هل تتمنى أحياناً العودة بالزمن إلى الوراء واختبار رومانسية وأرستقراطية الثلاثينات والأربعينات؟ هل ندلّك على مكان لا يزال يحمل بين جدرانه عبق الماضي، ويستطيع أن يحقق لك تلك الأمنية؟ إنه مطعم ومقهى «سانتا لوتشيا» في حي محطة الرمل في الإسكندرية؛ ذلك المكان الذي يناهز عمره 90 عاماً، والذي كان ولا يزال مطعم الطبقة الأرستقراطية منذ افتتاحه عام 1932 وحتى الآن.
رئيس الجالية اليونانية في الإسكندرية هو المالك الأصلي لمطعم «سانتا لوتشيا»
أسسَ المطعم في بداية ثلاثينات القرن الماضي، الخواجة بانايوتي جورج سيوكاس، رئيس الجالية اليونانية في الإسكندرية، والذي كان أحد أقطاب المجتمع السكندري في ذلك الوقت. استطاع بانايوتي في غضون فترة قصيرة أن يجعل من مطعمه الأنيق واحداً من أرقى وأفضل المطاعم في الإسكندرية، حتى إن القصر الملكي في عهد الملك فؤاد الأول، كان يعهد إليه بتجهيز الولائم الملكية التي كانت تقام في قصر المنتزه في الصيف.
أما اليوم فيدير المطعم المهندس يني جورج سيوكاس، حفيد الخواجة بانايوتي والرئيس الحالي للجالية اليونانية في الإسكندرية، والذي يعد هذا المطعم إرثاً تاريخياً، ليس فقط لعائلته وإنما لبلده اليونان، ولأولى العائلات اليونانية التي هاجرت إلى الإسكندرية قديماً وأسهمت بشكل كبير في تشكيلها وتطويرها.
لقّب بـ«ملك مطاعم الإسكندرية»
بفضل أجوائه الساحرة وأطباقه الفاخرة، لقّبه مرتادوه من نخبة المجتمع السكندري بـ«ملك المطاعم»، ولديهم كل الحق، فبمجرد وصولك إلى المطعم ستجد أحد موظفيه قادماً إليك بسرعة ليتولى صف سيارتك، ثم فور دخولك إلى المطعم من بابه الخشبي الكبير ستبدأ تجربتك الاستثنائية التي ستنسيك ضجيج الشارع وزحام الإسكندرية وأبواق السيارات. فهنا في هذا المكان الهادئ الذي تنبعث منه نغمات موسيقى البيانو العتيقة، ستشعر وكأنك عبرت من خلال بوابة زمنية إلى الماضي الجميل، حيث يمكنك الاستمتاع بتناول أشهى الأطباق التي يقدّمها هذا المطعم ذو الطابع الفريد على أنغام الموسيقى وضوء الشموع.
قائمة طعام استثنائية بنكهات فريدة من حول العالم
يتميز «سانتا لوتشيا» بديكوراته الخشبية الأنيقة التي تحاكي طراز العصر الفيكتوري الكلاسيكي، وتزيّن جدرانه العديد من اللوحات الفنية الرائعة التي كان قد اختارها الخواجة بانايوتي. ويقدّم المطعم مجموعة من أشهى الأطباق العالمية التي ستتحير أيها تختار، وخاصة طبق Osso Bucco الذي يشتهر به المطعم منذ أن افتتح لأول مرة قبل 90 عاماً، وهو عبارة عن لحم الموزة البقري الطري المطهو في الفرن مع صلصة الطماطم الغنية، والذي يقدّم مع تشكيلة من الخضراوات والأرز الإيطالي (الريزوتو) بالزعفران والتوابل.
طبق «ألف ليلة وليلة» الشهير
كما يشتهر المطعم بعدة أطباق أخرى، مثل طبق «ألف ليلة وليلة» الشهير والمكوّن من ملفوف صدور الدجاج المحشوّ بالفستق والبصل، والفطر وجبن الموتزاريلا، والمغطى بالسمسم وكريمة الفستق، ويقدّم إلى جانب البطاطس الكروكيت. وكذلك ننصحكم بتجربة حساء الجبن الريكفور مع الخبز المحمّص، والسمك المشوي على الطريقة اليونانية، وأصداف بلح البحر التي يجلبها المطعم خصيصاً من بعض شواطئ جنوب المحيط الهادي، ويقدّمها بطريقة مختلفة للغاية مع الكريمة الطازجة والبصل والثوم والتوابل. وبالطبع عليكم تجربة أحد أنواع الروبيان (الجمبري) الذي يبرع طاهي المطعم في إعداده، مثل جمبري «تاهيتي» المطهوّ مع صلصة جوز الهند والزنجبيل مع العسل والليمون.
أشهر مرتادي «سانتا لوتشيا» على مر السنين
كانت الملكة فريدة ومن بعدها الملكة ناريمان، زوجتا الملك فاروق الأول، وأخته الأميرة فوزية وزوجها محمد بهلوي شاه إيران، أشهر من ارتاد مطعم «سانتا لوتشيا» في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي. كما كان يرتاده أيضاً العديد من الفنانين المصريين والعالميين، مثل المطرب اليوناني الشهير ديميس روسوس، والفنانة مريم فخر الدين. وكذلك كان يرتاده كبار الأدباء، مثل نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس، وأنيس منصور، وغيرهم من نجوم المجتمع المصري.
والمطعم كائن في شارع صفية زغلول في محطة الرمل في الإسكندرية، ومواعيد عمله من الثانية عشرة ظهراً حتى الرابعة عصراً، ثم من السابعة مساء حتى الواحدة فجراً.