مساومات اللحظات الأخيرة.. ورقة الطلاق "لها ثمن" والأبناء "كارت" يستخدمه الطرفان
أوقات صعبة تعيشها الأسرة خلال فترة الانفصال بين الزوجين، ولحظات عصيبة تمرّ بالشريكين، وكذلك الأبناء قبل، وأثناء، وبعد الطلاق. وللأسف، هذه الفترة الحرجة لا تُمحى ذكرياتها من أذهان الجميع، بل تظل محفورة لديهم جميعاً، حتى إن كان الأطفال صغاراً في ريعان الطفولة.
أحياناً يتم الطلاق بهدوء، ويخرج منه الطرفان أصدقاء يعملان لمصلحة الصغار، ويكون بمثابة بداية لحياة جديدة للطرفين، لكن للأسف، في كثير من الأحيان يرتبط الانفصال بالعديد من المساومات، والخلافات، والحروب بين الشريكين التي تصبح أكثر ضراوة وشراسة بعد الطلاق، بخاصة عندما يفقد بعض المطلقين آداب الخصام، فيلجأ البعض إلى تشويه سمعة الطرف الآخر، ونعته بأبشع الألفاظ، والصفات. ولا يستطيعان أبداً ترك الحرب التي أعلناها منذ زواجهما، ويصر كل طرف على إشهار جميع أسلحته فيها، ويتناسى تماماً، آداب المعاشرة التي تلزم الطرفين بعدم كشف أسرار الطرف الآخر، وفضحه على الملأ.
سألت «كل الأسرة» عدداً من أساتذة الطب النفسي، وخبراء الأسرة، والعلاقات الزوجية، حول الأسباب التي تدفع الزوجين إلى هذه المساومات، رغم استحالة الحياة الزوجية بينهما، ولماذا يستخدمان الأبناء كدروع بشرية في حربهما قبل، وبعد الطلاق، وما هي النصائح التي تُجنب الأسرة تدمير نفسية الأبناء خلال فترات الخلافات والانفصال.
أبرز أشكال المساومات في مرحلة الانفصال
بداية، تؤكد الدكتورة، وفاء شلبي، المعالجة النفسية المتخصصة في المشاكل الأسرية والزوجية، أن الخطيئة الكبرى التي يرتكبها الشخص بحق نفسه، وحق أولاده، هي أن يفقد كل معاني الاحترام بعد انتهاء الحب، ويبرّر لنفسه كل أشكال الانتقام، ويتناسى تماماً أولاده، فلا يحترم مشاعرهم، ولا يضعها في الحسبان، بل ويتخذ منهم وقوداً للخلافات مع شريك الحياة السابق.
وتوضح الاستشارية النفسية أن أشكال المساومات بين الزوجين خلال مرحلة الانفصال كثيرة، ومتعدّدة، ولكن أهمها:
- الشكاوى المتكرّرة بين الزوجين في مراكز الشرطة، والقضايا أمام المحاكم.
- تشويه سمعة أحدهما للآخر، ومحاولات إفساد حياته ما بعد الطلاق، حتى لا يتسنى له بدء حياة جديدة بعد الانفصال.
- التخلّص من أعباء الطلاق مقابل الحصول عليه، كأن تتنازل الزوجة عن كل ما لها من حقوق زوجية، مقابل الحصول على ورقة الطلاق فقط.
- ابتزاز الزوج، أو الزوجة، للطرف الآخر وتحميله الكثير من الخسائر خلال مرحلة الانفصال، كنوع من أنواع الانتقام.
- الأطفال يصبحون، للأسف، فرصة جيّدة للابتزاز العاطفي والمالي، من قبل أحد الطرفين، أو كليهما، عن طريق الضغط بمسألة الحضانة، والنفقة، وغيرهما، وأحياناً يصل الأمر من العداوة والحرب بينهما إلى منع الطفل من رؤية الطرف الآخر لفترات طويلة.
- تأديب الزوجة ومعاقبتها على طلب الطلاق، حيث يلجأ الزواج إلى مساومتها على حريّتها مقابل التنصل عن منحها حقوقها بحجة عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته، ويتناسى تماماً ما بينهما من أولاد، بل ويحرمها النفقة لها، ولأولادها، وهنا يكون التنازل عن الحقوق والنفقة هو ثمن ورقة الطلاق، وهو ثمن غالٍ جداً.
وتقول الدكتورة وفاء شلبي «دائماً ما أنصح الزوجين إذا ما قرّرا الانفصال، بأن يتم هذا الأمر بشكل آدمي، ومتحضّر من دون إيذاء نفسي، وجراح لا تلتئم، بسبب الطريقة المهينة التي يتبعها البعض، واقترح عليهما ضرورة الاندماج مع الأهل والأصدقاء، حتى يتجاوز الطرفان المحنة، ويبدآن باستعادة نفسيهما بعد قلب هذه الصفحة والبدء من جديد».
خطوط حمراء قبل وبعد الطلاق
ويتفق معها الدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الطب النفسي والعلاج الزواجي وتعديل السلوك بالقاهرة، ويحدّد مجموعة من الخطوط الحمراء قبل، وبعد الطلاق، حتى لا يتحول الأمر لمعركة يخسر فيها كل الأطراف:
1- التلفظ بالعبارات القاسية، أو الجارحة، أثناء الخلاف، أو حتى بعد الطلاق، لأن هذه العبارات للأسف قد تبقى محفوظة في ذاكرة كل منهما، حتى بعد انتهاء العلاقة، كما أنه يجب عليهما تجنب الشجار أمام الأطفال، أو إشراكهم فيه، لأنه سيؤدي إلى اهتزاز صورة الأب والأم لديهم.
2- الأفضل لنفسية الأبناء أنه في حالة الاتفاق على الطلاق بينكما ألا تتحدثا في الأمر أمامهما قبل التمهيد له، وألّا يحدث ذلك وأنتما غاضبان، بل عليكما التحلّي بالمرونة، وتهدئة النفس، وتتحدثان عن الأمر بأنه لن يضر أبداً بمصلحتهم، وأنكما ستعملان على إسعادهم، وتلبية احتياجاتهم بكل الطرق.
3- سلاطة اللسان، والتجريح، والإهانة، والسباب، والشتائم، التي أصبحت، للأسف، مظهراً من مظاهر الحوارات بين بعض المتزوجين في المحطة الأخيرة من علاقتهم، والتقليل من الشأن، أو السخرية، أو التهكم، وتسفيه كل أمر جيد يقوم به أي من الطرفين، أمر مرفوض تماماً خاصة أمام الأبناء.. لأن انتهاء العلاقة لا يعني أن علاقتكما بالأبناء أيضاً قد انتهت، ومراعاة مشاعرهم أمر واجب على الجميع.
4- الخلافات بين الزوجين بعد الطلاق لا تبرّر أبداً، أن يتنصل الزوج من دفع النفقة المطلوبة لمعيشة الأبناء، ويجب عدم استخدام هذا الأمر كورقة ضغط، لأن عدم الالتزام بها سيشعل الحرب بينهما.
5- منع الأبناء من زيارة أهل الطرف الآخر أمر مرفوض، فمثلاً إذا كان الأبناء في حضانة الأم يجب عليها ألّا تمنعهم من زيارة أسرة الأب، لأن الخلافات بين الطرفين لا تنفي أبداً صِلة الرحم مع الأسرة، ويجب أن يتعاملا مع الأمر بشكل شرعي، لأن صلة الرحم واجبة، وكذلك الأمر هام لنفسية الأبناء.
6- من آداب المعاشرة عدم كشف أسرار الطرف الآخر، وفضحه على الملأ، وعدم إلصاق التهم به، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي يجب ألّا تكون مكاناً لتشويه سمعة الطرف الآخر، أيّاً كانت الأسباب، ومهما كان مدى الخلاف بين الطرفين، لأن أسرار البيوت خط أحمر، حتى إن كانت هذه البيوت قد خربت، لكن تبقى أسرارها أمانة في عنق الجميع.
كيف تكون البداية الجديدة بعد الانفصال؟
من جهته، يقدم الدكتور عبد المجيد عويس، خبير العلاقات الأسرية والزوجية، مجموعة من النصائح والإرشادات الأسرية حتى لا يكون الانفصال هو نهاية المطاف، وأن يكون هو نقطة البداية لحياة جديدة أفضل للطرفين:
- - يجب على الأزواج، والزوجات، الذين يمرّون بتجربة الانفصال، أو على وشك المرور بها، عدم الاستسلام للبكاء على اللبن المسكوب، وألّا يتركوا أنفسهم فريسة لاجترار الذكريات، والتمادي في الحزن، وكفاهم البكاء على علاقة تجرعوا فيها المُر، وليبدأوا فوراً، بالاستمتاع بحياتهم والالتفات إلى المستقبل، سواء كان مستقبلهم كلّ على حِدة، أو مستقبلهم مع أولادهم.
- يجب على الزوجين محو كل الذكريات السلبية التي بينهما، من صور ومحادثات، وغيرها، ويركّزان على أن هذه العلاقة لم تكن ناجحة، وأنه يجب التروّي عند اختيار رفيق العمر الجديد. ثم يركّزان على قوة كل منهما حتى لا ينكسر أي طرف من جراء الانفصال، والعمل على تطوير الذات، وألّا يتجهان لبدء علاقة جديدة من أجل النسيان، بل يجب إعطاء نفسيهما فرصة للتعافي.
- يجب أن يتفهم الآباء المناسبات المختلفة التي تمرّ على أولادهم، وأن يتعاملوا مع الأمر بشكل ودود خلال فترات الأعياد، وبداية فصلي الصيف والشتاء، وموسم المدارس، حتى تتمكن الزوجة من تلبية متطلبات الأبناء، ولا ينتظر أبداً أن تلجأ الأم للمحكمة للمطالبة برفع النفقات في هذه المناسبات، والأفضل في الأمر أن يتم بشكل ودّي لإدخال البهجة على الأبناء.
- للأسف الحرب الضارية بين الطرفين بعد الطلاق تفقدهما كل المودّة، والرحمة التي كانت بينهما في يوم من الأيام، وهنا يجب التعامل مع الأمر بشكل ديني وشرعي، كما قال المولى عز وجل «ولا تنسوا الفضل بينكم».
- على الأم أن تراعى ظروف الأب، ولا تكلّفه أكثر من طاقته، بخاصة إذا كان مرتبطاً ببيت آخر، وعليه الكثير من الالتزامات، ويجب عليها تعويد الأبناء على العيش بالنفقة التي يرسلها الأب، وأن يوفقوا أمورهم عليها.
- من الضروري أن يتعاون الآباء مع الأمّهات بعد الطلاق، وأن يبتعدوا عن الخلافات حتى يكون الأبناء أسوياء مثل بقية أقرانهم.
- التلفّظ بالعبارات القاسية أو الجارحة في أثناء الخلاف قد تبقى محفوظة في ذاكرتهما، حتى بعد انتهاء الخلاف، كما أنه يجب عليهما تجنب الشجار أمام الأطفال، أو إشراكهما فيه، كي لا تهتز صورة الأب والأم لديهم. والأفضل أنه في حالة حدوث أي خلافات بينكما ألا تتحدّثا وأنتما غاضبان، بل عليكما التحلّي بالمرونة، وتهدئة نفسيكما، وأن تؤجّلا الحديث في المشكلة، أو الخلاف لوقت آخر، وحاولا الوصول إلى حل يرضيكما.
اقرأ أيضاً:
- 7 علامات تنذر بقرب انفصال الزوجين
- كوني قوية.. مراحل التعافي من الانفصال