يعد اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) واضطراب طيف التوحّد (ASD)، النوعين الأكثر شيوعاً من اضطرابات النمو العصبي، وهي حالات تتطوّر خلال مرحلة الطفولة وتؤثّر على كيفيّة تعلّم الطفل وتفكيره وتواصله وتصرفاته..
ولكن كيف نعرف الفارق بين هذين المرضين؟ كيف نميّز ما يصيب طفلنا؟ وما الذي يجب فعله؟
يؤثر اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في المقام الأول على الانتباه والاندفاع، ما قد يؤدي إلى الرفض الاجتماعي، بينما يؤثّر اضطراب طيف التوحّد بشكل مباشر على التواصل والتفاعل الاجتماعي، ما قد يمنع الطفل من تطوير العلاقات والحفاظ عليها؛ لأنّه قد لا يتمكن من ضبط سلوكه، أو معرفة ما يجب فعله، مع الأوضاع الاجتماعية المختلفة.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعاني حوالي 10% من الأطفال و4% من البالغين من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، في حين يعاني حوالي 2% أو 3% من الأطفال والبالغين في الولايات المتحدة من اضطراب التوحّد.
أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة مقابل التوحّد
في حين أن كلاً من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحّد يؤثران على مدى انتباه الطفل، والتفاعلات الاجتماعية، والكلام، والحركة، والتحكم في النفس، والاندفاع..
ليس هناك طرق محدّدة يمكن أن تؤثّر فيها كل حالة على أي من هذه المجالات، قد يرى الأشخاص الآخرون أعراض كلتا الحالتين على أن الطفل ليس له حدود (خلل في التربية)، أو ما يقوم به يقع ضمن دائرة الحرج الاجتماعي، ما قد يؤدّي إلى عزلته اجتماعيّاً أو رفضه.
الاختلافات بين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة مقابل التوحّد
على الرغم من أن اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب التوحّد هما أكثر اضطرابات النمو شيوعاً، إلا أنهما يختلفان في انتشارهما وشدتهما وموعد ظهورهما وكيفيّة تشخيصهما وكيفيّة علاجهما.
اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هو الأكثر شيوعاً
نقص الانتباه وفرط الحركة هو اضطراب النمو العصبي الأكثر شيوعاً في مرحلة الطفولة، الذي يمكن أن يستمرّ حتى مرحلة البلوغ.
تتمثّل عوامل خطورة الإصابة بنقص الانتباه وفرط الحركة في الاختلافات في المزاج، أو انخفاض الوزن عند الولادة، أو تاريخ من إساءة معاملة الطفل وإهماله، أو التعرّض للسموم التي تضرّ الجهاز العصبيّ، أو الالتهابات، أو شرب الكحول أثناء وجود الطفل في الرحم، وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن الوراثة تلعب دوراً في الإصابة به.
بينما تشمل عوامل خطورة الإصابة باضطراب طيف التوحّد وجود شقيق مصاب بالتوحّد، أو وجود حالات وراثيّة أو كروموسوميّة معيّنة، أو التعرّض لمضاعفات عند الولادة، أو الولادة لأبوين أكبر سناً.
تشخيص اضطراب طيف التوحّد في وقت مبكّر
على الرغم من أن كلا الاضطرابين يمكن تشخيصهما منذ الطفولة، إلا أنه يمكن عادةً التعرّف على أعراض اضطراب طيف التوحّد في وقت مبكّر، حيث يمكن ملاحظة علامات التوحّد عندما يكون عمر الطفل بين 12 إلى 24 شهراّ.
بينما يمكن ملاحظة علامات نقص الانتباه وفرط الحركة في البداية في أول 12 عاماً من حياة الطفل، على الرغم من أنه يتم تشخيصه غالباً عندما يكون الطفل في المدرسة الابتدائيّة.
يرجع هذا التباين في العمر عند التشخيص إلى الاختلافات في أعراض الحالتين، يمكن التعرف على مرض التوحّد عند الرضّع، الذين لا يمرّون بمراحل نموّ طبيعيّة من حيث التواصل أو التفاعل الاجتماعي أو المهارات الحركيّة والمعرفيّة.
يمكن أيضاً أن تكون الأعراض المرتبطة بالتوحّد أكثر وضوحاً، مثل تأخر اللغة والمهارات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه يتمّ تحديد اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في أغلب الأحيان عندما يبدأ الطفل المدرسة الابتدائية.
لأن هذا هو الوقت الذي يكون فيه عدم الانتباه أكثر وضوحاً إذا تمّ تشخيص إصابة الطفل باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في وقت مبكّر، كما هو الحال في مرحلة ما قبل المدرسة، فإن عادة ما يكون العرض الرئيسي الذي يؤدّي إلى التشخيص هو فرط النشاط.
من المحتمل أن تظهر أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بطرق قد يعتبرها البعض سلوكيّات طبيعيّة لدى الأطفال الصغار، مثل النشاط الحركي المفرط، لذلك قد يكون هناك تأخير في التشخيص.
اختبارات تشخيصيّة مختلفة لكلّ من نقص الانتباه وفرط الحركة والتوحّد
يمكن تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة من قبل متخصّصي الصحة العقليّة، مثل علماء النفس أو الأطباء النفسيين، أو من قبل مقدّم الرعاية الأوليّة، مثل طبيب الأطفال، يشير هؤلاء إلى معايير من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقليّة، الطبعة الخامسة (DSM-5) لتحديد الأعراض للتشخيص.
كما يمكن أيضاً تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة باستخدام التقييم النفسي العصبي، الذي يقيّم كيفيّة عمل الدماغ، قد يتضمن اختبارات على عوامل معيّنة، مثل الذاكرة.
أما في ما يخصّ التوحّد، يمكن أن يكون تشخيصه أكثر تعقيداً، عادةً ما يتمّ البحث عن تأخّر في النمو أثناء فحوصاتهم الصحيّة الروتينيّة، إذا ظهر هذا التأخّر، فقد يتمُ إحالتهم إلى فريق من مقدّمي الرعاية الصحيّة لإجراء مزيد من الاختبارات.
يمكن أن يشمل هذا الفريق أطبّاء أعصاب الأطفال، وأطبّاء الأطفال المتخصّصين في النمو، وأخصائيّي أمراض النطق واللغة، وعلماء نفس الأطفال، والأطبّاء النفسيين، والمتخصصين التربويّين، والمعالجين المهنيّين.
غالباً ما يكون التقييم التشخيصي لمرض التوحّد أكثر شمولاً من تقييم اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، يمكن أن تشمل عملية تشخيص مرض التوحّد الفحوصات الطبيّة والعصبيّة ومراقبة سلوك الطفل.
وقد يقومون بتقييم قدرات الطفل المعرفيّة واللغويّة، بالإضافة إلى المهارات المناسبة لعمره، اللازمة لإكمال الأنشطة اليوميّة مثل الأكل وارتداء الملابس.
من المحتمل أيضاً أن تتضمّن عمليّة تشخيص مرض التوحّد محادثة متعمّقة مع مقدّمي الرعاية حول سلوك الطفل ونموه، قد يرغب مقدّم الخدمة أيضاً في إجراء اختبارات الدم والسمع.
خيارات علاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والتوحّد
في حين أنه يمكن التحكّم في أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحّد من خلال الأدوية، إلا أن العلاجات المستمرة تختلف إلى حدّ كبير.
يمكن علاج الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بالعلاج السلوكي، ويمكن للأبوين التدرب على كيفية إدارة السلوك لمساعدة أطفالهم على التأقلم.
يمكن للبالغين المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة إدارة أعراضهم من خلال العلاج النفسي (العلاج بالكلام) والتدريب على المهارات، في جلسات العلاج الخاصّة بهم، يمكن للأطفال والكبار تعلّم المهارات التنظيميّة وتقنيات التهدئة.
أمّا علاج اضطراب التوحّد فهو أكثر تنوعاً، يتضمّن علاج هذا الاضطراب تعلّم المهارات الاجتماعيّة ومهارات التواصل واللغة، قد يساعد مقدّم الرعاية الصحيّة العقليّة الطفل على تقليل السلوكيّات التي تتعارض مع الأداء اليومي، وتعلّم المهارات الحياتيّة للعيش بشكل مستقل.
كما يمكن أن يشمل علاج اضطراب طيف التوحّد تحليل السلوك التطبيقي، حيث يشجّع المعالجون السلوكيّات والمهارات التي ستساعد الطفل على التعامل مع اضطراب طيف التوحّد لديه، قد تشمل أيضاً أشكالاً أخرى من العلاج، بما في ذلك علاج النطق واللغة، والعلاج المهني (OT)، والعلاج السلوكي المعرفي (CBT).
العلاج المهني هو شكل من أشكال العلاج التأهيلي الذي يساعد الطفل على تحسين قدرته على القيام بالمهام اليومية، بينما العلاج السلوكي المعرفي هو شكل من أشكال العلاج الذي يساعده على تحديد الأفكار والسلوكيّات التي قد تؤثر سلباً على حياته وإعادة هيكلتها إلى أنماط إيجابيّة وأكثر صحيّة.
التشابه بين نقص الانتباه وفرط الحركة والتوحّد
يتشابه اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحّد من حيث وقت تطورهما، وتأثيراتهما ومخاطرهما على الصحة العقلية، وفي حين أن العلاج هو أحد الاختلافات بينهما، فهو أيضا أحد أوجه التشابه بينهما.
كلاهما يبدأ في مرحلة الطفولة وهما أكثر شيوعاً بين الأطفال الذكور
يبدأ اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب التوحّد في مرحلة الطفولة، في بعض الأحيان، لا يتم تشخيص هذه الحالات حتى سن البلوغ، وهذا لا يعني أن الحالة لم تكن موجودة في مرحلة الطفولة؛ هذا يعني فقط أنه لم يتمّ تشخيصها.
في الواقع أحد معايير تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هو أن الأعراض يجب أن تكون موجودة قبل سن 12 عاماً.
في حين أن كلا الحالتين تبدآن في مرحلة الطفولة، إلا أنهما تستمران أيضاً خلال مرحلة البلوغ، ومع ذلك بالنسبة لبعض الأشخاص قد تصبح أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أكثر اعتدالاً على مرّ السنين، ولهذا السبب تكون معدّلاتها أقل بين البالغين مقارنة بمعدّل انتشارها بين الأطفال.
يتمّ تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب التوحّد في كثير من الأحيان عند الذكور أكثر من الإناث، يتمّ تشخيص حوالي 13% من الأولاد الذكور و6% من الفتيات باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وفي الوقت نفسه، يعدّ مرض التوحّد أكثر شيوعاً بين الأولاد الذكور بأربع مرّات مقارنة بالفتيات.
تأثير الأدوية في إدارة أعراض نقص الانتباه وفرط الحركة والتوحّد
على الرغم من عدم وجود أدوية يمكن أن تؤدّي إلى عكس كامل لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو اضطراب طيف التوحّد، إلا أن الأدوية المتوفّرة تساعد في إدارة الأعراض.
يمكن إدارة اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة باستخدام المنشّطات وغير المنشّطات، المنشّطات لها تأثير مهدّئ على الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والذين يتميزون بكثرة الحركة وفرط النشاط.
يمكن لغير المنشّطات تحسين التركيز والانتباه والاندفاع، عادةً ما يتمّ وصف الأدوية غير المنشّطة إذا كان لدى المصاب آثار جانبيّة من المنشطات، ويمكن وصفها أيضاً مع المنشّطات لزيادة الفعاليّة.
لا يمكن للأدوية علاج الأعراض الأساسيّة لاضطراب طيف التوحّد، لكنّها يمكن أن تساعد في إدارة الأعراض المتزامنة.
على سبيل المثال، يمكن لبعض الأدوية أن تساعد في إدارة مستويّات الطاقة العالية، أو عدم القدرة على التركيز، أو سلوك إيذاء النفس مثل ضرب الرأس أو عضّ اليد، يمكن أن يساعد الدواء أيضاً في إدارة الحالات المتزامنة مثل القلق أو الاكتئاب.
ومن المهم معرفة أن كلّاً من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتوحّد لهما آثار سلبيّة طويلة المدى إذا لم يتمّ تشخيصهما، قد أظهرت الأبحاث أن هذه المشاكل يمكن أن تؤدّي إلى نتائج سيّئة للشخص وأسرته.
على سبيل المثال، يمكن أن يعاني الشخص المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو التوحّد، والذي لا يحصل على التشخيص أو الدعم المناسب، من صعوبات دراسيّة وزيادة مستوى الاكتئاب والقلق.
قد يكون بين هؤلاء المصابين أيضاً معدّلات أعلى في ما يخصّ السجن، والطلاق، وحوادث القيادة، والبطالة، والأفكار والسلوكيّات الانتحاريّة، وغيرها من مشكلات الصحة العقليّة.
هل يمكن أن يعاني الطفل من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والتوحّد معاً؟
من الممكن أن يكون لدى الطفل كل من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحّد، حوالي 14% من الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة يعانون أيضاً من مرض التوحّد، و50-70% من الأشخاص المصابين بالتوحّد يعانون أيضاً من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من كلتا الحالتين غالباً ما يعانون من تحدّيات أكبر في حياتهم مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من إحدى الحالتين فقط، هذا يشمل تحدّيات مع العوامل العقليّة والعاطفيّة والاجتماعيّة.
متى يجب طلب الرعاية ومن يجب الاتصال به؟
إذا كانت أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو اضطراب طيف التوحّد تضعف الأداء اليومي للطفل في مجالات حياته، مثل المدرسة والنشاط والعلاقات، فمن الأفضل تحديد موعد مع المختص الذي يمكنه المساعدة في تشخيص أعراضه وإدارتها وتدريب الأهل على كيفية التعامل معها ومع طفلهم.
مراجعة سريعة
يُعدّ اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب التوحّد من أكثر أنواع اضطرابات النموّ العصبي شيوعاً، والتي تبدأ في مرحلة الطفولة وتستمر حتى مرحلة البلوغ، هناك العديد من أوجه التشابه والاختلاف بين الاضطرابين.
يمكن أن يؤثر اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب التوحّد على طريقة تفاعل الطفل وتركيزه وتحدثه وتصرفاته، يتمّ تشخيصهما بشكل أكثر شيوعاً عند الأولاد الذكور، ويمكن إدارة أعراضهما من خلال علاجات معيّنة وأدوية.
ومع ذلك فإن العمر الذي يتمّ فيه تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب التوحّد، وكيفية تشخيصهما، والأعراض المحدّدة التي يسببانها، يمكن أن تكون مختلفة.
من الممكن أيضاً أن يكون لدى الطفل كلا الاضطرابين، إذا كنت تشكّ في إصابتك أو أحد أفراد أسرتك باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو التوحّد، فعليك التحدث إلى طبيب مختص لمناقشة الأعراض والخطوات التالية للعلاج.
اقرأ أيضاً:
- أطعمة تخفّف أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه
- 9 حقائق مهمّة عن اضطراب طيف التوحّد