نحو عيادات متخصصة بعلاج الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي
هل ستعرف دراسة الطب قريباً، تخصصاً جديداً يهتم بعلاج الإدمان على الهاتف الذكي، والإنترنت عموماً، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً، وتطبيق «التيك توك» تحديداً؟
يبدو أننا بالفعل سنقصد عيادة الطبيب، لا لأجل الحصول على أدوية تخفف الألم، ولا للحصول على موعد لإجراء تحاليل، أو إجراء جراحة ما، إنما للتخلص من هاجس نفسي يترافق مع عوارض عضوية، وتعلّقٍ غير مسبوق بمواقع التواصل الاجتماعي.
هذا ما بدأت به سويسرا، حيث فتحت عيادة متخصصة أبوابها لاستقبال المرضى المدمنين على «التيك توك»، خصوصاً الشباب الذين باتوا أكثر عرضة لأمراض تكنولوجية عصرية قد تكون فتّاكة. فمع ما يحدث في العالم من متغيّرات وتطوّرات يوميّة، بدأت بالفعل، بتشتيت العقل البشري إلى أكثر من اتجاه، ومع الإدمان الفعلي على الهواتف الذكية، يبدو أن التفكير في فتح عيادات متخصصة في علاج الأمراض الحديثة؛ النفسية والعضوية، المرتبطة بتطبيقات الهاتف الذكي، صار ملحّاً.
استخدام مفرط يليه إدمان
تُعد تطبيقات «فيسبوك»، «يوتيوب»، «واتساب» و«إنستغرام»، الشبكات الأربع الأكثر استخداماً حول العالم، فقد صارت منصات التواصل الاجتماعي هذه جزءاً لا يتجزأ من حياة مليارات الأشخاص الذين يمضون أوقاتاً طويلة وهم يتابعون، يشاهدون، يعلّقون ويشاركون. وتُبيّن الأرقام التي كشفت عنها شركتا «We are social» و«Meltwater»، أن أكثر من 60% من سكان العالم هم من المستخدمين النشطين لهذه الشبكات، ومعظمهم من الشباب.
وقد لاحظت الشركتان في دراسة أجرتاها مؤخراً، أن ما يقارب 45% من مستخدمي الإنترنت الذين تراوح أعمارهم بين 16 و25 عاماً، يقضون يومياً ما بين 3 و5 ساعات على هذه المنصات. وأن 78% من الشباب يفعلون ذلك بهدف الاستمتاع بالدردشة مع أصدقائهم، 61% منهم بهدف التسلية وتمضية الوقت، 51% منهم من أجل الاسترخاء، و10% من أجل اللعب. على الرغم من التحذير المتواصل من عواقب هذا الإدمان.
«تيك توك» في الصدارة
يبدو أن هذا التعلّق بشبكات التواصل الاجتماعي قد زاد مع انتشار التطبيق الصيني «تيك توك» الذي صُمم ليعرض إنشاء مقاطع فيديو ومشاركتها، وهو التطبيق الأكثر تحميلاً في العالم في عام 2023، وأحد التطبيقات الأكثر انتشاراً بين المراهقين الذين تراوح أعمارهم بين 12 و19 عاماً.
ويتميز هذا التطبيق، الذي تم إطلاقه في عام 2016، عن التطبيقات الأخرى المنافسة، بواجهته الحيوية، بحيث يعمل المستخدم على تشغيل مقاطع الفيديو القصيرة واحداً تلو الآخر كما يحب، من دون بذل الكثير من الجهد، وهذا ما يؤدي بسرعة إلى الإدمان.
وقد كشفت دراسة نشرت في مجلة «Psychiatry Research» عن الآثار المدمّرة لاستخدام الشباب المفرط لتطبيق «التيك توك» في الصحة العقلية، والتحصيل العلمي، والعلاقات الأسرية والاجتماعية، متمثلة في عوارض كالاكتئاب، والقلق، والتوتر.
علاج إدمان مواقع التواصل الاجتماعي
وفي مواجهة خطورة الوضع، قررت العيادة الخاصة في ميرينجن بسويسرا، أن تفتح أبوابها لعلاج الشباب بين 18 و25 عاماً، من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً تطبيق «تيك توك» الذي وصفه أطبّاؤها بأنه تطبيق «شافط للانتباه».
ويوضح الدكتور ستيفان، رئيس الأطباء ومدير المركز، أن الاضطرابات التي تظهر في أغلب الأحيان لدى الأشخاص المدمنين على هذه الشبكات تتمثل في التوتر، والقلق، والاكتئاب.
ولتخليص الشباب من هذا الإدمان، تعتمد العيادة العلاج السلوكي «الجدلي»، الذي يتكون من تنظيم أنشطة رياضية وفنية، فردية أو جماعية، للسماح للمرضى بإيجاد بدائل صحية لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، من دون حظر استخدامها وقد انتشرت بهذه الصورة.
جاذبية مقاطع الفيديو القصيرة
ويرى بعض الأطباء، أن وسائل التواصل الاجتماعي هذه تجعل الجسم يطلق دفعات من هرمون الدوبامين، فلا يستطيع المستخدم التخلي عنها، ومن «انقر» إلى «شارك»، «علّق» و«تفاعل»، يقع المستخدم في دائرة مكافآت يقدمها الدماغ، كما يحدث لدى أولئك الذين يتعاطون المخدرات، أو يلعبون القمار. وقد بات لدى مستخدمي تطبيق «تيك توك»، بشكل خاص، فرصة كبيرة لمشاهدة أكبر عدد من الفيديوهات التي تعرض التحديات والأفكار العصرية، والسلوك المغامر، في وقت قياسي. ووفقاً لشركتي «We are social» و«Meltwater»، يبلغ متوسط استخدام هذا التطبيق 34 ساعة شهرياً، متقدما بذلك على «يوتيوب» بـ28 ساعة، و«فيسبوك» بأكثر من 19 ساعة. وهذا النجاح الفائق هو الذي دفع تطبيقي «إنستغرام» و«يوتيوب» إلى إطلاق تحديثات تسمح بعمل فيديوهات قصيرة لا تتجاوز مدتها خمس عشرة ثانية، مثل ريلز، وشورت.
هل أنت مصاب بإدمان وسائل التواصل الاجتماعي؟
أنت بلا شك تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، حتى أصبح ذلك عادة يصعب التخلي عنها، وكي لا تقع في الإدمان الذي يحتاج فعلاً إلى علاج، عليك باتخاذ تحذيرات نفسية وجسدية يطلقها جسمك في الاعتبار، نذكر منها:
- متابعة وسائل التواصل تؤثر في دراستك سلبياً.
- تستخدمها في أوقات الاجتماعات العائلية وأثناء تناول الطعام.
- تستخدمها للهروب من مشكلاتك النفسية والعاطفية.
- تشعر بالغضب والتوتر حين لا تجد هاتفك أو حين ينقطع الإنترنت.
- تراقب بطارية هاتفك وتشحنه باستمرار كيلا تفقد التواصل مع مواقع التواصل.
نصائح لعدم الوقوع في الإدمان
إذا كنت تشعر بأنك فعلاً تسير في طريق إدمان مواقع التواصل، وأدركت مدى خطورتها، فافعل ما يلي:
- استخدم هذه الوسائل في حاسوبك فقط، واحذف كل تطبيقاتها من هاتفك.
- انسَ هاتفك أثناء الدراسة، أو في مكان العمل، أو عند الجلوس مع العائلة.
- مارس نشاطاً ترفيهياً ورياضياً، وداوم عليه.
- خصّص وقتاً محدداً لاستخدام هذه الوسائل.
- لا تستخدم هاتفك قبل النوم ويفضل أن تتركه خارج الغرفة.
وفي النهاية ضع والديك وأفراد عائلتك في أولوياتك، فهم الأهم في حياتك.