23 أغسطس 2022

د. نوال الكعبي: اللعب مع الأطفال يعزز تفاعلهم الاجتماعي ونموهم النفسي

محررة في مجلة كل الأسرة

د. نوال الكعبي: اللعب مع الأطفال يعزز تفاعلهم الاجتماعي ونموهم النفسي

في مهامها المتعددة، تجدها حاضرة لتلبية متطلبات المرحلة. يكفيها شرفاً أنها من خط الدفاع الأول، إلى مهام أخرى لا تقل أهمية، فهي رئيسة مجلس صحة للأمراض المعدية ومكافحة العدوى في مدينة خليفة الطبية، ورئيسة اللجنة الوطنية للإدارة السريرية لفيروس «كورونا»، والباحث الرئيسي للدراسة التكميلية للاستجابة المناعية للقاح سينوفارم للأطفال، ومستشار أول لحياة بايوتك.

هذه المهام لا تغني الدكتورة نوال الكعبي عن كونها أماً تراعي أبناءها الأربعة وتمنحهم الوقت النوعي في ظل انشغالها الدائم، وبالأخص خلال الجائحة التي واجه زملاؤها الأطباء فيها الموت في دول عدة، وتلمست «النعم» في الدولة لجهة اهتمام القيادة بتوفير كل مستلزمات الصمود ومواجهة الجائحة بأقل الخسائر الممكنة.

معها حوار أطل على مسيرة طبية حافلة وأمومة عاشت في عين العاصفة:

د. نوال الكعبي
د. نوال الكعبي

نبدأ من مبادرة «ود» العالمية لتنمية الطفولة المبكرة، ما كان المحور الأهم - موضع النقاش؟

تتركّز المبادرة على بناء المعرفة ونشرها للنهوض بتنمية الطفولة المبكرة ليس في أبوظبي فقط بل عالمياً، لأن أبوظبي تضّم أكثر من 190 جنسية والجوانب التي نستثمر فيها تعود بالفائدة على مستوى الإمارات والعالم.

مبادرة «ود» جمعت أفضل الخبراء من عدة تخصصات سواء الصحة، تنمية الأطفال، التعليم والجوانب الاجتماعية والنفسية والمخرجات الاستراتيجية التي تم التوصل إليها لمواجهة التحديات في قطاع الطفولة المبكرة في أبوظبي وخارجها تترك آثارها الإيجابية في قطاع تنمية الطفولة. فالتكنولوجيا الإنسانية للأطفال وأسلوب الحياة والتفاعل الاجتماعي والرفاه العاطفي كلها محاور تؤثر بعمق في الطفل. فلا يمكننا منع التكنولوجيا عن أبنائنا ولكن المفروض أن نستثمرها بشكل إيجابي لتعزيز نمو الطفل الذي يجب أن يتعزز بالتفاعل الاجتماعي والرفاه العاطفي ضمن محيط من أبوين وأهل وأقارب وأصدقاء ومدرسة ومجتمع. فكل تلك المحاور تتفاعل وتتكامل بطريقة ما وتؤثر في الطفولة المبكرة.

باتت أبوظبي مركزاً للمبادرات العالمية التي تهدف إلى الارتقاء بواقع الطفولة وتعزز دور أبوظبي القيادي في الخروج بمخرجات وأبحاث ودراسات تصب في تعزيز نمو الطفولة المبكرة وتؤثر في أجيال قادمة. فالجوانب التي نستثمر فيها ونعوّد أطفالنا عليها ستؤثر في جيل كامل في المستقبل والأجيال التي تليها، فطفل اليوم هو أب الغد وأم الغد.

مبادرة «ود»


ما الآليات التي يمكن اعتمادها لتنفيذ التوصيات التي خرجت عن المبادرة؟

نحن نعتمد على الإعلام بشكل كبير. فمن المهم التوعية بالمحاور التي تمت مناقشتها في المنتدى وتعريف المجتمع سواء المجتمع الإماراتي أو العالمي بالتحديات التي تواجه تنمية الطفولة، خصوصاً أنّنا ما زلنا في مرحلة الجائحة والكل يجمع على تأثيرها السلبي في تنمية الطفل بشكل عام دون استثناء، وأعتقد أن كل المسؤولين من صنّاع القرار يعون أهمية الحلول والمخرجات المطروحة وقدرتها على مواجهة التحديات في مجال الطفولة. نقول إننا نتبادل المعرفة في كافة القطاعات، وهذا يساعد على بلورة التحديات لكون عندما يطرح خبراء التوصيات، تكون لدى صناع القرار الفكرة عن دور هذه الحلول ومساهمتها في الارتقاء بالطفولة.

مشاركة الأهل اللعب مع أطفالهم يساعد على نمو الطفل ويعزّز الترابط والتفاعل داخل الأسرة

نمط حياة القرن الـ21 أحد المحاور الذي ناقشتها المبادرة. كطبيبة أطفال، كيف ترصدين تداعيات هذا النمط صحياً ونفسياً على الأطفال؟

عند الحديث عن أسلوب الحياة، الهدف الأساسي هو تشجيع الجميع على تبني نمط حياة صحي نفسياً، اجتماعياً وعاطفياً. نتلمس تأثير الجائحة السلبي في الفترة الأخيرة، ومن الضروري التدخل للحد من تداعياتها حيث تقلّصت الأنشطة البدنية، ما أثر في نمو الطفل في المرحلة المبكرة وفي صحته النفسية والبدنية، هذا أحد التحديات، إلى جانب تحدي نوعية الغذاء.

في السابق، كان أجدادنا يأكلون مما يزرعون دون تعرض المنتجات لأي عوامل خارجية. اليوم، الخيارات متعددة ومن دون توعية، في وقت يتبدى اختيار الطعام الصحي أمراً ليس سهلاً إذ يجب الإلمام بأفضل الطرق لجذب الطفل إلى الأكل الصحي وإرسائه كأسلوب حياة، ما يحتاج إلى توعية بسبب الخيارات المتوافرة، ومن واجبنا أن ننبه الأهالي وكل أصحاب القرار لتوجيه الجميع إلى الاختيارات الصحيحة. كما أن النشاط لا يعتمد على الرياضة فقط، فمشاركة الأهل اللعب مع أطفالهم يساعد على نمو الطفل ويعزّز الترابط والتفاعل داخل الأسرة.

د. نوال الكعبي
د. نوال الكعبي

واكبت جائحة «كورونا» وكان دورك فاعلاً. أخبرينا عن تحديات تلك المرحلة ضمن خط الدفاع الأول كطبيبة وكباحث رئيسي للتجارب السريرية للقاح «كوفيد- 19» وبينها التجارب على الأطفال؟

المرحلة لم تكن سهلة وأنا ضمن خط الدفاع الأول وكرئيسة اللجنة الوطنية السريرية لـ«كورونا» إلى جانب مسؤوليات كثيرة على عاتقنا. كان دوامنا على مدار اليوم 24 ساعة داخل المستشفيات ميدانياً، وفي الوقت نفسه أنا أم وواجهتني تحديات في الموازنة بين العمل ورعاية الأبناء. كنا من أوائل الدول التي بدأت التجارب السريرية على اللقاحات في المرحلة الثالثة وباشرنا حملات تطعيم أفراد المجتمع بشكل مبكر، وهذا ساعدنا على التحكم بانتشار الوباء.

وكان الأطفال جزءاً لا يتجزأ من المجتمع حيث باشرنا الدراسة في صيف 2021 وكان «عيال شيوخنا» حفظهم الله من أوائل المشاركين في التجارب، ما ساعدنا أن نبدأ تلقيح الأطفال بشكل مبكر وتلمسنا تأثيره الإيجابي في الأطفال وفي العودة للمدارس وتقليص عدد الحالات باعتبار أن اللقاح لا يمنع العدوى ولكنه يحد من المضاعفات والدخول للمستشفى، وأبوظبي من أوائل المراكز التي بدأت فيها الدراسات واعتمدت اللقاح للأطفال من عمر 3 سنوات وهو لقاح غير نشط وآمن وأعراضه الجانبية تكاد تكون ضئيلة.

د. نوال الكعبي
د. نوال الكعبي

تحدثت عن تحديات الموازنة بين العمل والأسرة خلال فترة «كورونا»، ماذا تحدثيننا عن أسرتك؟

أنا أم لأربعة أبناء واعتمدت على الابن الأكبر في مساندة إخوته ومساعدتي في هذه الفترة، رغم أنه كان طالباً آنذاك في عام التخرج (2021)، وتخرج لاحقاً في جامعة نيويورك. لم أكن أستطع قضاء وقت طويل معهم ولكني استثمرت الوقت النوعي لفتح باب الحوار وكنا نتناقش في مسألة الجائحة وكيفية حل بعض الأمور العالقة. أبنائي كلهم رياضيون، وبالتالي فإن الفترة الأولى من الجائحة كانت صعبة عليهم ولكنهم ما لبثوا أن عادوا للمواظبة على الأنشطة الرياضية بعد انحسار «كورونا».

محمد الابن الأكبر لاعب في الفريق الأول للهوكي واتجه للعبة البادل أثناء الجائحة لكونها لا تستدعي الاختلاط، زايد طالب في جامعة زايد ويمارس رياضة الهوكي، ومنصور في الصف الحادي عشر ويمارس رياضة مواي تاي وتعلمها خلال فترة 6 أشهر، وسعود في الصف العاشر(14 عاماً) ويمارس أنشطة مختلفة ولا يلتزم برياضة معينة إذ يحب الجري ويهوى القطط والكلاب، ولا تسأليني عن عددها (تضحك).

أشعر بسعادة لا يمكن تخيلها وأنا متواجدة مع الأطفال

كنت على تماس يومي مع الفيروس كطبيبة أمراض معدية. كيف أثرت المهام الملقاة على عاتقك في مسارك الأمومي وكيف دعمتك العائلة؟

أنا أم وصديقة أشارك أبنائي اللعب وأفتح الكثير من أبواب الحوار ولكني في الوقت نفسه صارمة. كنت خائفة عليهم جداً أثناء الجائحة، وكطبيبة أمراض معدية كنت أتبع روتيناً معيناً عند وصولي إلى المنزل لجهة اتباع كل إجراءات السلامة، وتعلم أبنائي الروتين نفسه ومرت الجائحة علينا بسلام. كان أبنائي متفهمين لانشغالي وفخورين بكون والدتهم تستطيع الإجابة على أسئلة أصدقائهم عن كيفية مواجهة «كورونا» والإجراءات الواجب اتباعها، وساعدوني وساندوني جداً وبالأخص أني كأم كنت أشعر بالذنب لغيابي عن المنزل وأسرتي، وأبنائي وهم أولوية بالنسبة لي ولكني ولله الحمد اكتشفت أني أحصد ثمار الاستثمار فيهم وهم صغار. منذ طفولتهم، كنت أهتم بأنشطتهم الرياضية ومحمد ابني البكر بدأ الهوكي في عمر الأربع سنوات في كندا، ما أثر بشكل إيجابي في تكوينه. تلمست أهمية التنمية في الطفولة المبكرة ودورها في بلورة شخصية الطفل. كما اكتشفت الجانب الإيجابي والمضيء للتكنولوجيا أثناء الجائحة، فزوجي دبلوماسي ولا يتواجد طوال الوقت معنا، ما ساعدنا على التواصل، خلال الجائحة، معه ومع أهالينا عبر التكنولوجيا التي كنا نخاف منها ونقف عند سلبياتها.

اخترت التخصص في طب الأطفال، ما الدوافع التي قادتك إلى هذا التخصص؟

أحب كل مجالات الطب ولكن الدافع لاختيار طب الأطفال هو أني أشعر بسعادة لا يمكن تخيلها وأنا متواجدة مع الأطفال، وما يشعرني بالشغف هو أن كل ما تقدمه لشريحة الأطفال ينعكس بشكل إيجابي على جيل كامل. هذا دافع أساسي للتخصص، كما أن في مجال طب الأطفال نتعامل مع مراحل سنية مختلفة بدءا من الخدج إلى ما فوق الـ 18 عاماً ونرصد تغيرات مختلفة في كل المراحل والجهد الذي تبذله مع الأطفال تتلمس آثاره، وهذا يريحني نفسياً.

اخترت الأمراض المعدية لكون هذه الأمراض لا تؤثر في المريض فقط، بل قد يمتد تأثير العدوى إلى المجتمع، والمثال جائحة «كورونا»، ومن المهم توافر أفراد يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع هذه النوعية من الفيروسات.

ما رسالتك للطفولة ولأولياء الأمور في دعم التغيير نحو الأفضل؟

أدرك تماماً أن تحديات كثيرة تواجه أولياء الأمور ولكن أوصيهم بـ:

  • استقاء المعرفة الصحيحة من المصادر الموثوقة والرسمية أو المعروفة عالمياً لأن المعلومة الصحيحة تساعدهم في اتخاذ القرارات الصحيحة.
  • الاستفادة من آبائهم وأمهاتهم ومن الأكبر سناً ممّن لديهم خبرة في تربية الأطفال وتوعية ذواتهم في فترة مبكرة قبل الزواج وإنجاب أطفال.
  • التواصل الاجتماعي عنصر محوري، حتى في ظل انشغال الآباء، من المهم التواصل مع أبنائك ومشاركتهم الطعام واللعب وغيرها من الأنشطة حتى مع وجود أفضل تكنولوجيا.
  • عدم الاعتماد على المربيات والمساعدات المنزليات، فالتربية بيد الأم والأب وليس في يد أي أحد آخر وكل نشاط تشاركه طفلك يؤثر فيه بطريقة إيجابية من رعايته، احتضانه، إطعامه وتعليمه الوقوف والمشي واللعب معه وغيره، يعزز تفاعله الاجتماعي ويساهم في نموه الجسماني والنفسي.

*تصوير: محمد السماني