11 يوليو 2024

الصدمات الموجعة.. متى تصبح التضحيات في العلاقات الزوجية عبئاً ثقيلاً؟

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

الصدمات الموجعة.. متى تصبح التضحيات في العلاقات الزوجية عبئاً ثقيلاً؟

في كثير من الأحيان تتملّكنا الأحاسيس والمشاعر الفيّاضة تجاه من نحبّهم، وطلباً لمودّتهم نقدّم لهم من التضحيّات ما يصل إلى حدّ المبالغة، إلا أن هناك من يستغلّ هذا ويعتبره فرضاً وحقّاً مكتسباً؛ ما يدفعه لردود فعل ليست في محلّها.

وفي واقعة كان الغدر فيها ثمناً للوفاء، تبرّعت امرأة جزائريّة بكليتها لشريك حياتها وبعد نجاته من الموت تزوّج عليها، وأخرى ضحّت بفصّ من كبدها ولاقت نفس المصير، ليست تلك هي الحالات الوحيدة، ولكن هناك الكثير ممّا يسترعي مناقشة تلك السلوكيّات وتحليل نتائجها.

الدكتورة منيرة عبدالله، لايف كوتش ومستشارة تربويّة وأسريّة وأخصائي إرشاد نفسي، تقول «تُعدّ تلك السلوكيّات وقائع مؤلمة، هي أن يلقى أحدنا هذا المصير بعد سنوات من العطاء والوفاء.

فالتضحيّات الكبيرة التي يقوم بها أحد الزوجين في العلاقة من أجل أن تستمرّ، تعتبر من أعلى مستويات الحبّ والإخلاص والتقدير والاحترام، ولكن للأسف يمكن أن يُستغل هذا الإخلاص من قبل الطرف الأخر، ما يؤدي إلى خيبة أمل كبيرة وإحساس عميق بالغدر والصدمة الممزوجة بالألم».

الصدمات الموجعة.. متى تصبح التضحيات في العلاقات الزوجية عبئاً ثقيلاً؟

ثمّة أسباب شخصيّة تدفع البعض للتضحية دون شرط، توضحها د. منيرة عبدالله «قد يفسّر سلوك الشخص الذي يضحّي على مدار سنوات عمره أو بعضو من جسمه لإعطاء مَن يحبّه فرصة لأن يحيا من جديد، بالحبّ والإخلاص الشديد.

فمثل تلك الزوجة التي منحت زوجها إحدى كليتيها قد تكون مدفوعة بحبّ عميق وإخلاص غير مشروط لشريك حياتها، ما جعلها تقدّم تضحيّات كبيرة مثل ما ذكرنا، وقد تكون رغبتها في الحصول على التقدير والشعور بالقيمة من الشريك أو حتى من الأهل والمجتمع سبباً لتضحيّتها، ولا ننسى تأثير التنشئة والخلفيّة الثقافيّة لدى الطرف الأول -أي المضحّي.

فهناك بعض الثقافات والمجتمعات التي تشجّع على التضحيّة كجزء من القيم الأخلاقيّة، هذا ما يجعل البعض مستعداً لتقديمها بأريحيّة، وفي بعض الحالات، يمكن أن تكون تلك التضحيّات ناتجة عن انخفاض احترام الذات.

إذ يشعر الشخص بأنه بحاجة لأن يضحي بشكل كبير ليكون موضع اهتمام ويلقى الحبّ في المقابل من المحيطين به، كما أن هناك أسباباً شخصيّة كثيرة قد تدفع الشخص للتضحية».

الشخص الذي يقابل التضحية بالغدر سلوكه قائم على الأنانية والنرجسيّة

أما تفسير سلوك المستقبل أي الشخص المستفيد من التضحية والمتمثّل بالزوج «الشخص الذي يقابل التضحية بالغدر فسلوكه قائم على الأنانية والنرجسيّة واستغلال الآخرين لصالحة دون الشعور بالذنب أو الالتزام بالردّ بالمثل.

وقد تدفعه تنشئته تلك، نتيجة تربيّته في بيئة تشجع على الاستفادة من الآخرين واستغلالهم قدر الإمكان، وقد يكون لدى البعض نقص في الوعي أو التقدير لحجم التضحية التي يقدّمها الشريك.

ما يجعلهم يعتبرون تلك التضحيّات أمراً مسلماً به، والشخص الذي يستفيد من تضحيّات شريكه قد يعاني من ضعف الالتزام العاطفي، ولا يشعر بعمق العلاقة ولا يقدّر التضحيّات بالشكل المناسب».

هل من المفترض أن تكون التضحية لا عقلانيّة بين الزوجين؟

سؤال يفرض نفسه، ونبحث له عن إجابة عند الدكتورة منيرة عبدالله «التضحية في العلاقات الزوجيّة جزء مهمّ مثل الحبّ والتفاهم، ومعناها في العلاقات تقديم شيء ذي قيمة عالية، أو تحمل مشقّة من أجل مصلحة شخص آخر أو لتحقيق هدف ما.

وفي العلاقات الزوجيّة تعني تقديم بعض التنازلات الشخصيّة وتحمل الصعوبات من أجل تحقيق الراحة وسعادة الشريك، و قد تتجلّى بأشكال مختلفة مثل تنازل عن بعض الرغبات الشخصيّة كأن يغيّر الطرف الأول أهدافه وخططه الشخصيّة لتحقيق رغبات شريك الحياة، أو بذل عطاء كبير للطرف الآخر وتحمّل الصعوبات لتحقيق مصلحة الشريك.

وهنا أوضّح أن التضحية ليست بالضرورة أن تكون لا عقلانيّة، بل يجب أن تكون مدروسة ومتوازنة ومتبادلة، فعندما يضحّي أحد الزوجين بشكل دائم دون مقابل قد يشعر بالاستغلال والمرارة، والتضحية يجب أن تكون متناسبة مع الوضع والحالة، لأن التضحيّات المفرطة وغير المتكافئة قد تؤدّي إلى ضرر نفسي أو مادي للشخص الذي يضحّي».

الصدمات الموجعة.. متى تصبح التضحيات في العلاقات الزوجية عبئاً ثقيلاً؟

بلا شكّ توجد دلالات في العلاقة الزوجيّة تستلزم أن تكون التضحيّة متبادلة بين الطرفين «هناك دلالات يجب مراعاتها لتحديد مدى التضحيات التي يجب تقديمها في العلاقة الزوجيّة، وهي أن تشمل الاتزان والتفاهم والاحترام المتبادل والمساواة في العطاء، أما إذا كانت التضحيّات تأتي من طرف واحد باستمرار.

فهذا يشير إلى عدم التوازن في العلاقة، والغموض في التوقّعات يمكن أن يؤدّي إلى سوء التقدير وخيبات الأمل، فالتضحيّات المطلقة يجب أن تكون استثنائيّة وليست قاعدة لأن كثرتها قد تؤدّي إلى عدم التوازن والشعور بالاستغلال.

ولذلك من الأفضل وضع حدود واضحة والحرص على تبادلها بشكل يعزّز العلاقة ويضمن صحّتها وسلامتها لكلا الزوجين».

توجد إشارات يجب أن ينتبه إليها الشريك، وتشير أن ما يقدّمه من تضحيات تذهب أدراج الرياح، وهي إشارات واضحة لوجود شيء خطأ.

هنا يجب أن ينتبه هذا الشريك ولا يستمرّ في بذل المزيد من التضحيّات.. توضحها د.منيرة عبدالله:

  • الشعور بعدم التقدير والامتنان للجهود المبذولة.
  • تجاهل المشاعر الوديّة.
  • التعالي الدائم.
  • الاستغلال العاطفي أو المادي.
  • برود عاطفي متكرّر وعدم الاكتراث بالمشاعر.
  • اختفاء الحوار الصادق بين الطرفين حول الاهتمامات المشتركة.
  • السلوكيّات السلبيّة المتكرّرة مثل النقد المستمر والإهانات أو العنف اللفظي أو الجسدي.

كلّها أمور تظهر حقيقة الطرف المستغل لتلك العلاقة، وفي حال تكررت هذه العلامات دون وجود أي تغيير ملموس أو نيّة للتحسين، فقد يكون ذلك مؤشّر واضح بأن هذه العلاقة بحاجة إلى مراجعة جادة».

الصدمات الموجعة.. متى تصبح التضحيات في العلاقات الزوجية عبئاً ثقيلاً؟

أهمية الحدود في نجاح العلاقة الزوجيّة؟

توضح د.منيرة عبدالله «الحدود تساعد في الحفاظ على الهويّة الشخصيّة لكلا الزوجين، ما يمنع الشعور بالاختناق أو الضياع داخل العلاقة، فوضع حدود صحيّة، يسهم في تعزيز الصحّة العاطفيّة والنفسيّة للطرفين.

كما أنها تساعد في تجنب الاحتقان العاطفي والمشاعر السلبيّة، فالحدود ليست ثابتة بل تتغيّر مع مرور الوقت، وفقاً لظروف الحياة المختلفة والمتجدّدة، وأجزم أن وجود الحدود في العلاقة الزوجيّة ليست لتعقيد الأمور، بل لضمان أن تكون العلاقة صحيّة ومستدامة وتحترم احتياجات ومشاعر كلا الطرفين».

نصائح لحياة زوجيّة خالية من الصدمات

تقدّم الدكتورة منيرة عبدالله للنساء بعض النصائح كي يعشن حياة خالية من الصدمات الموجعة:

  • تعلّمي قول (لا) عندما يتعارض الأمر مع قيمك أو يسبّب لك ضغطاً نفسيّاً.
  • يجب أن تكون العلاقات مبنيّة على التوازن والاحترام المتبادل وبما يضمن أن تكون التضحيّات متبادلة ومعقولة.
  • الحوار المفتوح والشفافية بينك وبين شريك حياتك يمكن أن يساعدا في تجنّب العلاقات غير الصحيّة، بما يضمن أن تشعران بالتقدير والاحترام.
  • لا تنسي أيّتها الزوجة هويتّك الشخصيّة وأهدافك واستمرّي في تطوير نفسك واستقلاليّتك، وكوني واضحة بشأن ما هو مقبول بالنسبة لك وما هو غير مقبول.
  • تواصلي بصدق وصراحة مع شريكك حول مشاعرك وتوقّعاتك منه.
  • حافظي على علاقاتك مع الصديقات وأفراد العائلة المقربين كونهم مصدر الدعم لك في بعض الأوقات.
  • كوني على دراية بالإشارات التحذيريّة في العلاقة وإذا شعرت بعدم الاحترام أو الاستغلال فلا تتجاهلي هذه المشاعر وتصرفي وفقاً لها.
  • إذا واجهت صعوبات في العلاقة لا تتردّدي في البحث عن مساعدة من مستشار أو معالج أو مرشد في العلاقة الزوجيّة.
  • تذكّري أن الحفاظ على توازنك وسعادتك هو المفتاح الحقيقي لحياة خالية من الصدمات الموجعة.

 

مقالات ذات صلة