في مشهد الحياة الزوجية المعقد تتجلى أهمية الامتنان والتقدير بين الزوجين من الأسس التي لا غنى عنها في خلق بيئة تفيض بالحب والتفاهم وتسهم في بناء جسور الثقة والاحترام وترسيخ العلاقة، وتعمل على درء المخاطر ومواجهة التحديات، وتعزز الروابط الزوجية بشكل مستدام، على أن يتم ذلك بشكل مدروس حتى لا يتحول إلى عبء يهدد بانهيار العلاقة التي من المفترض أن يقويها.
فما هي أهمية الامتنان والتقدير؟ وما هو تأثيرهما الإيجابي على الصحة النفسية للزوجين؟ وكيف يمكن أن يكونا أداتين فعالتين في مواجهة التحديات والصعوبات التي تواجه الحياة الزوجية؟
د.عبد الله موسى
هذه الأسئلة يجيب عنها الدكتور عبد الله موسى، الخبير الأسري بمحاكم دبي، ومستشار الوعظ والإرشاد بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، في ورشة «بداية عمر» التي نظمتها إدارة التمنية الأسرية وفروعها، للمقبلين على الزواج..
موضحاً «في إطار العلاقات الزوجية الناجحة، يعتبر الامتنان والتقدير من أهم الركائز التي تعزز الروابط بين الزوجين، ويتجلى الامتنان في إدراك كل طرف ما يقدمه الآخر من واجبات وتضحيات..
فالزوج على سبيل المثال، يشعر بالامتنان لزوجته على ما تبذله من جهد واهتمام في إدارة شؤون الأسرة والبيت، مقدراً حجم التضحيات التي تقوم بها من أجل الحفاظ على استقرار الأسرة وراحتها، بينما تعبر الزوجة عن امتنانها لزوجها لما يبذله من جهد في توفير الدعم المادي والمعنوي للأسرة».
كما يوضح د. موسى كيفية التعبير عن الامتنان وأهميته للطرفين «يجب ألا يتوقف الامتنان عند الشعور الداخلي، بل من المهم أن يكون تعبيراً صريحاً يعكس تقدير كل طرف لما يقدمه الآخر، كأن يكون على شكل كلمات تشجيعية، أو في أفعال بسيطة تعبر عن الاعتراف بالفضل، ما يساعد على استمرار العلاقة بشكل صحي، من خلال خلق بيئة من الاحترام والمودة المتبادلة تعزز من الروابط بين الزوجين وتجعل حياتهما مملوءة بالتفاهم والحب».
يرصد د. موسى، تأثير كلٍ من الامتنان والتقدير كعاملين يحميان العلاقة الزوجية من الانهيار، حيث يساعدان على تقليل الصراعات اليومية ويسهمان في بناء علاقة صحية مستدامة «عندما يتذكر الزوجان المواقف الجميلة التي جمعتهما ويركزان على الأمور الإيجابية التي يقوم بها كل منهما، بدلاً من التركيز على السلبيات:
- يخف مستوى التوتر ويتحول الحوار إلى نقاش بناء قائم على الفهم والتفاهم، فالأزواج الذين اعتادوا على التعبير عن امتنانهم بانتظام يجدون أن الخلافات التي قد تنشأ بينهم تكون أقل حدة، وأكثر سهولة في التعامل.
- كما يسهم وجود الامتنان في تعزيز العلاقة الحميمة بين الزوجين ويخلق مناخًا من التفهم والمودة.
- وعندما يكون الامتنان حاضراً، يكون الزوجان أكثر قدرة على تحديد المشكلات وحلها بشكل ودي، وبالتالي يقلل من نقاط الخلاف ويعزز الاستقرار الأسري.
- من جانب آخر، يعد غياب الامتنان مؤشراً على خلل في العلاقة، حيث يتلاشى الشكر والتقدير، ويحل محلهما الشعور بالتقصير والإهمال، الذي ينعكس سلباً على الأبناء والأسرة».
يكمل الخبير الأسري «بينما يظهر تأثير التقدير كقوة دافعة لبناء علاقة أكثر تناغماً بين الزوجين، فالشريك الذي يشعر بالتقدير يكون أكثر استعداداً للتواصل، وأكثر تفهماً لاحتياجات شريكه، بالتالي يعزز هذا الشعور المتبادل من ترابط الزوجين ويخلق بيئة داعمة تحد من فرص نشوب الصراعات اليومية..
إذ إن تقدير الجهود الصغيرة والكبيرة على حد سواء يعزز من شعور الشريك بأهميته، هذا الشعور يولد رغبة أكبر في الالتزام تجاه العلاقة، حيث يسعى كل من الزوجين لإظهار دعمه لشريكه سواء في الأمور اليومية البسيطة أو في السعي لتحقيق الأهداف والتطلعات، وبالتالي يدفع العلاقة إلى مستويات أعلى من الرضا والتناغم».
متى يتحول الامتنان والتقدير إلى نقمة؟
بينما يؤكد د. موسى أهمية الامتنان والتقدير، يشير أيضاً إلى أهمية ألا يتحول إلى «نقمة» تدمر العلاقة الزوجية وذلك لعدة أسباب، أهمها:
- الإفراط في الامتنان: يمكن أن تؤدي المبالغة في التعبير عن الامتنان إلى نتائج عكسية، عندما يعبر أحد الشريكين عن الامتنان في كل موقف مهما كان بسيطًا أو عاديًا، لذا قد يفقد الامتنان قيمته ومعناه الحقيقي، بدلاً من أن يشعر الشريك الآخر بالتقدير، قد يشعر بأن الأمور الإيجابية التي يقوم بها هي مجرد واجبات عادية ولا تستحق كل هذا الاحتفاء، وبالتالي يؤدي إلى تبلد المشاعر أو حتى شعور بالإجهاد من ضرورة التعبير المستمر عن الامتنان.
- الامتنان المشروط: التعبير عن الامتنان يمكن أن يتحول إلى نقمة عندما يصبح مشروطًا أو مرتبطًا بتوقعات معينة، على سبيل المثال، إذا شعر أحد الشريكين أن عليه القيام بأمور معينة فقط لكسب الامتنان أو التقدير من الطرف الآخر، يشعره بالضغط والتوتر، وبدلاً من أن يكون الامتنان دافعًا للإيجابية، يصبح عبئًا نفسيًا يتحول إلى إحساس بالاستغلال.
- الامتنان كأداة للتلاعب: يُستخدم الامتنان كأداة للتلاعب بالشريك في بعض الحالات، كاستخدامه وسيلة لإسكات الانتقادات أو لتجنب المواجهات الصعبة، ما يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية وعدم حل المشكلات الأساسية في العلاقة، فاستخدام الامتنان وسيلة لتحقيق أهداف أخرى أو لإخفاء مشاعر حقيقية، يفقده دوره البنّاء ويصبح عقبة في طريق التواصل الصريح والسليم بين الزوجين.
- الامتنان الذي يثير مشاعر الذنب: أحيانًا يؤدي التعبير المتكرر عن الامتنان إلى شعور أحد الزوجين بالذنب إذا لم يتمكن من مبادلة نفس القدر من التقدير، هذا الشعور يولّد ضغطاً مستمراً بسبب السعي لإظهار الامتنان، حتى في الأوقات التي يكون فيها متعبًا أو منشغلًا، هذا النوع من «الدَين العاطفي» يمكن أن يؤدي إلى شعور بالإرهاق العاطفي، يقلل من الراحة النفسية في العلاقة».