04 يوليو 2024

الحياة الزوجية في عصر الـ"سوشيال ميديا".. تعزيز للتواصل أم أزمة ثقة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

الحياة الزوجية في عصر الـ

بين دفّتي الإيجابي والسلبي، تتأرجح الحياة الزوجية على وقع الـ«سوشيال ميديا»، فهذه الوسائل حملت الكثير من الإيجابيات في تعزيز العلاقة الزوجية، حيث تقول إحداهنّ عن تعارفها مع زوجها عبر تطبيق «فيسبوك» الذي كلّل بالزواج «مرّ على زواجي نحو 14 عاماً من الاستقرار».

في المقابل، تتعدد حالات الخيانة الرقمية، وحالات الطلاق، حيث يعزو المستشارون الأسريّون بعض الأسباب إلى «ضعف التواصل»، و«وسائل التواصل الاجتماعي»، وتروي إحدى الزوجات أنها سامحت زوجها على خيانته أكثر من مرة، من أجل أطفالها، إلا أنها وضعت حداً لحياتهما الزوجية، وقدمت دعوى طلاق بعد 15 عاماً من الزواج، إثر اكتشافها ارتباط الزوج بعلاقات متعددة عبر تطبيقات مختلفة للتواصل الاجتماعي.

الحياة الزوجية في عصر الـ

فهل وسائل التواصل الاجتماعي هي بوابة للتعرف إلى شريك أو للتعارف غير المحمود؟

في هذا السياق، تؤكد ناعمة الشامسي، مستشارة نفسية وأسرية، أن «وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، يجمع بين جانبيه الإيجابي، والسلبي. فقد أتاحت الـ«سوشيال ميديا» مساحة كبيرة من التعارف، والتعرف إلى الثقافات وأمور تعزّز جودة الحياة الزوجية لجهة اكتساب المهارات والوصول إلى حلول، عبر ورش العمل، والمحاضرات عن بعد، حيث أصبح التواصل مع خبراء أسريين داخل وخارج الدولة متاحاً، وحتى الرسائل باتت في متناول اليد بحيث يمكن للزوجة الاستعانة بأي فيديو، قصيدة، رسالة حب ترسلها لزوجها من دون عناء، لترطب تلك الرسائل الحياة الزوجية الجافة، وتتيح للزوج وللزوجة التعبير عن مكنوناتهما العاطفية بطريقة مبتكرة».

ومن ناحية أخرى، قد تكون العلاقة الزوجية مهدّدة في ظل أنماط التعارف غير المحمود، حيث يدخل أحد الطرفين في علاقات غير مقبولة، سواء عن غير قصد بإضافة الزوج، أو الزوجة، لأحدهم عبر إنستغرام، وغيرها من التطبيقات، ما يؤدي أحياناً إلى الطلاق، وإلى مشكلات ما بعد الطلاق.

بعض استشارات«الأونلاين» كانت سببا في الطلاق لعدم استنادها إلى معرفة علمية أو خبرة عملية

تتوقف الشامسي عند مستشارين أسريين في الـ«سوشيال ميديا» يعمدون إلى فتح غرف إلكترونية والتواصل مع حالات أسرية وزوجية، ومساعدة الأفراد على تحسين حياتهم الزوجية، منتقدة خروج بعض مدرّبي الحياة، وبعض الطارئين على المجال، ولا يمتّون إلى التخصص بصِلة، لتقديم استشارات وتوعية للأفراد بطريقة خاطئة كانت سبباً لطلاقات.

وخلال عملها كمستشارة نفسية وأسرية، صادفتها الكثير من الحالات، وتبيّن «هناك حالة لأم تغيرّت حياتها بعد حضورها برامج وورش عمل تعزيز ثقافتها الزوجية، وتدعيم أمومتها، ما ساعدها على توجيه حياتها ومواكبة كل ما هو جديد لتتكيف، وتتغير، وترتقي بعلاقتها مع نفسها ومع محيطها، من زوج وأبناء».

في المقابل، ثمة حالات سلبية لجهة التقليد الأعمى في الـ«سوشيال ميديا» من دون موازنة ما يتم تقديمه مع العادات والتقاليد والقيم المجتمعية «ثمة رسائل مسمومة تدعو المرأة لأن تحب ذاتها، ما دفعها إلى التخلي عن دورها كأم وزوجة، للتفرغ لنفسها، وهذا ولدّ مشكلات زوجية عدة».

الحياة الزوجية في عصر الـ

كيف نعزّز حياتنا الأسرية عبر الـ«سوشيال ميديا»؟

توجّه الشامسي بعض النصائح لاستخدام الأزواج الـ«سوشيال ميديا» في تعزيز حياتهم الأسرية:

  • استخدام الـ«سوشيال ميديا» بتوازن مدروس، وبما يتناسب مع احتياجاتهم لإتاحة الفرصة للتحاور بينهما، وتعزيز التواصل مع الأبناء.
  • ترك الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي فور دخول المنزل، وعدم استخدامها إلا في وقت الفراغ.
  • التركيز على أن تتسم أوقات تواجدي في المنزل بالجودة وفتح باب النقاش بين أفراد الأسرة.
  • درس نطاق استخدامنا للـ«سوشيال ميديا» بحيث يكون مقنناً يتماهى مع قيمنا، ويشكّل إضافة لي في حياتي الزوجية.
  • الابتعاد عن المتابعة غير الهادفة لأنها تضييع للوقت، وقد يقودنا إلى الإدمان على الـ«سوشيال ميديا» مع عواقب التأثير في الإنتاجية في العمل، وفي جودة الحياة العائلية.

الحياة الزوجية في عصر الـ

هل وسائل التواصل قرّبت البعيد وأبعدت القريب؟

في علاقة المؤثر والمتأثر، يبدو أن العلاقة الزوجية تقع تحت تأثير الكثير من المفاهيم والأفكار الخاطئة في ظل انتشار الـ«سوشيال ميديا»، وبعض مؤثري هذه الوسائل الذين «يفتقدون الفكر والمفاهيم والقيم، ولا يمانعون في التنازل عن القيم المجتمعية، والقيام بسلوكات استعراضية ودعائية، ويشاطرون الناس حياتهم الخاصة، والشخصية، معتمدين على معطيات نفسية».

هذا الواقع كما يجسّده الدكتور أحمد النجار، أكاديمي ومستشار نفسي ومؤسس مركز «آراء للاستشارات والتدريب»، ينقل أثر الـ«سوشيال ميديا» في العلاقة الزوجية، والعلاقات الاجتماعية بشكل عام، بحيث «تؤسس لمبدأ التباعد في العلاقات القريبة، فتقرّب البعيد، وتبعد القريب، ولذلك، تشكل عاملاً جوهرياً في مسألة القحط العاطفي والشعور بعدم الإشباع العاطفي».

ورغم اعترافه بالجانب المضيء من وسائل التواصل، إلا أن رؤيته للآثار المترتبة على استخدام الـ«سوشيال ميديا» يتركز على معايشة الكثير من المشكلات التي تتمحور حول الخيانات الرقمية، وتعدد العلاقات واللجوء إلى تلك الوسائل لإشباع العاطفة. فالـ«سوشيال ميديا»، عودّت الفرد على أن يحب البعيد لأنه يمثل الخيال الإيجابي، ولعدم وجود مواقف مباشرة سلبية معه، كما عودته على عدم تثمين العلاقة القريبة».

الـ«سوشيال ميديا» زادت من نسبة الخيانات الرقمية وتعدّد العلاقات وأرست لمفاهيم بعيدة عن التضحية والإيثار

وفي هذا السياق، تتبدى آثار الـ«سوشيال ميديا» السلبية واضحة في العلاقة الحميمية بحيث «لا نرى إلا القليل من الفوائد المباشرة على العلاقة الزوجية، لأن أكثر من يظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أفراد غير علميين، تافهين، وعباراتهم تتركز على حب الذات، وإثبات الذات، وانتقام للذات، وليس الدعوة إلى لمّ شمل الأسرة، والاستقرار الزوجي، متجاهلين مفاهيم كبيرة أهمها التضحية، الحب، التواضع، والتنازل للشريك، وخدمة الأزواج والأبناء، وإدراج هذه المفاهيم ضمن الإخلال بحماية الذات».

الحياة الزوجية في عصر الـ

ومن هذا المنطلق، يصف الـ«سوشيال ميديا» بـ«العنصر الضار بالعلاقة الزوجية، بحيث إن الطرف المهتم بوسائل التواصل الاجتماعي يتعامل مع الحياة الافتراضية ويسهو عن العلاقة الواقعية مع الزوجة أو الزوج ومع الزمن، يتعمق في البعد واللوم والعتاب والشعور بالعزلة، ليصل إلى ما يسمى القحط، أو التصحّر العاطفي».

ويشرح د.النجار«في الحقيقة، ما نرصده من قحط عاطفي في الحياة الاجتماعية الراهنة، والهشاشة، وعدم الشعور بالآخر، كلها بسبب تعوّد ذهننا وعواطفنا أن تتحرك بالخيال المستوحى من الـ«سوشيال ميديا»، والعالم الافتراضي، ونسيان عالمنا الواقعي»، لافتاً إلى أنواع من الطلاقات تحدث بسبب السوشيال ميديا «يحصي بعضها، ومنها «الطلاق العاطفي، الطلاق الانفعالي، الطلاق الذهني، الطلاق الاجتماعي، ويؤدي إلى الخيانة بأنماطها المتعددة».

الحياة الزوجية في عصر الـ

هل باتت وسائل التواصل الاجتماعي منصات للتقارب بين الزوجين أو للانفصال؟

فمن الواضح أن تلك الوسائل أطّرت العلاقة الزوجية في سجن من عدم التفاعل، رغم أنها أتاحت، في الوقت نفسه، التعارف، والإطلالة على مفهوم الحياة الزوجية من خبراء أسريين، واستشاريي علاقات زوجية يترجمون، في رسائلهم، مفهوم المودّة والرحمة، والحياة الزوجية المستقرة.

في هذا الصدد، تعترف بشاير المنصوري، كاتبة إماراتية ومدربة أسلوب الحياة، بأن «وسائل التواصل الاجتماعي غيرّت الطرق التي نلتقي ونتفاعل بها مع الآخرين، فهي منصات لمعرفة المزيد عن الأشخاص الذين نرتبط بهم، ولكنها أسهمت بالمقابل، في تفاقم مشكلات في الزواج».

تقول «العديد من الدراسات تؤكد أن الاستخدام المتزايد في تصفح منصات التواصل الاجتماعي له تأثير سلبي في الزواج ويولّد مشكلات مثل الغيرة، والصراعات، والخيانات وصولاً للطلاق».

كما تلفت إلى نقاط الضعف والقوة التي تؤثر في العلاقة الزوجية مع استخدام الـ«سوشيال ميديا»:

  • وسائل التواصل الاجتماعي تمتص الوقت والطاقة: وفق الدراسات، فإنّ الأزواج الذين لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، أو الأقل تفاعلاً فيها، يكونون أكثر سعادة بنسبة كبيرة، في حين أنّ كثرة قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي تفتح أبواباً عدة للمشاكل، والشكوك والشعور بعدم الثقة، والغيرة، والحوارات غير اللائقة، أو تبادل الصور، وإنشاء حسابات، وهمية لإقامة علاقات غير شرعية.
  • فتح باب المقارنات: يقع الزوجان في فخ الصور الزائفة التي يتم نشرها، ويصل بهما للشعور بالإحباط واليأس، ويبدآن بدراسة قرارات حياتهما بما في ذلك الزواج والشريك.
  • الإفراط في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي قد يقضي على الحب، والحميمية في الزواج، في محاولة صنع واقع مزيف لحياتهما كي يراه العالم، في وقت هنالك واقع تعيس يعيشه الزوجان.

كيف تستفيد من الـ«سوشيال ميديا» لتعزيز العلاقة الزوجية؟

على صعيد آخر، لوسائل التواصل الاجتماعي ثمار إيجابية عدة في الزواج، في حال تم توجيهها بالشكل الصحيح..

توجه المنصوري بعض النصائح للحد من تأثيرها السلبي:

  • لا تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي بعد خلاف زوجي، ففي تلك اللحظة المربكة، يمكنك نشر تعليقات سيئة، وغير سارة سوف تندم عليها لاحقاً.
  • لو كنتما تمتلكان حسابات بنفس المنصة، فليكن كلاكما أفضل متابع للطرف الآخر، لا تنسيا كلمات الثناء، والتحفيز والحب لبعضكما بعضاً.
  • قلل وقت التصفح على الإنترنت، وتذكّر أن أفضل الأوقات تكون برفقة عائلتك.
  • الحفاظ على الخصوصية، لا يجب إفساح المجال للآخرين للدخول لحياتك، ومشاركة خصوصياتك، ويفضل إبقاء علاقتكما بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي.
  • لا تخفي الأسرار عن شريك حياتك، فمن الجيد أن تفكر مرتين قبل أن ترسل رسالة خاصة لأحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فذلك قد يرسل إشارات مختلطة، وغير لائقة للشخص الذي يستقبلها.
  • لا تنشر خلافاتك على وسائل التواصل الاجتماعي، وإلا ستتسبب بحدوث آثار سلبية، وخدوش في العلاقة لا يمكن إصلاحها.