات «الفضاء الأزرق» الافتراضي هو محل اللقاءات، وهو عاجز عن تحقيق الدفء الذي تمتاز به العلاقات الإنسانية المباشرة.

ولعل فئة الطلبة والشباب بالذات هي أكثر الفئات معاناة من ذلك، حيث كانت المدارس والمعاهد والجامعات هي مكان لقاءاتهم اليومية أو شبه اليومية، وهي منطلقهم لبرامج مشتركة وأنشطة الترفيه والتسلية، ومع اتساع ظاهرة «التعلم عن بعد»، التي اضطرت أغلبية البلدان للجوء إليها، فإن هذه اللقاءات باتت متعذرة، خاصة في الأوقات التي تبلغ فيها الجائحة ذرى جديدة، وهو ما بات مألوفاً خلال هذين العامين.

ولإحدى الطالبات من بلد أوروبي نقرأ التالي «منذ بداية تقييدات كورونا يبدو أن الصداقات وضعت على المحك. لقاء الأصدقاء في مجموعات كبيرة ممنوع. وأدى الخوف من العدوى إلى نقل اللقاء إلى خارج البيت، وضيّق الشتاء والبرد المجال أكثر.

العبء المضاعف للعمل من المنزل والتدريس عن بعد استنزف كل قوى الوالدين وجعل بالكاد لديهما ما يكفي من الوقت للقاء أصدقاء. البعض اعتاد على لقاء الأصدقاء في النوادي الرياضية أو المطاعم والمقاهي، ولكن ذلك أصبح مستحيلاً بعد إغلاقها».

يُقسّم المهتمون بهذا النوع من الدراسات الصداقة إلى نوعين؛ نوع أول هو أقرب إلى الزمالة التي تجمع بين العاملين في مكان واحد، أو الدارسين في نفس المدرسة أو الكلية، ومع أن هذه الزمالة قد لا ترتقي إلى مقام الصداقة القريبة، لكنها شكل اجتماعي للتواصل كبير الأهمية، أما النوع الثاني فهو ذاك الذي يعدّ صداقة صافية التي قد لا ترتبط، بالضرورة بزمالة العمل أو الدراسة، وفي الغالب فإنها تكون مقتصرة على عدد محدود من الأشخاص لا يتجاوز الثلاثة أو الأربعة.

بهذا المعنى فإن ما يندرج في خانة الزمالة من العلاقات هو الأكثر تضرراً من ظروف الجائحة، فيما لاحظ الباحثون أن الصداقة القريبة محدودة العدد، شهدت، في ظروف الجائحة، توثقاً أكبر، حيث بات الأصدقاء بحاجة لبعضهم بعضاً أكثر مما كانت عليه الحال في الظروف العادية، وينسب إلى معالج نفسي قوله إنه «في أوقات الأزمات يميل المرء للتواصل مع القريبين إلى قلبه وبذلك تتعمق تلك الصداقات».