28 مارس 2024

أعراس المشاهير والأثرياء.. بذخ وبهرجة يثيران الجدل

محررة في مجلة كل الأسرة

أعراس المشاهير والأثرياء.. بذخ وبهرجة يثيران الجدل

تطلّ علينا مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بين الحين والآخر، لتعلن عن أعراس المشاهير والأغنياء، وما تحمله من بهرجة وبذخ، فنجد من يبالغ في إحياء تلك الحفلات بهدف الإبهار، وإظهار الثراء الفاحش، منها على سبيل المثال مراسم احتفال ضخمة في الهند لحفل ما قبل زفاف الابن الأصغر لأغنى رجل في آسيا، والذي بدأ قبل الموعد الرسمي بـ3 أشهر، كل ذلك قد يفرز حالة من الحيرة لمن يطّلع على تلك الأخبار، والتي قد يراها البعض مستفزة، وغير منطقية، لخروجها عن المألوف. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما مدى تأثير مثل تلك الأحداث المثيرة للجدل في الشباب، وأفراد المجتمع؟

عقدة حب الظهور والتباهي

تقول الدكتورة زينب عبدالعال إبراهيم، أستاذة علم النفس بجامعة أبوظبي ومدربة ومستشارة معتمدة في مجال الإرشاد النفسي والأسري «تمثل ظاهرة المبالغة في أعراس الأغنياء والمشاهير موضوعاً مهماً يستحق التحليل، ودراسة مدى تأثيره النفسي، في الفرد والمجتمع، فمن المفترض أن تلك المناسبات فرصة لتلاقي العائلات، وتوسيع دائرة المعارف والأصدقاء، وإعادة تجديد العلاقات الإنسانية، التي قد تكون تأثرت بسبب الظروف الحياتية الصعبة، إلا أن المبالغة والإسراف في هذه الاحتفالات أصبحا سمة مصاحبة لها، من دون الالتفات لما تمرّ به معظم المجتمعات، الآن، من ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية، صعبة، والسبب وراء هذا الإسراف في الاحتفالات والأعراس متعلق بعقدة «حب الظهور والتباهي»، ودواعي الاستعراض الاجتماعي، وشغف التقليد، والمباهاة، والظهور، والمحاكاة».

حفلات ظاهرها الوجاهة وباطنها معضلات يعانيها أفراد المجتمع

وتكمل د. زينب عبد العال «مشكلتنا تتبلور في البحث على أن نكون دائماً الأفضل، ولو على حساب أمور كثيرة، فمن ينوي الزواج يبدأ بالتفكير في أن يكون حفله أفضل من فلان، وتفكّر المرأة في أن يكون لبسها، هي وبناتها، وزينتها، أفضل مما ظهرت به فلانة، وأن يكون القصر أفضل من الذي تزوجت فيه صديقتها، فضلاً عن العشاء الفاخر بكميات كبيرة، لا يأكل الناس فيه إلا كميّات قليلة، هذه الحفلات التي ظاهرها الوجاهة، وباطنها تعسير يجر خلفه معضلات يعانيها المجتمع، يمكن ألا تؤثر في الأغنياء بشكل لافت، ولكن التأثير الأكبر يكون في الفقراء، أو محدودي الدخل، لكونها تفرز شعوراً بحالة من الإحباط واليأس، والإحساس بالدونية لديهم، وربما تقود بعد الزواج لكثير من الخلافات الأسرية، وما نحتاج إليه فعلاً، هو تغيير نظرة البعض لهذه المناسبات، فبدلاً من التباهي والتفاخر يمكن أن نسعى إلى مساعدة المحتاجين، والفقراء، ونشر الحب والتفاؤل بين تلك الفئات المحتاجة».

أعراس المشاهير والأثرياء.. بذخ وبهرجة يثيران الجدل

تقليد أعمى للمشاهير

من جهتها، تعلق الدكتورة أسماء حمدان، محاضرة بقسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة «تؤثر المناسبات التي تنشر في وسائل الإعلام الحديثة، بشكل كبير، في نفوس البعض، ويسعون إلى محاولة تقليدها لإبهار الحضور، من دون التفكير في عواقب هذا السلوك الذي قد يكلف الزوجين دفع الثمن باهظاً أيضاً، فالديون المتلاحقة يمكن أن تعصف باستقرار تلك الأسرة حديثة العهد، وقد تنتج عنها صراعات ومشاكل يحسم أمرها الطلاق، وما يؤسفني عدم اقتصار تقليد المشاهير على من هم في مثل مستواهم، بل انسحب الأمر أيضاً على محدودي الدخل، الذين يقلّدون من دون وعي وترتيب للأولويات، وتداعيات قرار اليوم على مصير الغد».

وتتابع د. أسماء حمدان «إذا كانت المغالاة في المهور من أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج، فإن المغالاة في حفل الزفاف أهم أسباب المشاكل والخلافات الزوجية، إذ أكدت دراسة بريطانية أن سِر ديمومة الزواج قد يكمن في بدء الحياة الزوجية بحفل زفاف غير مبالغ فيه، وتوصلت الدراسة إلى أن الأزواج الذين ينفقون عشرات الآلاف من الدولارات في ارتباطهم، هم الأكثر عرضة للانفصال والطلاق.

وأوضحت استشارية العلاقات الأسرية سارة دافيسون، أن انهيار الكثير من الزيجات يكون بسبب التركيز على إقامة حفل زفاف كبير بكلفة عالية، يتحدث عنه الجميع، فضلاً عن تأثيرها في من يقف متفرجاً لا يقدر على مواكبة ذلك، فبكل تأكيد يزداد لديه الشعور بالنقص، وفقدان الأمل، وربما تتملكه الرغبة في العزلة لعدم استطاعته تحقيق الوجاهة الاجتماعية التي طالما حلم بها، ويريدها أمام الناس، ما قد يقوده إلى مشاكل نفسية تظهر بعض السلوكات غير السوية جرّاء هذا الإحباط».

البهرجة مقرّها النسيان وما يجب الحرص عليه هو ديمومة الحياة

وعن كيفية مواجهة هذه السلوكات، وتقليل أثرها في الناس، تجيب د. أسماء حمدان «مواجهة هذه الأفعال تتطلب أن يكون الفرد واعياً لخطورة الأمر الذي قد يكلفه دفع الثمن فيما بعد، فإدراك أفراد المجتمع للآثار المترتبة جرّاء المبالغة في تكاليف الزواج، والوعي بعدم الانسياق خلف كل ما يعرض أو ينقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، يقود إلى التفكير السوي المغلّف بالحكمة، وترشيد النفقات لأي من بنود الزواج، فالبهرجة مقرها النسيان، وما يبقى ويجب الحرص عليه هو ديمومة الحياة، التي إذا بنيت على قواعد سليمة يكتب لها النجاح والتوفيق».

أعراس المشاهير والأثرياء.. بذخ وبهرجة يثيران الجدل

نهي عن التبذير وكراهة التغالي

وعن تيسير الزواج في الإسلام، يحدثنا حبيب الله ولد الجيلاني بديه، مفتي في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، قائلاً «خلق الله تعالى البشر في هذه الحياة الدنيا وجعلها امتحاناً لهم، فقال تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور»، فجعلهم متفاوتين في أنواع الرزق، وقال سبحانه: «والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق»، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعِي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»، وهذه القسمة من الله تعالى في غاية الحكمة والعدل، والواجب على المسلم الرضا بما قسم الله له، وألا يكون سبباً في حسده لغيره، أو النظر والتعلق بما ليس عنده، وهذا في أمور الحياة عامة، أما في أمور بناء الأسرة المسلمة التي تُعد لبنة المجتمع، فقد حث الشارع الحكيم إلى تسهيل الزواج وتخفيف المهور، فقد زوّج النبي صلّى الله عليه وسلّم أحد الصحابة بما معه من القرآن الكريم، وقال: «أملكناكها بما معك من القرآن»، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الزواج سبباً للغنى والبركة فقال: «وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنِهم الله من فضله والله واسع عليم»، وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «التمسوا الغنى في النكاح».

هناك أدلة دامغة على كراهة التغالي في أمور الزواج

ويلفت حبيب الله بديه «ما نشاهده بين الفترة والأخرى، بخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، من تفاخر وبذخ في أمور الزواج، فلا يمتّ إلى القيم الإسلامية بشيء، فقد نهى الله تعالى عن التبذير، فقال تعالى: «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً».

وقد روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة» وروت أيضاً: «إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها»، إلى غير ذلك من الأدلة الدامغة على كراهة التغالي في أمور الزواج، وجعله سبباً في بناء أسرة صالحة مملوءة بالمودة والرحمة، مبنية على أسس من المحبة والتعاون وليس على المظهر والبهرجة، ولا ينبغي للمسلم أن يحول بينه وبين الزواج قلّة المهر، فقد يكون الزواج سبباً في فتح باب الرزق له».