فترات العطلات والإجازات تعد الوقت الأمثل للمرح والتواصل الاجتماعي مع العائلة والأصدقاء والبعد التام عن ضغوط العمل والحياة اليومية، ولكن بمجرد انتهاء العطلة تهاجمنا مشاعر الحزن والخمول وهي ما يعرف باكتئاب ما بعد الإجازة.
سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الصحة النفسية والعلاقات الأسرية حول مشاعر الحزن والخمول التي تصيبنا فور انقضاء الإجازات، وكيف نواجه هذه المشاعر ونتخلص منها، وكيف نندمج سريعاً مرة أخرى في حياتنا اليومية وأعمالنا بعد العيد:
اكتئاب بعد الإجازة.. حقيقة علمية أثبتتها الدراسات
بداية يؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية بالقاهرة، أن العطلة والإجازة ترتبط لدينا جميعاً بالراحة ونسيان العمل والاستمتاع بمشاعر الفرحة والسعادة مع الأسرة والأبناء والتواصل مع الأهل والأقارب وتختفي الهموم لوهلة من الزمن، ومن الطبيعي أنه بعد انقضاء هذه الفترة نشعر بالكسل والرغبة في استمرار العطلة لمزيد من الوقت وعندما ندرك أنه لا مفر من العودة للعمل نشعر بحزن يفسره البعض باكتئاب ما بعد الإجازة.
وعن أسباب حدوث اكتئاب ما بعد الإجازة، يقول الدكتور جمال فرويز:
- أولاً: هذه الحالة طبيعية جداً وقد تصيب البعض على فترات مختلفة ولكنها تقترن دائماً بموسم الأعياد والإجازات والعودة إلى العمل بعد السفر والعطلات وتؤثر في مزاج الشخص ونشاطه البدني والعقلي.
- ثانياً: أكثرنا يقوم خلال الأعياد والإجازات بكسر قواعد الروتين اليومي الذي تعودنا عليه في الأيام العادية فننام وقتما نشاء ونقضي ساعات كافية من النوم نعوض فيها الفترات التي نشعر فيها بالإرهاق بسبب قلة النوم ونستمتع بتناول الطعام وقتما نشاء.
- ثالثاً: ترتبط الإجازة لدينا بقضاء أوقاتاً إيجابية مع الأسرة والأصدقاء والأحباء وتكون هذه الفترات ممتعة وتجعلنا ننسى هموم الحياة اليومية وضغوط العمل.
- رابعاً: حتى الذين لم يستمتعوا بإجازاتهم معرضون أيضاً للإصابة باكتئاب ما بعد العطلة، لأنهم أيضاً يبنون آمالاً عريضة على فترة العيد ويتوقعون أنهم يقضون أوقاتاً ممتعة لكنهم يتفاجأون بأن عطلتهم لم تكن على قدر طموحاتهم فيحبطون ويجدون أنفسهم مطالبين بالانغماس بسرعة في العمل لتعويض فترات التوقف.
أهم أعراض اكتئاب ما بعد الإجازة ونصائح للتغلب عليه
وتتفق معه الدكتورة منى رضا، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، في أن التحول من وضع العطلة إلى وضع العمل يجعل الفرد يشعر بالضيق والحزن لأنه يكون مازال في حالة استرخاء وراحة عقلية وبدنية، وتشير إلى أن أبرز الأعراض التي تصيبنا بعد العودة من الإجازة هي الإرهاق والرغبة في النوم وهذا الأمر قد يستغرق بضعة أيام ولكنه سرعان ما يزول في خلال أسبوع واحد ونعود للاندماج مرة أخرى في أعمالنا وحياتنا اليومية.
وتنصح الدكتورة منى رضا بعدة أمور يمكننا من خلالها تجنب الإصابة بحالة الخمول والضيق بسبب انقضاء الإجازة ومنها:
- اليوم السابق للعودة للعمل، يمكننا أن ندرب أجسادنا وذهننا على استئناف مشاغلنا فنستيقظ مبكراً في موعد العمل ونحتسي القهوة ونضع خطة العودة للعمل من خلال متابعة الأمور التي يجب الانتهاء منها مبكراً فور العودة للعمل.
- الأفضل في اليوم السابق للعمل ألا نرتبط فيه بخروجات ورحلات تستنزف نشاطنا وتصيبنا بالإرهاق والخمول في اليوم التالي.
- الاسترخاء وإعادة شحن الطاقة لا يتطلب منا أن نقضي الإجازة في النوم بشكل مبالغ فيه حتى لا نفيق على انقضاء العطلة ونشعر بأننا لم نستمتع بها فيصيبنا الإحباط.
- العودة التدريجية للعمل – إذا سمحت الظروف بذلك- لا يجعلنا نشعر بالحزن والضيق فالانتقال من وضع الاسترخاء التام للعمل لوقت طويل هو ما يسبب الضيق لكن العودة التدريجية للعمل تجنبنا هذه المشاعر.
- إذا قضيت العطلة في السفر فيجب على الأقل العودة قبل انقضاء الإجازة بيوم كامل لتسمح لنفسك بالراحة قبل العودة للعمل.
بعد الإجازة.. لا وقت للخلافات الزوجية
أما الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين والعلاقات الأسرية بالقاهرة، فترى أن الإجازات فرصة ذهبية للزوجين لتعويض تراكمات الإهمال التي تحدث بينهما وكذلك تعويض الأبناء عن أوقات انشغالهما عنهم، لذلك من الطبيعي أن تكون فترات الإجازات والعطل هي الأسعد والأكثر قرباً لقلب الزوجة.
وتقول «دائماً ما أنصح الزوجات بعد الإجازة بأن يكن أكثر حرصاً على استثمار أجواء الحب والمودة والسعادة التي غمرته خلال السفر أو العطلة ومحاولة إصلاح الأمور وبقائها على النحو الجيد في علاقتها بزوجها وعلاقتهما أيضاً بالأبناء، وأن تشيع جو المرح داخل الأسرة ليستمر ما بعد رمضان والعيد وأن تقدر ظروف الزوج الذي عاد ليستأنف عمله فتمتص غضبه ولا تكثر من الشكوى».
نصائح للزوجة بعد إجازة العيد
وترى الاستشارية الأسرية أن الزوجة بعد العطلة والإجازة يقع عليها في المقابل عبء كبير خاصة إذا ما كانت تعمل، ولكي تتخلص من حالة الضيق التي تصيبها فور انتهاء الإجازة عليها:
- تجهيز المنزل قبل العودة للعمل وجعله مرتباً حتى لا تشعر بتراكم الهموم عليها وأنها مطالبة بإعادة النظام للمنزل وكذلك استئناف العمل في وقت واحد.
- ضبط الساعة البيولوجية لها على الأقل بيوم قبل انقضاء الإجازة حتى لا تشعر بالإرهاق والكسل مع بداية أيام العمل.
- تنظيم الوقت والاستعداد الجيد سيجعلك تندمجين سريعاً في حياتك السابقة للإجازة دون ضيق أو ملل.
- حتى وإن لم تكن الإجازة على قدر طموحاتك فهذا لا يعني أن تجتري ذكرياتك السيئة وتجعليها تنغص حياتك لفترة قادمة، ولكن عليك طرد كل المشاعر السلبية والتفاؤل بتعويض ما فاتكم في المرات القادمة.
- توتر الزوجة وضيقها بسبب تثاقل الهموم عليها من جديد لا يعني إهمال الزوج والابتعاد عنه بعد انقضاء الإجازة ولكن عليها ألا تنسى شريك حياتها بعد انقضاء الإجازة.
الآثار الإيجابية للإجازة على علاقة الزوجين
وتلفت الدكتورة هالة حماد إلى أن الإجازات في كثير من الأحيان تكون لها آثار إيجابية، منها:
- تقليل نسبة المشاحنات الزوجية.
- تقليل الرتابة وإنعاش الحياة الزوجية من الناحية العاطفية وإزالة الغبار من على العواطف.
- تجديد الشوق والحب إذ يتذكر الزوجان خلالها لحظاتهما السعيدة معاً.
- ترفع مستوى الرضا في الحياة الزوجية.
وينبغي على الزوجين استغلال فترة ما بعد الإجازة في إيجاد أفكار جديدة تحسن من نوعية حياتهما معاً. أما إذا كانت الإجازة أو العطلة على العكس من ذلك وحدث بين الزوجين مشاحنات وخلافات فيكون من الأفضل بعدها أن يكون هناك فترة من البعد المؤقت يجد كل منهما شيئاً يقضي فيه وقته بعيداً عن الآخر. فمثلاً قد تقضي الزوجة وقتها في استئناف إدارتها لأمور المنزل ومتابعة أحوال أولادها بينما ينشغل الزوج بعمله وواجباته نحو أسرته وأولاده مع التوقف قليلاً عن الدخول في أي نقاشات جدلية مع الزوجة لتجنب وقوع الخلافات.
ضبط الساعة البيولوجية والعمل المتقطع
ومن جانبه يشير الدكتور حاتم صبري، أستاذ الطب النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، أن فترة ما بعد الإجازة يكون فيها الشخص أكثر عرضة للكآبة بسبب عودته مرة أخرى لحياته الروتينية، فبعد العطل والأعياد نجد الكثيرين منا يشعرون بفقدان الاهتمام بالأنشطة والهوايات المعتادة حتى الأبناء في فترات الدراسة تنخفض طاقتهم ويعانون اضطرابات في النوم وكذلك تغيرات في الشهية والوزن ويجدون صعوبة في التركيز.
ويضيف «يجب علينا مقاومة هذه المشاعر والتغيرات التي تبدو طبيعية جداً عقب شهر رمضان الذي نخرج منه وما زلنا نشعر بالخمول خلال النهار وكأننا مازلنا في الصيام، وفي المقابل نشعر بالنشاط والرغبة في السهر ليلاً بسبب التقلبات التي حدثت في ساعتنا البيولوجية خلال الشهر الفضيل بسبب مواعيد الإفطار والسحور. لذلك علينا ضبط نومنا سريعاً والعودة للاستيقاظ والنوم المبكر كي يعتاد الجسم على موعد الذهاب للعمل دون تأفف. ومن الطبيعي أن يشعر كل فرد بعد انقضاء الإجازة بعدم الشغف في إتمام المهام المطلوبة لذلك يجب ألا يكون العمل في الأيام الأولى بعد الإجازة متواصلاً ويجب أن يتخلله فواصل زمنية قصيرة تعمل على تنشيط الذهن من ناحية وتحسين المزاج والحالة النفسية من ناحية أخرى».
ويشدد الدكتور حاتم صبري على أننا جميعاً نحتاج لتصحيح فكرة الإجازة تعني البعد عن الواقع والذي يجعلها ترتبط في أذهاننا أنه لا نرتاح إلا في الإجازات وأن أيام العمل تعني فقط المشقة والتعب، والتأكيد على أن السعادة تكمن في عدة أمور أخرى مثل إتمام العمل على النحو الأكمل وتلبية متطلبات الأسرة وخلافه.