يظل الصّراع المستمر حول مصروف البيت أحد أهم الأسباب التي تثير الخلافات الزوجية، حيث نرى أزواجاً وزوجات، رغم سنوات الحب والمودّة والعِشرة الطويل، إلا أن العلاقة بينهم لا تسير على أفضل ما يكون، حياتهم تتخلّلها المطبّات، وتواجه مخاطر الانفصال، وكل ذلك يحدث بسبب خلافات من هذا النوع.
يعيشون ليل نهار في مشكلات وأزمات وعواصف زوجية، أما ضحكاتهم وغزلهم اللطيف وكلمات المدح والحب فيسرقها منهم الزمن، رغم أنهم قد يكونون قد تزوجوا عن حب، والبعض منهم قد حصل على قدر كافٍ من التعليم، والثقافة، والثروة التي تسمح له بخبرات تساعده على النجاح الزوجي.
طرحت «كل الأسرة» هذه القضية على مجموعة من خبراء العلاقات الزوجية والإرشاد الأسري، وسألتهم حول كيفية إدارة الخلافات المتعلقة بمصروف البيت من قبل الزوجين، وكيف يتجاوزان هذه الخلافات من دون أن تفسد العلاقة وتؤثر في مشاعر الحب والمودّة، وتضيّعها:
القاسم المشترك للشجارات الزوجية
بداية، يؤكد الدكتور محمد حمدي، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الزوجية والأسرية، أن «مصروف البيت بالفعل، من أكبر المسبّبات للمشاجرات العائلية، وأغلبها تكون بسبب المال، والحالة الاقتصادية، وأنا كثيراً ما أنصح كل زوجين مقبلين على بداية حياتهما الأسرية بأن يتشاركا في تنظيم ميزانية المنزل، على قدر احتياجاتهما، ويحاولا التوفير، وعدم التشاجر مع بعضهما بعضاً على الأشياء التي لا تستحق، وأقول للزوج إنه يجب أن يصارح زوجته مسبقاً بدخله الشهري الثابت، ويتحدّثا حول متطلباتهما، وأن يكونا واقعيين في تفكيرهما، وأن يحاولا التفكير في حلول عملية، بدلاً من الشجار».
البشر ليسوا سواسية في الاهتمامات وطريقة الإنفاق، فلا تقارنا معدل إنفاقكما بأيّ أسرة أخرى
ويرى د. حمدي أن القاسم المشترك بين جميع الأسر هو الخلافات المادية، فلا يكاد يخلو بيت منها، بخاصة مع الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرّ بها الكثير، فالتعرض للمشكلات المادية من الأمور التي لا فرار منها، سواء بسبب سوء إدارة الميزانية، أو المشادات بينهما التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الانفصال، ليس بسبب الماديات بقدر ضعف التواصل بين الطرفين.
ويقول «للأسف، إن عدم التفاهم المسبق بين الطرفين حول الشؤون المادية للمنزل يؤدي إلى الشجار، ما يخلق جواً دائماً من التوتر بينهما، وعدم الاستقرار. وبدلاً من إلقاء التهم بالتقصير في الاقتصاد في الميزانية، أو لوم الطرف الآخر، وفّروا هذا الجهد لإيجاد حلول تساعدكما على تدبير شؤونكما المالية، والتحدث عن المشكلة المادية، وأسبابها، ولا تحاولا إلقاء الخطأ على الآخر، ففي نهاية المطاف كلاكما في المركب نفسه، ومهمتكما هي الوصول بها إلى برّ الأمان».
ويحذر الاستشاري الزواجي كلا الزوجين من المقارنات التي تدمّر حياة الأزواج، فالبشر ليسوا سواسية في كل شيء، بخاصة في الاهتمامات، وطريقة الإنفاق، فلا تقارنا معدل إنفاقكما بأي أسرة أخرى، ما يجعلكما تشعران بالحرمان، أو الإنفاق ببذخ، بما يتعارض مع ميزانية البيت، أو دخل الزوج، الأمر الذي قد يسبب شجارات، أسرتكما في غنى عنها.
ويشير د. حمدي إلى أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق التي تقع في مجتمعاتنا العربية هذه الأيام، تكون بسبب الخلافات المادية، بخاصة بين المتزوجين حديثاً، لأن الخلاف حول الراتب والإنفاق، ومدى مسؤولية كل منهما عن ماليات الأسرة، وأوجه الإنفاق، تكون أول مطب حقيقي يقف عنده الزوجان في بداية حياتهما الأسرية، فكثير من الزوجات يتعرضن لضغوط كبيرة عليهن، فهنّ مطالبات بالعمل خارج، وداخل المنزل، وفي المقابل بعض الأزواج أصبحوا يتنصّلون من المسؤولية، خوفاً من فشل الزواج فيما بعد.
ميزانية الأسرة تحتاج لاتّفاق ومرونة
وتتفق معه الدكتورة عزة حامد، استشاري العلاقات الزوجية في القاهرة، على أن من أشهر الخلافات التي تقع بين الزوجين هي الخلافات المالية، حيث يتشاجران على تقسيم المصروف، وهنا الحل المناسب في وضع ميزانية شهرية، وتفصيلها حسب نفقات الأساسيات، والكماليات، وبحسب الأولويات، بخاصة الاحتياجات الخاصة بالأولاد.
وتبيّن «يجب أن يحسم الشريكان الأمور المالية بينهما في فترة الخطبة، بداية من المرتّب، وحتى المصروف الشخصي، ومصاريف البيت، فالزوجان شخصان يكمل بعضهما بعضاً، ويجب ألا تفرقهما بعض الفواتير، والحسابات الخاصة باحتياجات البيت».
وتهمس الاستشارية الأسرية د. عزة حامد في أذن الزوجات قائلة «إن من أكثر الصفات التي تجعل العلاقة الزوجية في حالة خلاف دائم هي الطمع، والجشع، عندما تكون الزوجة مادية، فمثلاً عندما ينشأ خلاف زوجي ويقوم الزوج بحل الخلاف بطريقة مادية بشراء هدية على سبيل المثال، ترى في المرة القادمة لن تقبل الزوجة المادية بأن يُحل الخلاف بهذه الهدية، لأنها تريد المزيد».
هناك الكثير ممن ينظرون إلى المسائل الحسابية على أنها غير رومانسية ويتجنّبون التحاور فيها
وتضيف «إن محبة الزوجين لبعضهما بعضاً يجب أن تطغى على الأمور المادية بينهما، ولتتذكر كل زوجة ترفض أن تساعد زوجها على تدبير احتياجات الأسرة، ولو بجزء من راتبها، أنه في المقابل هناك أخريات ضحّين بعملهنّ حيث كن يعملن قبل الزواج، وعند الزواج اشترط عليهن الأزواج ترك العمل فتركنه عن طيب خاطر منهن، فرضى الزوج ومصلحة البيت أولى. ولتدرك الزوجة أيضاً، أن إسهامها يكون تعويضاً عن التقصير الذي ينتج عن غيابها لساعات طويلة خارج البيت، التي هي حق الزوج والأسرة».
وتلفت الدكتورة عزة حامد إلى أن أغلب الأزواج لا يتحدثون في أمورهم المادية، ويمتنعون في أكثر الأحيان عن ذكر دخولهم، وممتلكاتهم، رغبة منهم في الاحتفاظ ببعض الخصوصية في هذا الجانب، وهناك الكثير ممن ينظرون إلى المسائل الحسابية على أنها غير رومانسية، ويتجنبون التحاور فيها، لكنها في الوقت ذاته، ترى أن عدم مناقشة ما لديهم، وما عليهم، من ممتلكات وديون يعد من الأخطاء الكبيرة، والفادحة، لأنه يمثل عاملاً رئيسياً في نجاح الزواج، أو فشله. ولذلك فلا مفر من فتح باب الحوار حول الوضع المالي للأسرة، ووضع تاريخ دوري للمكاشفة الصريحة بين الزوجين عن الحساب البنكي، والعادات المتبعة في صرف الأموال، ووضع استراتيجيات مشتركة في إنفاقها، وادّخارها.
نصائح تمنع الخلافات المادية بين الزوجين
أما الدكتورة صابرين جابر، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية في القاهرة، فتشدّد هي الأخرى على أن مصروف البيت يعد السبب الأساسي في معظم المشاكل الزوجية، سواء كان الأمر متعلقاً بضيق الحال، أو البخل، وقد يخلق الكثير من الخلافات، فلابد من التخطيط معاً لحل كل هذه الأمور.. وتقدم في ما يلي بعض النصائح التي تساعد على التخفيف، أو الحد من الخلافات المادية بين الزوجين:
- أساس أيّ علاقة ناجحة هو التفاهم والصراحة، لذا وجب على الزوجين، سواء قبل الزواج أو في بداية الزواج، الجلوس معاً، لمناقشة الوضع المادي، فالصراحة تجنبهما الكثير من المشاكل الزوجية التي تعكّر صفو حياتهما، والعديد من المشاجرات المادية تنشأ في الأغلب نتيجة عدم مشاركة المعلومات.
- من المهم أيضاً الاتفاق على ميزانية خاصة للمنزل، والتي يمكن تغييرها كل فترة حسب دخل الأسرة، أو إذا ثبت عدم فعاليتها، والالتزام بها، وتفهم احتياجات الآخر، وتقديم بعض التنازلات إن تطلب الأمر من الطرفين كنوع من المشاركة، والشعور بالمسؤولية، وعدم تحميل كل طرف فوق طاقته.
- في حالة كانت الزوجة لا تعمل فإن استقطاع الزوج لجزء من مصروف البيت وتخصيصه كمصروف شخصي للزوجة يمنحها إحساساً بالحرية، وأنها صاحبة مال، ويكون له مردود طيب جداً على نفسيتها، فتستطيع شراء ما يلزمها بعيداً عن الزوج، وبعيداً أيضاً عن متطلبات المنزل.
- نقص الحوار بين الزوجين وعدم القدرة على استماع كل طرف للآخر سبب رئيسي لتفاقم هذا النوع من المشكلات، لذلك لابد من الحوار البنّاء مع شريك الحياة.
- الحياة الزوجية بشكل عام، تقوم على مبدأ التشارك وتبدأ من مشاركة اليوميات وصولاً إلى جميع المسائل الشخصية، ومنها المال، وأفضل وضع بين الزوجين أن يتشارك الزوجان في شراء احتياجات المنزل، ودفع أقساط المدارس، وغيرها من الاحتياجات التي يتوجب دفعها، وتشارك الزوجين بجزء من راتبيهما لتغطية هذه الاحتياجات يجعل العلاقة بينهما على أفضل ما يكون.
- التوفير السرّي من دون علم الزوج يعتبره الكثير من الرجال خيانة للأمانة، ويتسبب بعدم الثقة، لذلك الأفضل للزوجة أن تعلم زوجها أنها تريد استقطاع جزء بسيط من مصروف البيت لنفسها، وتكون هي حرة التصرف فيه، سواء في إنفاقه على أمورها الشخصية، أو ادخاره، أما إذا كان ادخار الزوجة بلا مبرر وكان لديها من المال ما يؤمّن مستقبلها، حينذاك لن تكون هذه الخطوة جيدة من جانب الزوجة.
- يجب أن نربّي أولادنا وبناتنا على أن الزواج هو شراكة في كل شيء، شراكة في المشاعر، والمشاكل، وكل جوانب الحياة، وليس عيباً أن يكمل الواحد الآخر.
- للزوجات: احرصي على وضع بند أساسي في الميزانية للادخار المستقبلي، يساعد ذلك على تحمّل الزوج تلك المسؤولية، وفي حالة الرغبة في شراء أي من الأمور غير الضرورية من أي من الطرفين، يجب إجراء مناقشة لاتخاذ القرار اللازم، وتفادي حدوث أي خلاف.
اقرأ أيضاً: الادّخار السرّي من مصروف البيت.. خيانة أم حسن تدبير؟