الشغف هو المحرك الأساسي لنجاح العلاقات الزوجية، ولكن أحياناً وبدون سابق إنذار يفقد أحد الشريكين أو كليهما الشغف في العلاقة بشريك الحياة خاصة مع التقدم في العمر. فبعد أن كان يسعى ويضحي ويبذل الغالي والنفيس من أجل إنجاح العلاقة الزوجية مع شريك العمر، يتوقف نتيجة الشعور بالضيق والتوتر النفسي وعدم الراحة.
الكثير من الأزواج والزوجات يمرون بلحظات وفترات من فقدان الشغف في العلاقة بشريك الحياة، إلا أن بعضهم يجتاز هذه المرحلة بأمان وبعضهم يستسلم لها لينتهي الأمر بمشاكل كبيرة أو حتى بالطلاق.
فجوة ما بعد الأربعين بين الزوجين!
في البداية، يوضح الدكتور علاء الغندور، استشاري العلاج النفسي والسلوكي والعلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، الأسباب التي قد تصيب العلاقة الزوجية وتؤدي إلى فقدان الشغف وانعدام الرغبة في الاستمرار ومواصلة المشوار مع الطرف الآخر، ويقول «الإنسان يتغير في كل مرحلة من مراحل حياته وتأخذ مسارات الحياة شكلاً مختلفاً كلما تقدم في العمر، إلا أن البعض يتقبل هذا الأمر ويتعامل معه بحكمة، والبعض الآخر لا يتنازل عن الصورة التي توقع عليها شريكه والتي رآه عليها قبل الزواج وفي أول مراحله ويطالبه بها وإلا كان الرحيل هو البديل».
ويؤكد استشاري العلاقات الزوجية أن مرحلة فقدان الشغف في الحياة الزوجية تصيب المرأة والرجل على حد سواء مع التقدم في العمر حيث تتغير نظرتهم للأمور ويجد كل منهما لنفسه عدة مسؤوليات إجبارية تفرضها عليه الحياة وتتسبب في تغيير جذري في شخصيته.
وحول أهم أسباب فقدان الشغف في الحياة الزوجية، يرى د. علاء الغندور أنها تتلخص في عدة نقاط أهمها:
- أزمة منتصف العمر التي تصيب أغلب الأزواج والزوجات قبيل أو في بداية الأربعينيات والتي تجعل الشخص يرى أنه لم يحقق طموحاته ولا أهدافه في الحياة مهما بلغ من مستوى مادي ووظيفي وسواء كان قد أنجب أو لم ينجب فالجميع معرضون للمرور بهذه المرحلة.
- حالة من الاكتئاب والفراغ العاطفي قد تصيب أحد الزوجين، أو كليهما، بسبب كم المسؤوليات الملقاة على عاتقه من جراء ضغوط العمل ومشاكل تربية الأبناء.
- وسائل التواصل الاجتماعي التي لها دور كبير في إفساد العلاقة بين الأزواج والزوجات حتى الكبار منهم فهم يجدون على هذه الوسائل الكثير من الرسائل التي تنغص حياتهم وتقودهم للتمرد على شريك العمر.
- مع تقدم الزوجين في العمر قد تبدأ المسؤوليات التي ينهمك فيها كلا الطرفين إلى التقلص ويبدآن في محاسبة نفسيهما حول العمر الذي ولى، وهل قضاه كما يحب ويرضى، أم أنه ضيع عمره هدراً.. وهنا يطفو على السطح الشعور بالملل والضيق من الحياة الزوجية مما يؤدي إلى فقدان الشغف.
- العزوف العاطفي والبرود الجنسي نتيجة انقطاع الطمث وحدوث تغيرات هرمونية وجسدية وفسيولوجية بسبب انعدام التبويض وانخفاض نسبة هرمون الاستروجين، وهو ما يصيب المرأة بفقدان الرغبة الجنسية وزيادة الانفعالات مما يجعل علاقتها بزوجها تتوتر وتتعقد الأمور بينهما.
- البخل العاطفي بين الزوجين قد يحدث دون سابق إنذار ودون قصد، لكنه في بعض الأحيان قد يأتي بسبب اعتقادات خطأ من قبل الأزواج والزوجات في أن التعبير عن المشاعر ضعف وأن الأفضل هو الصمت وعدم البوح حتى وإن كان يحمل في أعماقه كل الحب لشريك الحياة.
- الإحساس بعدم السعادة في الزواج يجعلنا مع الشعور بالتقدم في العمر أكثر تعاسة لأننا نحاسب أنفسنا على عدم اتخاذ قرار الانفصال مبكراً وفي الوقت المناسب، فربما كانت لدينا فرصة أخرى جيدة لاستكمال العمر مع شريك أفضل نحقق معه ما نتمنى لأنفسنا من السعادة.
لماذا يجب علينا القلق من فقدان الشغف مع شريك الحياة؟
وتتفق معه الدكتورة نيفين إبراهيم، استشارية الصحة النفسية وتعديل السلوك والإرشاد الأسري بالقاهرة، في أن أخطر ما يصيب العلاقة الزوجية مع التقدم في السن هو الوقوع في براثن دوامة محاسبة الذات وكذلك الشريك وتقييم أنفسنا وعلاقتنا به سلباً أو إيجاباً، لأن أي إحساس بالفشل سيجعل هذا الشخص يقع في الحزن والشعور بالتعاسة والرغبة في اعتزال الناس.
وتضيف «دائماً ما أدعو الزوجين سواء كانوا قدامى أو جدد إلى تغيير نمط الحياة لأنه المسؤول الأول عن فقدان الشغف، لذا يجب التخلص من التراكمات التي بداخل كل طرف وبسرعة دون انتظار أو تأجيل. لأن ترك أنفسنا فريسة للتراكمات التي نتعامل معها في كثير من الأحيان بالصمت يعتبر هو الخطيئة الكبرى في الزواج لأن إظهار المشاعر وإشباعها بين الطرفين أمر في غاية الأهمية وله ضرورة قصوى لتحقيق السعادة والرضا عن مشوار الحياة».
وتشدد الدكتورة نيفين إبراهيم على أن فقدان الشغف قد لا يصيب بالأساس الأزواج والزوجات الذين يحرصون على أن يكونوا أصدقاء في المقام الأول، بل إننا من النادر أن نجد بين الأزواج الأصدقاء مثل هذا النوع من المشاكل، فالصداقة تجعل الزوجان دائماً في حالة دعم لبعضهما البعض، وهذا لا يعني أن الحياة بينهما ستسير على وتيرة واحدة وبلا مشكلات ولكنهما يكونان أكثر قدرة على التحمل وأكثر استيعاباً لأي تغيير أو ضيق يظهر على الطرف الآخر.
وترى الاستشارية الأسرية أن من أكثر الأسباب التي تضيع الحب والشغف بين الزوجين هو انتظار كل طرف من الآخر أن يسعى لتحسين وإصلاح العلاقة الزوجية من ناحيته أو جعلها بالصورة المطلوبة دون جهد منه أو سعي لتغيير نفسه.
نصائح نفسية لكل زوجين لاستعادة الشغف قبل فوات الأوان
أما الدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الطب النفسي والعلاج الزواجي وتعديل السلوك بالقاهرة، فيشير إلى أن الشغف عندما يغيب بين الزوجين تبدأ المشاكل الزوجية كلها تظهر واحدة تلو الأخرى، وربما قد يؤدي ذلك إلى فشل العلاقة بين الزوجين في النهاية حتى وإن كانا قد قضيا في الزواج عمراً طويلاً. وينصح الأزواج والزوجات بالحرص على تجديد الشغف والرومانسية مع شركائهم من خلال الكلمات الرقيقة واللمسات الحانية والمحاولة مراراً وتكراراً لتوطيد الحب ونبذ الخلافات وعدم الاستسلام لضغوط الحياة التي تلهي كل طرف عن شريكه وتجعله يدور في واد ودوامة لا يخرج منها أبداً.
ويقدم الاستشاري النفسي مجموعة من النصائح والإرشادات التي تفيد الزوجين في استعادة الشغف قبل فوات الأوان، ومنها:
- لا تستكثروا الكلمات الحلوة وعبارات التقدير والاهتمام في الطرف الآخر، فلا تزال الكلمات الحانية لها التأثير الساحر في حياة الأزواج بخلاف ما تحدثه المداعبات والرقة واللين في الأحاديث اليومية.
- الحرص على تحقيق الإشباع العاطفي بين الزوجين لأن استقرار العلاقة الخاصة يؤدي في النهاية إلى تقوية الرابطة الزوجية وعلاج أي خلل في المشاعر بينهما.
- إضفاء جو من الود والحب في أرجاء المنزل خاصة في فترات الإجازات يذيب أي مشاعر سلبية ويجعل البيت هو الملاذ الآمن والموعد المنتظر دائماً مع السعادة.
- الحرص ثم الحرص على التخلي عن التكشيرة التي تصيب كلا الزوجين خلال أحاديثهما اليومية مما يضفي جواً من الكآبة على الأبناء وتدفعهم هم أيضاً للإصابة بالاكتئاب.
- عدم الاستسلام لأي مشاعر تدفعنا للندم على الزواج والتوقف عن التركيز على سلبيات الشريك حتى لا نفسد حياتنا وحياة أولادنا، فالطفل الذي ينشأ في بيت ليست به مودة يبقى في حالة من القلق الدائم.
- الحوار الزوجي أفضل أسلوب لتعزيز العلاقة الزوجية وتقويتها وإصلاح ما أفسدته الأيام من فقدان الشغف والشعور بالملل والضيق وخلافه.. لذا يجب تخصيص وقت مناسب لطرح كل المواضيع ومناقشتها بهدوء وبأسلوب ودي بعيداً عن أي توتر.
- إذا ما شعرت أن شريكك بدأ يفقد شغفه للحياة الزوجية لا تواجه ذلك بكثرة النقد وتوجيه اللوم لتحميله المسؤولية لأن ذلك لن يدفعه للتراجع بل سيزيد من الأمر سوءاً.
- كل جديد ممتع، فالزوجين كلاهما مطالب بمحاولة إسعاد الطرف الآخر وفقاً لما يحبه حتى وإن كان ذلك يتعارض مع رغباتنا، ففقدان الشغف معناه أن العلاقة تحولت لشيء روتيني بحت وكل تجديد في ذلك يجعل الزوجين يستعيدان الحب والنشاط الزوجي مرة أخرى.
- ترتيب لغة الحوار بين الزوجين يعيد للحياة شغفها، لذا يجب توحيد الأهداف بينهما والاستماع الجيد والإصغاء لمتطلبات الطرف الآخر وتجديد النية للتغيير للأفضل واستعادة الحب المفقود والرومانسية الغائبة.
- احتواء الزوج لزوجته ضرورة، فالزوجة لا تشعر بالشغف في الحياة مع زوج لا يمنحها الأمان ولا تشعر أنه داعم لها وسند لها في وقت الأزمات.
اقرأ أيضاً:
- ما أسباب الفراغ العاطفي لدى الرجل المتزوج؟
- أسباب الإهمال العاطفي والبرود الجنسي بين الزوجين