مما لا يقبل الشك أن الانفصال كتجربة تحمل معها الكثير من مشاعر الحزن والألم والإحباط سواء للمرأة أو الرجل، وبينما تزداد صعوبته ويأخذ وقتاً أطول عند البعض ينجرف القسم الآخر في علاقات سريعة قبل أن يتعافى من آثار الصدمة السابقة دون محاولة إصلاح نفسه ليبدأ بداية صحية. وبين النمطين يمر المنفصل بمراحل تختلف درجة تأثيرها من شخص لآخر، وتبقى رحلة التعافي من الانفصال تحتاج من المهارات والوعي ببعض الأمور التي لها دور مهم كي تصبح مسألة التشافي أقوى وأقرب.
كيف نتقبل الوضع الجديد؟
مما لا شك فيه أن قرار الانفصال هو نتيجة حتمية لمشاكل وخلافات تسببت بآلام ومعاناة نفسية لأحد الطرفين أو كلاهما، لكنه بالتأكيد يحمل معه الكثير من التحديات.
توضح دكتورة الصحة النفسية واستشاري العلاقات الأسرية الدكتورة إيمان عبد الله «ينبغي التعامل مع الوضع الجديد بعد الانفصال بحذر فهو يحمل معه من الصعوبات والألم نفسي والشعور بالرفض تجاه كل ما يحيط بالشخص، بالإضافة إلى زيادة في افراز الكورتيزون وهرمون الأدرينالين بشكل كبير، في الوقت الذي تتركز كل طاقة الإنسان على تخطي الموقف العصيب على حساب أشياء كثيرة وهذا خطر على صحته وحياته».
تكشف عبد الله أنواع الانفصال «لا يكون الانفصال دائماً أمراً سيئاً إنما يحتاج من الشخص لشجاعة كافية ليتمكن من تجاوز المرحلة، فبعد إغلاق جميع الطرق والأبواب يعيش الفرد حالة من فقدان الاتصال بجميع أنواعه مع الطرف الآخر، وتبدأ المشاعر السلبية والإحباط والألم بالتراكم، كما أن هناك انفصالاً إيجابياً بالاتفاق المتحضر المخطط له بين الطرفين تأخذ فيه فترة للتعافي ما بين ثلاثة أشهر إلى عام أو ثلاثة أعوام، تبعاً للظروف التي مرا بها قبل الانفصال».
تشير أخصائي الصحة النفسية للمراحل السبع للانفصال:
- مرحلة الصدمة: «العيش في حالة من التشويش ومحاولة البحث عن إجابات لأسئلة يطرحها العقل، تستنزف هذه الفترة الكثير من الطاقة».
- مرحلة الإنكار: «في حال عدم تخطي الشخص مرحلة الصدمة يبدأ في الإنكار وتبرير وقوع الانفصال».
- مرحلة اللوم والغضب: «إلقاء اللوم والغضب من الشريك السابق على أي مشكلة تحدث في الحاضر والمستقبل».
- مرحلة عدم القدرة على تخطي الفراق والانفصال:«الرغبة في إرجاع الطرف الآخر مرة أخرى للحياة الزوجية».
- مرحلة الإحباط: «تبدأ هذه المرحلة عند الفشل في استرداد الطرف الآخر وفقدان الإحساس بالمتعة والسعادة».
- مرحلة التقبل: «تبدأ عندما يتقبل العقل الوضع ويشعر بأن الوقت حان لبدء حياة جديدة».
- مرحلة الترميم: «فيها يتعلم من التجربة والأخطاء وكيفية التعايش مع التحديات والرغبة في شريك جديد».
«على الرغم من اختلاف مراحل الانفصال بالنسبة للأشخاص ودرجة تأثرهم بها إلا أن الشفاء مرحلة حتمية يمكن الوصول إليها مع مرور الوقت»
مدة التعافي من الانفصال
من خلال تماسها مع الواقع، تشير أخصائية اتيكيت العلاقات والمستشارة النفسية آسية القرشي، إلى أن الانفصال أمر طبيعي ووارد إلا أن استجابة الشخصيات لألم الصدمة هو ما يتغير.
تكشف «في أكثر الجلسات النفسية التي نفذتها عن الحياة بعد الانفصال وآثاره في الجنسين وجدت هناك من يتعافى بفترة قصيرة ويجعل لنفسه ولحياته الفردية الأولوية دائماً، بينما هناك من يتدمر وينهار ويشعر بالضعف والعجز والرفض ويكره نفسه وحياته ويبلغ من كسره حد القسوة رغم الإنجازات الكثيرة في حياته الأكاديمية والاجتماعية والمهنية، ومنهم من تنتابه الرغبة بالعزلة النهائية عن الآخرين وإغلاق باب الارتباط لبقية حياته نتيجة الخوف من خوض تجربة جديدة فاشلة أو ربما كرهاً للجنس الآخر، ومن ينجرف في علاقات سريعة غير سوية أو خوض تجربة زواج جديدة قبل أن يتعافى من آثار الصدمات السابقة ودون محاولة إصلاح نفسه ليبدأ بداية صحية غير انتقامية رغبةً بالنسيان».
أخطاء تعيق الوصول لمرحلة التعافي
من جهة أخرى تشير القرشي «تقود الرغبة أحياناً الشخص لعدم التصديق وقبول الحدث والتفاوض على العودة والرجوع بخط الزمن وتفضيله البقاء مع الذكريات الجميلة، فالعقل دائماً ما يذكر بالأحداث الجميلة لا سيما بعد الألم لأجل حماية الشخص من الصدمة والمساهمة في نسيان الذكريات الحزينة والسيئة، فعيش دور الضحية باستمرار وتكرار رواية الحدث وبشكل مبالغ فيه والسماح بتصديق فكرة تعظيم الأحداث والمبالغة الزائدة، ومتابعة الشريك السابق والترصد له، والحفر لأخطائه والتفكير بخطة للانتقام والعمل على تشويه سمعته، وعدم التعبير والبحث عن الدعم والاعتزال لفترات طويلة والتوقف عن الحديث وكتم الألم والاستسلام للهشاشة النفسية والذهنية والعاطفية، والانجراف في هدم الذات، وتحقير النفس والقضاء على القيم.. فالبعض يصبح قاسياً على نفسه وغيره، ينتقم من نفسه بنسيان هويته وقيمه ومبادئه والعيش وعقدة الرفض أو عقدة الذنب أو عقدة نشوة المرغوب والكثير من التشوهات النفسية المؤلمة، والاكتفاء بمفهوم التعافي من الصدمة دون خوض التجربة من جديد بسبب الخوف من الفشل والألم، وجميعها أخطاء تعيق الوصول لمرحلة التعافي».
طرق تساعدك على التعافي سريعاً
في هذا السياق تؤكد الكوتش والمدربة في الوعي والتشافي الروحي نجمة أهلي، أن رحلة التعافي من الانفصال تحتاج من الشخص الوعي ببعض الأمور التي لها دور حتى يمكن أن يصبح التعافي أقوى وأقرب منها:
- احترام الألم: إحساس الشخص بالمسؤولية تجاه حياته والتصرف مع نفسه بحنية وحب واعترافه بأنه المسؤول عما يعانيه، وتجنب جلد ذاته واتخاذ القرار والإصرار على الوصول واستكمال التعافي، والابتعاد عن المقاومة والدخول في صراع مع الذات، وإدراك أهمية التسليم الذي يسمح بسريان الأفكار الجميلة وتدفق الطاقة الإيجابية واتباع الحدس ومحاولة تقبل الخطأ، والمسؤولية هنا لا تعني أن يتحمل الشخص أخطاء الماضي أو ما لا طاقة له به إنما هي الإدراك والوعي ومعالجة القلب بالحب والحنان والعطف واللطف، كأن يتمرن بالوقوف أمام المرآة ويعاهد نفسه بأن يحبها حباً صادقاً بدون شروط.
- التعرف إلى الذات: أن يسأل الشخص نفسه.. من أنا؟؟ ماذا أريد؟؟، وإجابته هنا لا تعني الأدوار الحياتية التي يقوم بها إنما الخروج إلى المساحة الأكبر والإجابة الأعم والأشمل بأن يتعرف إلى ما يريد، وكيف يمكن أن يعبر عن نفسه أو أين يذهب، وهل يمتلك رؤية واضحة بغض النظر عن الخطة، وما هي وجهته وهل هي واضحة أمامه، «هل يريد أن يكون في مقعد السائق في الحياة أم يترك الناس هي من تقود حياته كما تشاء؟ هذه الأسئلة بمثابة البوصلة له وبالإجابة عنها يمكنه أن يجد نفسه أكثر استقراراً وهدوءاً وإرادة لاستكمال الحياة».
- بسّط الحياة: لا تفكر باستمرار في البحث عن الحل: من المهم أن يعي المنفصل أن هناك أموراً لا حل لها، عليه التسليم بأن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على تدبيرها وأنه ليس بمقدوره على إدارة حياته وإرهاق نفسه بالبحث عن حلول لكل شيء، فالبهجة والسعادة تجعل التعافي أسرع والعقل الباطن مبرمج على تكرار الأحداث السعيدة أو التعيسة والتوكيدات الخاصة وأجملها الامتنان لحياتك ولكل شيء فيها مما يجعل فترة التعافي ممتعة.
- العيش في اللحظة: على الشخص المنفصل أن يعيش اللحظة الراهنة ويستمتع بكل ما ترصده حواسه الخمسة، ما يشمه ويسمعه، يأكله ويلمسه وما يشعر به من سعادة، التفكير في الماضي يخرجه من دائرة اللحظة والمتعة الآنية، وبلا وعي يمكن أن يقود التفكير بالماضي في عودة ذكريات السنين المؤلمة ما يعيق عملية التعافي، كما يمكن أن يكون الدخول في مقارنات مع الآخرين سبباً في ضياع جمالية اللحظة.
تخلص الدكتورة إيمان عبد الله «مع العيش في اللحظة بحب يتلاشى الخوف، ومع العيش بامتنان يتلاشى الحزن، ومع العيش بتسامح يتلاشى الغضب، لن نصل للتشافي ما دمنا نعيش الماضي أو المستقبل.. علينا تعلم الاستمتاع والبهجة والرضا فهي معيارنا في العيش في اللحظة.. إذا شعرنا بأي مشاعر مضطربة علينا تذكر أننا فصلنا عن اللحظة وعلينا أن نتعلم كيف نرجع لأحضانها».