أثار مشروع قانون جديد يناقشه مجلس النواب في مصر خلال الأسابيع الماضية حول سلامة الصحة النفسية كشرط أساسي قبل الزواج جدلاً واسعاً ما بين مؤيد ومعارض، وشهد ردود فعل متباينة عبر منصات التواصل الاجتماعي وتعددت الآراء حوله ما بين أمراً ضرورياً لا غنى عنه بينما رآه آخرون خطوة جديدة تزيد من تعقيدات الزواج وترفع تكاليفه.
يلزم القانون الزوجين بالمثول إلى الفحص الطبي قبل الزواج والذي يتضمن تحليل الدم والكشف عن الأمراض المختلفة وإصدار وثيقة بذلك تقدم عند عقد القران، ومن أهم البنود فيه إلزام المقبلين على الزواج بإجراء الكشف النفسي والعصبي وخفايا الاضطرابات والأمراض النفسية التي قد يعانيها أي من طرفي العلاقة.
طرحت «كل الأسرة» الفكرة التي يتبناها مشروع القانون المصري الجديد وسألت عدداً من خبراء الطب النفسي والعلاقات الأسرية والزوجية حول مدى جدوى تطبيق الكشف النفسي للمقبلين على الزواج في الحد من ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق، وهل إجبار المقبلين على الزواج بهذا الكشف سيقلل من حدوث الخلافات والجرائم الأسرية:
ضرورة إلزام المقبلين على الزواج بالخضوع للفحص النفسي
في البداية أكدت الدكتورة دينا هلالي، خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية والتنمية البشرية وتعديل السلوك وعضو مجلس الشيوخ بالقاهرة وصاحبة مقترح إلزام المقبلين على الزواج بالخضوع للكشف النفسي والحصول على شهادة السلامة النفسية، أن مقترحها يهدف إلى الكشف عن الأمراض النفسية التي يعانيها بعض الأفراد من أجل تعريف الطرف الآخر بالحالة النفسية للشخص الذي سيرتبط به بشكل واضح، فضلاً عن كونه حلاً للحد من ظاهرة ارتفاع نسبة الطلاق، مشددة على ضرورة أن يكون تأهيل المقبلين على الزواج إجبارياً وليس اختيارياً.
وقالت الخبيرة الأسرية دينا هلالي «إن الواقع العملي الذي تعيشه الكثير من الأسر خلال السنوات الأخيرة يكشف عن ضرورة إجراء الكشف النفسي على طرفي عقد الزواج للتأكد من السلامة النفسية وخلو طرفي العلاقة الزوجية من أية أمراض عصبية تضر بالحياة الزوجية وتؤثر سلباً في الأسرة في المستقبل، فضلاً عن الأمراض النفسية الوراثية مثل الاضطراب ثنائي القطب، والاضطراب الاكتئابي الحاد، والفصام»، مؤكدة أن المقترح لا يمنع الزواج بسبب تلك الأمراض النفسية، ولكن للأسف هناك العديد من الأمراض الوراثية النفسية التي تسبب حالات قتل بين الأسر، مشيرة إلى أنها قابلت العديد من الحالات والمرضى النفسيين أمراضهم وراثية ويحدث لهم هلوسة وتوهان يتسبب في حالات قتل بين أفراد الأسرة الواحدة.
الفحص النفسي قبل الزواج لا يتعارض أبداً مع العادات والتقاليد ولا يخدش الحياء ولكنه فقط يؤكد مدى توافق الزوجين ومدى قدرتهما على العيش معاً
وأوضحت د. دينا هلالي أن الكشف النفسي للمقبلين على الزواج كشرط أساسي لعقد القران ليس بدعة بل أمر لجأت إليه الحكومة الماليزية خلال فترة رئيس الوزراء مهاتير محمد، لوضع سياسة حازمة للحيلولة دون تفاقم مشكلة الطلاق في المجتمع الماليزي، والتي بلغت نسبة الطلاق ذروتها في تسعينات القرن الماضي ووصلت إلى حد 32%، أي أن ضمن كل 100 زيجة هناك 32 تفشل، ما دفع الحكومة إلى إصدار تشريع خاص بالزواج، بموجبه يلتزم كل طرف يرغب في الزواج من الجنسين بالخضوع إلى دورات تدريبية متخصصة داخل معاهد خاصة يحصلون بعدها على رخصة تسمح لهم بعقد القران، مما مكن ماليزيا أن تصبح من أقل دول العالم في نسب الطلاق، بمعدل أقل من 8%، فيما صارت ملفات عقد القران لا تخلو من وثيقة (رخصة الزواج) إضافة إلى الفحوص الطبية وباقي الوثائق المتعارف عليها.
وتشدد الدكتورة دينا هلالي على أن الفحص النفسي قبل الزواج لا يتعارض أبداً مع العادات والتقاليد ولا يخدش الحياء ولا ينتهك خصوصيات المقبلين على الزواج، ولكنه فقط يؤكد مدى توافق الزوجين ومدى قدرتهما على العيش معاً لتكوين أسرة سليمة نفسياً وسعيدة، وتحدد مدى اللياقة النفسية للشخص وقدرته على الزواج في الوقت الراهن.
الفحص النفسي سيظهر بعض الأمراض التي تجعل الشخص غير قادر على إقامة أسرة سعيدة
وتتفق معها الدكتورة هبة العيسوي، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، وتعرب عن تأييدها للمقترح مؤكدة أن الفحص النفسي ضروري للمقبلين على الزواج وذلك لتأهيل الشباب نفسياً للزواج وكيفية التعامل مع الطرف الآخر، وتوضح «للعامل النفسي واللياقة النفسية دور مهم في بناء أسرة سعيدة على أسس صحية ونفسية سليمة لضمان أسر تتمتع بالاستقرار النفسي وترفع من مؤشرات انتشار أهمية الثقافة الصحية النفسية في المجتمعات العربية».
وتؤكد أستاذة الطب النفسي أن أغلب المشكلات التي تواجه الزوجين تكون نتيجة وجود مشاكل نفسية، لذلك كان لابد من أن تكون دورات التأهيل النفسي إلزامية وليست اختيارية لحل أزمة المشاكل الأسرية بين المتزوجين مع اختلاف الظروف والوضع الاجتماعي حتى لا نصل إلى المشاكل الأسرية المستعصية، وهذا الأمر يبدأ باكتشاف المشكلة والاعتراف بها.
وتضيف «الشهادة النفسية ستكون من خلال متخصصين يقيمون مدى سلامة الشخص المقبل على الزواج وقدرته على تحمل مسؤولية البيت والأطفال، فالهدف الأول منها هو تربية أبناء أسوياء للتغلب على المشاكل ومفاتيح التعامل، كما أن الفحص النفسي سيظهر بعض الأمراض التي تجعل الشخص غير قادر على إقامة أسرة سعيدة نتيجة اضطرابات الشخصية مثل النرجسية والبخل والاعتمادية والشك والتوحد والاكتئاب وغيرها من المشاكل النفسية».
وطالبت الدكتورة هبة العيسوي بضرورة إعداد برامج وندوات للتوعية بثقافة الصحة النفسية والحث على أهمية الكشف النفسي قبل وأثناء الزواج لضمان إعلام الطرفين بالحالة الصحية للمريض وعلاج المصابين إذا ثبت إمكانية العلاج وتأهيل المرضى لإتمام عملية الزواج.
الفحص النفسي قبل الزواج قد يقلل من الجرائم الأسرية
ومن جانبه يؤيد الدكتور علاء رجب، استشاري العلاقات الأسرية والزوجية والخبير النفسي بالقاهرة، مقترح القانون الجديد ويقول إنه رغم أن الجرائم الأسرية تعتبر نادرة إلا أنها أصبحت تتكرر خلال السنوات الماضية بشكل مفجع، لكن الجريمة الأكبر أن الأب أو الأم المضطربين نفسياً يورثون اضطرابهم للأبناء بوعي أو بدون وعي منهما. ويواصل «المجتمع لم يعد يستوعب دفعات جديدة من المضطربين نفسياً أو المتطرفين أو المعقدين فحياة أكثر المضطربين والمجرمين كانت بسبب مربٍ نقل لهم هذه الطاقة النفسية السلبية دون وعي من المربي أو الطفل المسكين ليصبح هناك جيل جديد من المرضى النفسيين في المجتمع، فحتماً هناك العديد من الأمراض النفسية تعتبر معدية عندما تنتقل من الآباء والأمهات إلى الأبناء».
ويقول «للأسف أغلب الأسر تخفي الأمراض النفسية التي تصيب أبناءها أثناء التقدم للزواج والنتيجة في النهاية تكون طلاقاً بعد سنة أو سنتين وربما أقل، والمشكلة وقتها ليست في المرض أو الطلاق ولكن في جيل جديد من الأبناء ينشأ بين أبوين بينهما ضرب وإهانات ومحاكم ويكبر ممزقاً بين زوجين أو أبوين مطلقين كلاهما يرمي بالتهم في فشل الحياة الزوجية على الآخر والمحصلة النهائية هم أطفال ضحايا الحرب الزوجية».
ويرى الاستشاري النفسي أن مثل هذه الفحوص ستقلل حتماً من معدلات الطلاق لأنها ستكشف عن مشكلات قد تظهر للطرف الآخر ويكون له حق الاختيار بكامل إرادته قبل الزواج في إتمامه من عدمه، حتى لا يصاب أحد الطرفين بصدمة المرض النفسي بعد الزواج وتنقلب حياته إلى جحيم لا ينتهي.