لا شك في أنّ العاطفة تشكل حاجة ضرورية عند كل إنسان يتغذى بها مدى العمر، تسكن بها نفسه ويطمئن بها قلبه وتطيب لها روحه، ومن ينكر أهمية وجود العاطفة في حياته فهو يحاول إما أن يحجب مشاعر متدفقة في القلب، أو أن يكابر على نفسه كي لا يعطيها ما تطلبه منه وما تحتاج إليه، أو أنه يعاني مشكلة نفسية صاحبته منذ الصغر، أو من صدمة نفسية ألقت بظلالها عليه في الكبر.
زواج طويل العمر وصحة موفورة
قدّم لها باقة من الورد الأحمر، وهو يجر قدميه جراً باتجاهها في ذكرى زواجهما الستين، فغمرته بحب وشكر، وقد اعتلت ثغرها ابتسامة كشفت عن فجوات بين الأسنان أحدثتها السنون التي بالمقابل ملأت القلب بالود ولون الورد الجوري الأحمر.
الحب يدوم ويصبح أقوى إن نحن سقيناه بماء العاطفة والمودة، لكنه أحياناً يكون سلاحاً نوجهه إلى قلوبنا ونحن لا ندري أنه سيقتلنا في يوم من الأيام، أو قد يصيبنا على الأقل بجروح غائرة لا تلتئم ولو مرَّ عليها الدهر.
بعد صدمة عاطفية فضلت العزوبية
تقول شيماء (45 عاماً): «عندما كنت في مقتبل العمر، لم أكن أفكر في الزواج ولا في بناء أسرة، وكنت أخطط لأنال علماً يؤمن لي عملاً يعينني على مصاعب الحياة، وفي المؤسسة التي عملت فيها بعد تخرجي، غلبت عليَّ عاطفتي وأحببت زميلاً لي في العمل..
اتفقنا على الخطبة، وتقدم لأهلي وهو لا يملك إلا راتبه الضئيل، ورفضه أبي، فصرنا نلتقي بعيداً وخفية، إلى أن جاء يوم انقطعت أخباره ولم يعد له وجود، وعلمت بعد حين أنه حصل على وظيفة براتب جيد وأنه خطب قريبته، ولن أتحدث عن معاناتي وتراجع صحتي، والحزن الذي كاد أن يقضي عليَّ لولا أن عقدت العزم على نسيانه والوقوف على قدمي مجدداً، وإلغاء فكرة الزواج من رأسي تماماً..
فأنا باختصار لم أعد أثق بأيِّ رجل، وها أنا اليوم أعمل وأكسب لقمة عيشي ولديَّ وظيفة مرموقة ولا أحتاج إلى أحد إلا إلى قلب يضمني بحنانه، وهذا ما لن أجده أبداً".
من بين آلاف القصص التي نسمعها، نلاحظ أن الزواج القائم على المصلحة أو ذلك الناتج عن سوء الاختيار أو التهور في العاطفة، لا يعطي إلا نتائج تهز المشاعر وتدمر الأحلام، فإن أحسنت الفتاة الاختيار سكنت إلى زوج وسكن إليها وأسسا عائلة سعيدة.
زواج بعد الأربعين
جميلة، بلغت 43 عاماً، وهي حقاً جميلة، اسم على مسمى، فعلى الرغم من تجاوزها الأربعين ما زالت ملامح الجمال تعكس في عينها نظرة أمل وشعاع نور، تقول: «مذ كنت طفلة وأنا أحلم بثوب الزفاف، وبأن أتأبط ذراع شاب يحملني إلى عالم يشبه الخيال، لكن السنوات تخبئ لنا أحياناً مفاجآت تؤخر أحلامنا إلى أجل غير مسمى..
فقد وجدت نفسي فجأة بعد زواج أخويَّ مسؤولة عن أمي وأبي وقد تقدما في السن، مضت سنوات طويلة، وتوفي والداي، وكنت موظفة ولله الحمد، ولم أشعر بنفسي إلا وقد تجاوزت الخامسة والثلاثين، فرحت أبحث عن عريس في كل مكان، في بيوت صديقاتي وفي مواقع التواصل، وكان الكل ينجذب نحوي لأنني جميلة..
لكن أحداً لم يجرؤ على خطبتي، إلى أن بلغت الأربعين، وصادفت رجلاً مطلقاً ولديه أولاد، رضخت لطلبه في الزواج لأنني كنت أعلم أنني لن أجد فرصة أخرى، وها أنا اليوم أعيش معه سعيدة على الرغم من معاناتي بسبب سوء تصرف أولاده معي».
ماذا تقول الدراسات؟
لو قارنا الطبيعة البشرية وقصتَيْ شيماء وجميلة، لوجدنا أن جميلة أكثر راحة وقناعة بحياتها مهما كانت المشكلات التي تعرضت لها، فقد أثبتت الدراسات أن الزواج وإن لم يكن ناجحاً، أفضل بكثير من العزوبية، ذلك لأن الإنسان خلق ليكون له أنيس وشريك حياة..
فقد توصلت دراسة علمية مشتركة بين جامعتي «كارلتون» و«لوكسمبروغ»، إلى أن الزواج ولو كان يتخلله مشكلات وخلافات يبقى أفضل للصحة من أن يعيش الإنسان عَزباً أو مطلقاً أو أرملاً.
تأثير العزوبية في الصحة الجسدية والنفسية
تؤدي العزوبية والوحدة في أغلب الأحيان إلى ضعف الجهاز المناعي، وبالتالي إلى التعرض للأمراض بنسبة أكبر مما هي عليه بين الأزواج، إلى ذلك أفادت دراسة حديثة أن العزوبية قد تصيب بعوارض الشيخوخة قبل أوانها، كما بينت الدراسة أن الذين يعيشون بدون شريك تتراجع وظائفهم الحيوية بسرعة أكثر من أولئك الذين لديهم شريك.
من ناحية أخرى، تساعد العلاقات الزوجية، مهما كانت طبيعتها، على خفض ضغط الدم ومستويات التوتر، كما تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
إذن، فالحياة المشتركة تحمل الكثير من الفوائد النفسية والجسدية وإن بدا للكثيرات -ونخص هنا النساء- أن العزوبية راحة وحرية، ألا يقول المثل: «العُزاب في عذاب»؟!.