هل تصدقين أن تفوقك في عملك ونجاحك في إنجاز العديد من المهام الوظيفية الصعبة هو أحد العوامل المهمة في تحسين حالتك الصحية والنفسية؟.. كما أنه يمنحك قدرة أكبر على إسعاد أفراد أسرتك ومشاركتهم لحل مشاكلهم وتأمين مستقبلهم.
هذا ما أكدته دراسة اجتماعية ونفسية حديثة صادرة عن المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر، وجاء في الدراسة «نجاح المرأة العاملة في الحياة مع تمتعها بصحة أفضل يرجع عادة إلى كونها أكثر وعياً وحرصاً على تثقيف نفسها فيما يتعلق بصحتها وسلامة أسرتها بالإضافة إلى رغبتها في أن يفخر بها زوجها وأولادها فهذا الشعور يجعلها في حالة دائمة من النشاط والحيوية والرغبة الدائمة في العطاء».
وكشفت الدراسة أن هناك اعتقاداً خطأ لدى البعض بأن عمل المرأة وانشغالها بأهدافها وحياتها العملية من الأسباب التي تؤدي أو تساعد على الفشل أو الانفصال خاصة إذا كانت المرأة ناجحة في عملها، ولكن هذه الأفكار غير صحيحة على الإطلاق.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن الحياة المزدوجة التي تعيشها المرأة العاملة بين عملها وبيتها تجعلها ذات طبيعة مختلفة وخاصة إذا كانت تتمتع بالنجاح في عملها فهذا كفيل بأن يجعلها إنسانة ذات طبيعة مختلفة فتزداد ثقتها بنفسها ونجدها تتحمل جميع مسؤوليات المنزل والزوج والأطفال ولا تتذمر ولا تشكو وتحاول تأدية عملها على أفضل وجه.
طرحت «كل الأسرة» نتائج هذه الدراسة على عدد من أساتذة الطب النفسي وخبراء العلاقات الزوجية والأسرية وسألتهم.. هل حقاً المرأة العاملة أكثر سعادة؟ ولماذا؟ وكيف تنجح المرأة العاملة في التوفيق بين مسؤولياتها المختلفة والمتراكمة؟
ما أسباب نجاح المرأة العاملة؟
في البداية تؤكد الدكتورة هبة العيسوي، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن نتائج هذه الدراسة تتفق مع العديد من الدراسات والأبحاث النفسية التي تناولت أحوال المرأة العاملة. وتقول «عمل المرأة يجعلها دائماً في حالة تحدّ مع نفسها، ولكي تنجح في حياتها الأسرية والعملية سيكون سلاحها هو ترتيب أدوارها فهي أم بالدرجة الأولى ثم زوجة وبعد ذلك موظفة لذا فالمرأة العاملة عليها أن توزع اهتماماتها وفقاً لهذه الأولويات».
وتضيف «فالنجاح في العمل لا يعني إهمال البيت وتربية الأبناء الذين يحتاجون بلا شك للرعاية والحب والاهتمام، وهو ما يسهل معه بالتوازي أداء مهام العمل بثقة وقدرة أكبر على العطاء. وأنا دائماً أشجع الفتيات المقبلات على الزواج بالبحث عن عمل مناسب لظروفهن وظروف أسراتهن الجديدة لأن الأسرة التي ترعاها امرأة منتجة هي أفضل حالاً من أسرة تعول على دخل الرجل فقط ولكن بشرط أن يكون هناك تعاون بين الزوجين في تأدية الواجبات المنزلية».
تعاون الزوج مع زوجته يزيد من استقرار الحياة الزوجية
وتلفت أستاذة الطب النفسي إلى أهمية أن يقدر الزوج المجهود الذي تبذله زوجته في المنزل وخارجه لا أن يكون هو الآخر أداة للضغط عليها.. يقول سبحانه وتعالى «وجعلنا بينكم مودة ورحمة».
وتشدد الدكتورة هبة العيسوي أن تعاون الزوج مع زوجته يزيد من استقرار الحياة الزوجية، موضحة أن تعاون الأزواج مع زوجاتهم في أداء الأعمال المنزلية يؤكد نجاح الزوجة في إخضاع الزوج إلى التعاون داخل البيت فتشعر بمزيد من الديناميكية في حياتها الأسرية كما يشعرها الأمر ذاته بالمساواة مع زوجها الأمر الذي يزيد معدلات السعادة الزوجية بين الطرفين.
هكذا يجب أن تتعامل المرأة العاملة مع زوجها
ومن جانبه يؤيد الدكتور أحمد علام، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، نتائج هذه الدراسة مشيراً إلى أن المرأة العاملة قد تكون أكثر سعادة مع زوجها حتى وإن كانت أعباء العمل ثقيلة وذلك يرجع إلى أن المرأة الأكثر انشغالاً في عملها تشعر إلى حد ما بالرضا والنجاح في عملها مما يجعلها أفضل في حياتها الزوجية أيضاً، فبرغم كثرة المسؤوليات عليها وتزاحم الحياة فإن احترام الذات يجعل الزوجة أكثر رضا عن نفسها وبالتالي تستطيع أن تعطي لبيتها وزوجها الكثير نتيجة لهذا الرضا النفسي.
ويؤكد أن غياب الزوجة خارج المنزل يزيد الود بينهما ويشعل الشوق في قلب الزوج أكثر من الأزواج الذين يرون زوجاتهم أمامهم باستمرار.
لكن الدكتور أحمد علام يشدد على الزوجة العاملة أن تتعامل مع زوجها بمزيد من الحكمة والحنكة لتزيد من العلاقة بينهما استقراراً ونجاحاً، فعليها أن تعبر عن احتياجها الدائم للزوج فهو يحتاج دائماً إلى الشعور بأن الآخرين بحاجة إليه فهو يرغب في أن يلعب دوراً مهماً في حياته الزوجية وعلى الزوجة أن تحافظ على الحميمية بينهما باستمرار.
ويعلل ذلك بأن بعض المتزوجين يفقدون حكمتهم أحياناً فتتغير نظرة بعضهم إلى بعض بعد أن ينجبوا الأبناء وهنا يصبح من الضروري جداً أن يجد الزوج والزوجة الوقت الكافي ليقضياه معاً لأنهما بحاجة إلى الاستمرار في مناقشة جوانب العلاقة والعمل على جعلها أفضل وأبسط والحرص على كيفية إسعاد كل منهما للآخر، أي يجب أن يجتمعا دائماً ويجعلا للمتعة مكاناً في حياتهما.
الأم العاملة أفضل لأبنائها
تؤكد الدكتورة شيماء الخليلي، الاختصاصية النفسية والمتخصصة في العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن المرأة العاملة تكون دائماً هي المثل الأعلى لأبنائها، عندما يشاهدون تقدمها في العمل ونجاحها وتميزها ودائماً ما يكون لديها طموح وهدف في حياتها كما أنها تكون ذات دخل ثابت يمكنها من أن تزيد دخل أسرتها وتشارك الزوج في إسعاد أبنائها، ولأنها تشعر بالذنب تجاه أطفالها تسعى لتعويضهم بالحب وكل ما يحتاجون له.
هذا بالإضافة إلى أن خروج المرأة إلى العمل يقتل الكسل والتراخي لديها ويجعلها أكثر نشاطاً من ربة المنزل، لأنها تستيقظ مبكراً كل يوم، وتبدأ يومها بالعمل وعندما تعود من عملها تبدأ في تلبية متطلبات المنزل.
وتهمس الدكتورة شيماء الخليلي في أذن الأزواج قائلة «تربية الأبناء ورعايتهم مسؤولية مشتركة بين الزوجين، ويجب على الزوج تحمل مسؤوليته وعدم إلقاء المسؤولية كاملة على الزوجة العاملة، فهذا ظلم بيّن يجب رفعه عنها، من خلال تعزيز الوعي الديني والثقافي لدى الأزواج بدورهم تجاه أسرهم، وأن كلاً منهم راع ومسؤول عن رعيته، وتصحيح هذا الوضع يقلل من الضغط النفسي والشعور بالذنب لدى الزوجة والأم العاملة، خاصةً إذا كان أولادها صغاراً في السن لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم».
وتنصح الدكتورة النفسية الزوجات في حالة الشعور بمسؤوليات جسيمة على عاتقهن بسبب العمل والبيت والزوج والأولاد أن يبدأن أولاً بترتيب أولوياتهن، وتحاول كل واحدة بإقناع الزوج بأنه عامل أساسي في نجاحها أو فشلها في التوفيق بين مسؤوليتها كأم وزوجة، وكونها امرأة عاملة ناجحة، كما أن عليها الاتصاف بالمرونة والتهوين على نفسها والابتعاد عن العصبية الزائدة في البيت أو في العمل.
أهمية التعاون المادي بين الزوجين
أما الدكتور عمرو يسري، أستاذ الطب النفسي وخبير العلاقات الأسرية والزوجية، فيشير إلى أن هناك جانباً آخر من القضية يجب ألا نغفله، فعمل الزوجة وحصولها على دخل نظير عملها أو ميراثها يكون في بعض الأوقات سبب سعادتها في زواجها وفي أحيان أخرى يتسبب هذا المال في شقائها وتعاستها وفشل علاقتها بزوجها.
ويرى أنه يجب على الزوجة أن تتفهم أهمية التعاون المادي فهو القاعدة الأساسية لإرساء علاقة مالية متوازنة تؤمن نجاح الزواج، وعلى الشريكين تخصيص نسبة من راتبهما لتأمين كل ما تحتاجه هذه المؤسسة من مأكل ومشرب وعلاج وأدوات تنظيف وغيرها.
ويطالب الدكتور عمرو يسري الأزواج والزوجات بضرورة إعداد ميزانية للأسرة لتجنب الخلافات المالية على الأمور الضرورية وغير الضرورية، ويؤكد أهمية التعامل مع هذه الميزانية بكل جدية حيث إن إعداد ميزانية أسرية يتطلب المشاركة بين الزوجين والعمل وفق نظام مالي أسري وتحديد دور كل منهما، وكذلك ضرورة المصارحة والثقة بين الزوجين والبحث في أدق المصاريف مهما علا شأنها أو صغر.
ويرى الاستشاري النفسي أنه يجب أن يحسم الشريكان الأمور المالية بينهما في فترة الخطبة، بداية من المرتب وحتى المصروف الشخصي ومصاريف البيت، فالزوجان شخصان يكملان بعضهما البعض ويجب ألا تفرقهما بعض الفواتير والحسابات الخاصة باحتياجات البيت. مشيراً إلى أن محبة الزوجين لبعضهما يجب أن تطغى على الأمور المادية بينهما.