«إن الطيور على أشكالها تقع»... «وافق شن طبقة»... «قدر وعثر على غطائه»... وغير ذلك من الأمثلة التي استخدمها العرب قديماً للدلالة على أن كل مخلوق يميل لمن يشبهه في صفاته وطريقة تفكيره وسلوكه.. فما هي الحال بالنسبة للأزواج؟ وهل التشابه بينهم يعزز العلاقات ويقويها، أم إن التنافر والاختلاف مطلوبان في عملية التكامل ودوام العشرة؟
تشابه أم تنافر؟
أكدت الإحصاءات والدراسات أن معظم العلاقات الزوجية التي تستمر طويلاً تتميز بالتشابه والتقارب بين الزوجين، فالصفات المتشابهة هي التي تجعل كل زوجين يستأنسان ببعضهما بعضاً فيتقبل أحدهما الآخر من غير الكثير من المنغصات.
وإذا كان كثير من الخبراء يرون بأن الاختلافات بين الزوجين هي التي تخلق أسباباً للتكامل والعيش المشترك الذي تضفي عليه الخلافات ملحاً يعطيه طعماً مميزاً، فإن دراسة حديثة نشرت مؤخراً في مجلة «Nature Human Behaviour»، أفادت بأن هذه النظرية داحضة، وبناء على دراسة أجريت على 130 خاصية لدى ملايين الأزواج، تبين أن التشابه هو الذي يسود العلاقات الزوجية وأنه يؤثر في دوام العلاقة، وأن التنافر في الطبائع والخصائص نادر لدى أولئك الذين يستمرون في حياتهم المشتركة.
وتفيد 199 دراسة أجريت في بريطانيا خلال القرن الماضي، أن معظم الأزواج يتشابهون في الأذواق والميول السياسية والمعتقدات الدينية والعلاقات العاطفية ومستويات التعليم والساعة البيولوجية.
بالمقابل، لم تبين الدراسات صحتها فيما يتعلق بدوام العلاقة عندما يرتبط شخص انطوائي بآخر منفتح، بمعنى أنه يمكن للشخص الانطوائي أن يعيش بسلام مع زوج منفتح اجتماعياً. ما عدا ذلك، كل الطبائع والخصائص تكون بين الأزواج متشابهة. تبدو هذه النظرية مشوشة بعض الشيء، ذلك أن الدراسات لم توضح ما إذا كانت هنالك علاقة للجينات الوراثية في هذا الأمر، فكم من أزواج مختلفين عاشوا بهناء، وآخرين متشابهين تنافروا وتباعدوا؟
كيف تخلق العشرة تشابهاً بين الأزواج؟
لا يميل الأزواج إلى التشابه فيما بينهم في السلوك والتصرفات فحسب، فمع مرور الوقت والحياة المشتركة يكتسب كل شريك من الآخر ملامح وصفات في الشكل والمظهر، كما يكتسب في الفعل والجوهر، خصوصاً إذا كان الحب سائداً بين الطرفين. ولقد شكل التشابه في الملامح بين الأزواج مصدر حيرة لبعض العلماء، وكان التساؤل مثيراً للجدل عندما طرحت الفكرة لأول مرة في منتصف الثمانينيات، فقد أفاد باحثون من جامعة ميتشيغان في ذلك الوقت أن قضاء سنوات مشتركة من الارتباط الوجداني والعاطفي يؤدي إلى ظهور تشابه في الملامح تعززه التعابير المماثلة وردود الأفعال الموحدة تجاه المواقف المشتركة.
إلى ذلك، من الملاحظ أن الإنسان، سواء كان رجلاً أم أنثى، يبحث في العموم عن شريك يشبهه، أو إنه ينجذب إلى جنس آخر فيه صفات ظاهرية وداخلية تشبهه وتتماشى مع صفاته ومع البيئة التي عاش فيها، فكم من شاب اختار فتاة تشبه أمه لأنه اعتاد على رؤية ملامح معينة منذ صغره، وكم من فتاة أصرت على الارتباط بشريك يشبه والدها في كل الصفات؟
إن المسألة أكثر تعقيداً مما تقدمه الدراسات والأبحاث، فالإنسان كائن ذكي، واختياراته ترتبط بمشاعر وعادات وتقاليد، تحكمها الظروف العاطفية والبيئية والاجتماعية والعائلية.