لا يوجد زواج سعيد طوال الوقت، لذلك يجب تقبل فكرة أنه يمكن أن تحدث خلافات تعكر صفو الحياة الزوجية، فالأزواج السعداء تعرضوا بلا شك لأوقات عصيبة لكنها ساهمت في تقوية أواصر الروابط الزوجية. فأحياناً تتدهور العلاقة بين الزوجين لسبب أو لآخر حتى يصلا إلى طريق مسدود ويبدآن، أحدهما أو كلاهما، يفكران في الانفصال، ومن المؤكد أن التفكير في الانفصال لا يأتي فجأة بل إن خبراء العلاقات الزوجية يؤكدون أن ثمة علامات وإشارات تحذيرية واضحة تؤكد أن الزوجين على أعتاب الطلاق وأن العلاقة الزوجية بينهما تمر بأزمة.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على مجموعة من خبراء العلاقات الزوجية والأسرية وسألتهم عما هي أهم العلامات التي تنذر بقرب الانفصال، وكيف يتعامل الشريكان مع ظهور هذه الإشارات التحذيرية؟
1- تجنب التعامل مع الطرف الآخر والتواصل الطفيف
في البداية، تؤكد الدكتورة رشا الجندي، أستاذ الصحة النفسية وخبيرة العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، أن هناك العديد من الإشارات التحذيرية التي تؤكد بداية الانفصال، ولعل أهمها تجنب التعامل مع الطرف الآخر قدر الإمكان والتواصل الطفيف معه في أضيق الحدود، وذلك يكون بتجنب الدخول معاً في نقاش أو حوار، وحتى الكلام يقل أيضاً مع الوقت فلا أحد يسأل الآخر عن أحواله اليومية ويومه كيف قضاه خارج المنزل، فتتسع المسافة بين الزوجين مع الوقت، وهنا يكون الخطر، فكلاهما أو أحدهما بدأ يعد نفسه للاستغناء عن الآخر.
وتشير د. رشا الجندي إلى أن قلة الاهتمام بالطرف الآخر أهم علامة يجب التوقف عندها، فهي مؤشر خطير يلفت إلى حدوث انخفاض مفاجئ أو تدريجي في مستوى الحب والمشاعر تجاه شريك الحياة. فعندما يبدأ الزوج في إهمال زوجته، أو العكس، ولا يمنحان بعضهما الاهتمام الذي تعودا عليه، فهذا أبرز دليل على عدم الارتياح في العلاقة الزوجية وبداية الانسحاب منها.
وتقول «من العلامات المهمة على فقدان الاهتمام وقلة التواصل بين الطرفين هو أن يفقد الطرف الذي يفكر في الانسحاب من العلاقة مشاعر الغيرة على الطرف الآخر، فالغيرة دائماً دليل الحب والاهتمام وعندما تختفي فهذا يعني أن الشريك أصبح لا يبالي بالحفاظ على الطرف الآخر».
2- عدم الاكتراث لمشاكل الطرف الآخر وأزماته النفسية
وتضيف «كما أن عدم الاكتراث لمشاكل الطرف الآخر وأزماته النفسية دليل آخر على قلة التواصل وعدم الاهتمام بما يلم بالشريك، وأن الأمر لم يعد يمثل له أهمية كبيرة، فالزوج الذي لا يتعاطف مع اكتئاب زوجته، علامة، والزوجة التي لا تنتبه لمشاكل زوجها في العمل ولا تسأله عنها، علامة، لأن التعاطف وحده يقضي على المشاعر السلبية بين الطرفين ويذيب الخلافات وعندما يفقد الزوج أو الزوجة مشاعر التعاطف فهذا يعني أنه لن يتورع في إنهاء العلاقة الزوجية في أي وقت».
3- النقد اللاذع والجارح
وتنبه الدكتورة رشا الجندي الزوجات إلى علامة مهمة تؤكد أن الزوج يفكر في الانفصال، وهي النقد اللاذع والجارح في أي وقت وأمام أي شخص وعلى كل صغيرة وكبيرة بل أحياناً يتعمد الزوج فعل ذلك أمام الآخرين، فكل ذلك ينذر بقرب النهاية.
ويتفق معها الدكتور مصطفى أبو العزايم، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، في أن تصيد الأخطاء والنقد اللاذع من أبرز علامات قرب الانفصال، لأن التسامح يؤكد دائماً وجود الحب وصلاح العلاقة بين الزوجين، فهو يقوي أواصر المودة ويضمن لهما استمرارية السعادة الزوجية والاستقرار.
ويؤكد أن النقد البناء بين الزوجين أمر ضروري ومطلوب، ولكن عندما يصبح الانتقاد مستمراً وبشكل يغطي على المجاملات وعبارات الحب والألفة بين الزوجين فهذا معناه أن الزواج في طريقه إلى الفشل، ويبين أيضاً «فالانتقاد وكثرته سبب في شعور كل طرف في العلاقة بأنه لا يحصل على التقدير الكافي ولا يمكن للطرف الآخر تفهمه أو احترامه مما يؤدي إلى ظهور مشاعر سلبية تعمل على فقدان قدرة الزوجين على إظهار التسامح بينهما، وينتج عنه فقدان الترابط في العلاقة وفشل الزواج، لذا لابد من الانتباه لكل كلمة انتقاد تصدر من الشريك لشريكه».
4- الدخول بشكل متكرر في نقاشات وجدال لا ينتهي
ويلفت استشاري الطب النفسي إلى أن من مؤشرات بداية الانفصال كذلك هو الدخول بشكل متكرر في نقاشات وجدال لا ينتهي ولا يصل بهما إلى حل وسط ولا نتائج مريحة لهما، ويظلان يدوران في نفس الحلقة المفرغة بلا جدوى بسبب تمسك كل منهما بوجهة نظره والدفاع عنها فيفقدان المرونة والتسامح والتفويت المطلوب بين الزوجين لكي تستمر العلاقة الزوجية.
ويشدد الاستشاري النفسي على أهمية أن يتغاضى كل طرف عن بعض الهفوات حتى تسير الحياة بشكل أفضل، كما يطالب الزوجين بتحكيم العقل قبل العواطف لأن العناد في الحياة الزوجية رأس كل خطيئة وأكبر معول لهدم الحياة الأسرية.
ويطالب د. مصطفى أبو العزايم بإلزام الشباب تلقي الدورات التدريبية التي تؤهلهم لبدء الحياة الزوجية وتمكنهم من تكوين أسر ناجحة وتوعيتهم بمعايير الاختيار الأمثل لشريك الحياة، مع مراعاة التكافؤ والتفاهم بعد الخلق والدين وأن يكون هذا الاختيار قائماً على العقل متى حدث القبول، فكما يقال إن مرآة الحب عمياء، ولكن في الواقع هي ليست عمياء ولكن نحن من نتعامى عن الأخطاء والعيوب في كثير من الأحيان، ثم بعد الزواج نكتشف أننا لا نستطيع التأقلم مع تلك العيوب.
5- غياب الحميمية
ومن جانبها تحذر الدكتورة وفاء شلبي، المعالجة النفسية المتخصصة في المشاكل الأسرية والزوجية، من عدم الاكتراث لأهمية العلاقة الحميمية في التقريب بين الزوجين واستخدامها كأداة للعقاب والتأديب للطرف الآخر والتعبير عن الغضب والضيق منه، وترى أن غياب العلاقة الخاصة بين الزوجين أحد الإنذارات المهمة التي تدعو للقلق.
وتوضح «فقدان الحميمية من أخطر المشاكل الزوجية، فالعلاقة الحميمية بين الزوجين أحد المصادر الأساسية لتجديد الحب وتبادله ولكن يمارسها بعض الأزواج بروتين فاتر وكأنها تأدية واجب، ومع كثرة الخلافات قد يلجأ الزوج أو الزوجة إلى هجر الفراش وربما النوم خارج غرفة النوم وهذا الوضع إنذار شديد مفاده أن المودة بينهما في طريقها للذهاب بلا رجعة».
6- استسلام الطرفين للغياب عن بعضهما البعض
وتحذر الاستشارية الأسرية من استسلام الطرفين للغياب عن بعضهما البعض، بل أيضاً قد يتحول الأمر للإحساس بالراحة من هذا الغياب كأن تشعر الزوجة بالارتياح من غياب زوجها عن البيت بسبب العمل أو السفر أو أنه أصبح يقضي أغلب يومه خارج البيت، وهذا الأمر ليس طبيعياً ويجب التعامل معه كجرس إنذار، ونفس الشيء ينطبق على الزوج الذي يرتاح لغياب زوجته عن البيت وذهابها لبيت أهلها أو لخروجها مع الصديقات.
وتنصح الدكتورة وفاء شلبي الأزواج الذين يمرون بهذه المشاعر بسرعة الانصات لجرس الإنذار وسد الفجوة التي بدأت تتسع بينهما بسبب عدم الرغبة في التواصل مع الطرف الآخر الذي بدوره لا يصغي ولا يريد المشاركة ويشعر بالفتور المتبادل، ومن هنا عليهما السعي لإنقاذ العلاقة من خلال تجديد الحياة الزوجية بالسفر وقضاء وقت ممتع معاً.
7- الاستسلام للملل في العلاقة الزوجية
أما الدكتور محمد الششتاوي، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك وعلاج مشاكل العلاقات الزوجية، فيحذر الأزواج خاصة الجدد من الاستسلام للملل في العلاقة الزوجية، ويرى أن الملل من الأمور التي تعجل بحدوث الانفصال النفسي بين الزوجين، كما أنه يعجل بنفور كل طرف من الطرف الآخر، خاصة أن الأزواج الجدد، وبسبب اختلاف الطباع والميول، يعانون زيادة حدة الخلافات الزوجية، وانغراس الزوجين فيها من الأمور التي تعجل بحدوث الانفصال النفسي بين الزوجين.
ويضيف «للأسف في بعض الزيجات يستسلم طرفا العلاقة الزوجية لانفصال كل منهما نفسياً عن الآخر بعد شعورهما باليأس من إصلاح حياتهما، ولكن يجب ألا ييأس طرفا الحياة الزوجية من الإصلاح وتعزيز العلاقة».
بيد أن الدكتور محمد الششتاوي يفسر حدوث الرحيل المفاجئ في الزيجات القديمة، قائلاً «في السنوات الأولى من الزواج يكون الزوجان أكثر ميلاً إلى التسامح والمغفرة، فالحب يعوض جميع أوجه القصور أو الفشل في بداية الحياة ولكن مع مرور الوقت يصبح الأزواج أقل صبراً ولا يتقبلون أن يسامحوا بعضهم البعض، فالأشياء التي كانوا يمررونها لبعضهم البعض سابقاً لم تعد كذلك الآن بل تسبب استياء شديداً، وبالتالي تتحول الحياة الزوجية المملة إلى صراعات ومشاكل لا تنتهي».
نصيحة للأزواج
كما يلفت د. الششتاوي إلى أنه مع تقدمنا في السن وتراكم الهموم وضغوط الحياة يقع العديد منا في فخ أخذ الحياة بطريقة جدية للغاية ونفقد تدريجياً إحساسنا بالدعابة والمرح مما يسبب الكثير من الملل في الحياة لأن الإنسان بطبيعته يحب المزح واللهو.
ويقدم الاستشاري في تعديل السلوك نصيحة للأزواج «النساء يردن أن يشعرن أنهن الأولوية في حياة الرجل حتى وإن لم يكن ذلك صحيحاً مئة بالمئة، فعليك أن تمنحها هذا الشعور باهتمامك بها وعنايتك الصادقة لها، ولا يتوقع الرجل أن تظل زوجته على نفس عهده بها إذا كان ينسى الاتصال بها لساعات وربما لأيام».