27 مايو 2021

لماذا يُحظر المساس بحقائب الملكة إليزابيث؟!

كاتبة صحافية

لماذا يُحظر المساس بحقائب الملكة إليزابيث؟!

ممنوع أن تمتد يد لتلمس حقيبة ملكة بريطانيا. هذه هي القاعدة السرية المتعارف عليها بين المشرفين على تنظيم الجولات الداخلية لإليزابيث الثانية وزياراتها الخارجية. لكن كابريسيا بينافيك مارشال، الرئيسة السابقة للبروتوكول الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ارتكبت، ذات يوم، هفوة كادت أن تتسبب في أزمة غير محسوبة. هذا ما كشفته في كتاب صدر بعنوان «قوة الدبلوماسية»، وفي الكتاب، الذي يلخص مسيرتها في تلك الوظيفة، تطرقت مارشال إلى اللقاءات التي جمعتها بملكة بريطانيا خلال فترة عملها في البيت الأبيض.

في شبابها مع حقيبة صيفية

من المعروف أن لقاءات القمة بين الرؤساء والملوك لا تتم مثل أي لقاءات غيرها.إن هناك عشرات الترتيبات والاستعدادات والشروط التي لابد من الاهتمام بها وتلبيتها قبل الموعد المقرر بأسابيع. مع هذا يبقى اللقاء بالملكة إليزابيث الثانية حدثاً استثنائياً يستدعي اهتماماً خاصاً ويخضع لقواعد وتعليمات حديدية. ومن تلك التعليمات التي أحيطت بها كابريسيا مارشال علماً أن المساس بحقيبة الملكة ممنوع منعاً باتاً مهما كانت الأسباب. لكن المحظور يمكن أن يقع في أي لحظة، وبدون قصد، وهو ما تعرضت له المسؤولة الأمريكية وروت تفاصيله في كتاب جديد بعنوان «البروتوكول: قوة الدبلوماسية وكيفية تعاملك معه». ومن المقرر أن تصدر الطبعة الفرنسية من الكتاب أواخر الشهر الجاري. لكن الصحافة أحيطت علماً بأبرز ما جاء فيه.

لقطة نادرة

«لا أحد يلمس حقيبة صاحبة الجلالة»

إن ما يجري وراء جدران القصور بين كبار هذا العالم هو من الأمور المشوقة التي تثير فضول القراء، مهما كانت جنسياتهم. فكيف إذا كان اللقاء يجري بين ملكة بريطانيا والرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ إن شهرة الاثنين تتعدى شهرة أي مسؤول آخر في العالم. لذلك فإن الفصل الذي يتحدث عن لقائهما في لندن يبقى من أكثر فصول الكتاب إثارة. وكان من حظ كابريسيا مارشال أنها رافقت باراك وزوجته ميشيل أوباما في زيارتهما الرسمية للملكة في قصر «بيكنجهام» عام 2011، وهي قد تعودت، باعتبارها مسؤولة البروتوكول، على حمل حقيبة السيدات الأوليات، أي زوجات الرؤساء، أو حقائب شخصيات نسائية رفيعة أخرى أثناء اجتماعات القمة.

تبعاً لوظيفتها المعتادة، تقدمت كابريسيا من الملكة لكي تحمل عنها حقيبة يدها بينما كانت الملكة تتقدم لاستقبال ضيفها الأمريكي وزوجته. وهي تصف الموقف بقولها إنها حين رأت إليزابيث الثانية مقبلة عليهم أبدت ذعرها لمسؤول البروتوكول البريطاني الذي كان يقف بالقرب منها، في صف خلفي، قالت له «يا إلهي... إن الملكة تحمل حقيبتها». وفي تلك اللحظة مدت قدمها اليسرى وهمّت بالتقدم نحو الملكة لكي تتناول منها الحقيبة لولا أن مسؤول البروتوكول الملكي أوقفها وثبتها على الحائط بيديه الاثنتين وهو يهمس في أذنها «لا أحد يلمس حقيبة صاحبة الجلالة».

لماذا يُحظر المساس بحقائب الملكة إليزابيث؟!

ليست مجرد حقيبة

أصيبت كابريسيا بالارتباك وقدمت اعتذارها، لكن نظيرها البريطاني كرر عليها عبارته. إن التقاط الحقيبة من الملكة ليس مجرد خطأ شنيع لكنه يمكن أن يتسبب في أزمة دبلوماسية، وهي قد وعدته بألا تعيدها ثانية. لكنها طلبت منه أن يخبرها، على الأقل، بمحتويات حقيبة الملكة، وهنا أجابها «لا أحد يعرف ما تحمله جلالتها... لا أحد يمد يده إلى حقيبتها مطلقاً». لقد حفظت الدرس وفهمت، فيما بعد، الأسباب التي تجعل من حقيبة الملكة واحدة من الأكسسوارات المفضلة لديها.

فالملكة لا تستخدم حقيبتها للاحتفاظ بحاجياتها الضرورية فحسب، بل تعتمد عليها في إرسال إشارات ذات مغزى لمرافقيها والعاملين معها، فهي إذا علقتها على أعلى الساعد فإن ذلك يعني أن اللقاء الذي تشارك فيه يجري على ما يرام وأنها مرتاحة. أما إذا أنزلتها إلى كفها فإن على المرافقين أن يفهموا بأنها تود المغادرة.

نظراً للاهتمام العالمي الذي انصب على إليزابيث الثانية خلال السنوات الأخيرة، فإن محتويات حقيبة يدها كانت موضوعاً لتساؤلات كثيرة.

ومن أطرف تلك الأسئلة: هل تحمل الشيفرة النووية في حقيبتها؟

فمن المعروف أن زعماء الدول التي تمتلك أسلحة متطورة ورؤوساً نووية يحتفظون الرقم السري في مكان لا يعرفه غيرهم. لكن إليزابيث الثانية أبعد ما تكون عن تلك القضية، فهي تملك ولا تحكم، وكل خفايا التسليح وقرارات الحرب تتخذ في البرلمان ومجلس الوزراء، وليس في مخدع الملكة ولا مكتبها. مع هذا فإن ما تتكتم عليه في حقيبتها لم يعد خافياً على فضول العامة والصحافة. فهناك هاتف نقال تتصل فيه بأحفادها، وهي فكرة تروق كثيراً للإنجليز وتعكس تعلق المرأة التسعينية بعائلتها، مثل أي جدة من عامة الشعب.

حقيبة السهرة في المناسبات
حقيبة السهرة في المناسبات

مهما قيل عن المحتويات فإنها تبقى مثل غيمة غامضة. وها هي كابريسيا مارشال تتحدث عن عدد من اللحظات الثمينة التي أتيحت لها فيها فرصة لقاء الملكة وقضاء برهة معها. وباعتبارها كانت رئيسة للبرتوكول في البيت الأبيض لمدة 12 عاماً، فإنها أشرفت على تبادل بعض الهدايا الصغيرة بين كبار العالم، بل كان عليها أن تعثر على الهدية المناسبة للعديد منهم. فقد كان مطلوباً منها، مثلاً، أن تقترح فكرة هدية يقدمها الزوجان أوباما لملكة بريطانيا. أما فيما يخص الملكة فإنها لم تكن محتاجة لمساعدة أحد بل كانت تتصرف وكأنها مسؤولة البروتوكول الخاص بها. هل هناك من يملك مثلها خبرة 70 سنة في الجلوس على العرش والتعاطي مع الملوك والأمراء والرؤساء والزعماء؟

بعد محادثات طويلة مع باراك وميشيل أوباما استقر الرأي على إهدائها جهاز «آيباد»، لكن الهدية الرئيسية كانت محفظة من الجلد تتضمن كتاباً للصور والوثائق عن زيارة الملك جورج الخامس، والد الملكة، إلى الولايات المتحدة. وتقول مارشال في كتابها إن الزوجين أوباما كانا يحملان لملكة بريطانيا الكثير من التقدير، وتضيف «بعد البحث والتقصي وجدنا أنها تعتز اعتزازاً عالياً بوالدها، وهي تحتفظ بكل ما يتعلق به وبذكراه، ومن هنا جاءت فكرة الهدية». ولما حانت ساعة تقديمها لها، حبست كابريسيا أنفاسها وهي ترى الملكة تتصفح المحفظة وتقلب أوراقها. وتكتب «كنت أراقب تعبيرات وجهها لأعرف إن كانت الهدية قد راقت لها. وأحب أن أقول إنني لمحت دموعاً في عينيها، وقد التفتت نحو الرئيس أوباما وشكرته بامتنان على هديته».

عدا المحفظة الجلدية وجهاز «آيباد» من أحدث طراز، أهدى الرئيس الأمريكي لملكة بريطانيا دبوساً للصدر على شكل زهرة، وقد ارتدته أثناء استقبالها الرئيس دونالد ترامب عندما قام بزيارتها رسمياً في قصرها، عام 2019. هل أرادت الملكة، وفق عادتها، إرسال إشارة تدل على انحيازها للرئيس الديمقراطي أوباما، على حساب خصمه ترامب؟ تقول كابريسيا «يعجبني أن أعتقد بأنها كانت فخورة بالتزين بتلك الهدية الرئاسية كنوع من التذكير بالعلاقة التي توحد الأمتين البريطانية والأمريكية... لكنها وحدها تعرف مغزى اختيارها ذلك البروش بالذات في لقائها مع ترامب، مثلما أنها وحدها تعرف إشارات حقيبة يدها».

لماذا يُحظر المساس بحقائب الملكة إليزابيث؟!

ماذا يوجد داخل الحقيبة؟

مقالات كثيرة تناولت نوع الحقيبة التي تحرص الملكة على التمسك بها عبر السنوات. إنها من علامة «لونر»، سوداء لا تتغير، ذهبت موضتها لكنها ما زالت تبدو جديدة. مع هذا فقد شوهدت الملكة تستخدم حقيبة فاتحة اللون في الصيف، أحياناً، أو حقيبة صغيرة للسهرة في العشاءات الرسمية. وطبعاً فإن كابريسيا مارشال ليست أول من أصدر كتاباً يتضمن محاولات لكشف محتويات تلك الحقيبة. فقد سبق لسالي بيدل سميث، كاتبة السيرة الملكية، أن نشرت كتاباً بعنوان «الملكة إليزابيث: المرأة وراء العرش»، وفيه ذكرت أن جلالتها تضع في حقيبتها عوينات للقراءة، وأقراصاً بنكهة النعناع، ومرآة صغيرة وإصبعاً من أحمر الشفاه من نوع «كلارنس»، زينتها التي لا تتخلى عنها رغم أنها تجاوزت التسعين. وهناك لقطة نادرة لها وهي تفتح حقيبتها وتعدل أحمر الشفاه.

ماذا عن النقود؟ هل للملكة محفظة تضم بطاقة هويتها ورقم التأمين الصحي ومبلغاً من المال، مثل كل العباد؟ جاء في كتاب سالي بيدل سميث أن إليزابيث الثانية لا تحمل نقوداً سوى لأسبوع واحد، أو بالأحرى ليوم الأحد، إذ يقال إنها تحرص على أن تكون لديها ورقة من فئة 5 جنيهات أو 10 جنيهات استرلينية تطويها بعناية لكي تدسها في صندوق التبرعات بعد الصلاة الأسبوعية في الكنيسة.

بل يقال أيضاً إن إحدى المرافقات تتولى كي الورقة بمكواة دافئة وطيها بعناية على شكل مربع صغير قبل تسليمها للملكة لوضعها في المحفظة.

رغم كل التكهنات فإن من النادر مشاهدة الملكة وهي تفتح حقيبة يدها، أو تتركها في يد إحدى وصيفاتها. فماذا عن السيدات الأوليات اللواتي تلتقيهن ملكة بريطانيا على طاولة العشاء؟ هل يستخدمن محتويات حقائبهن عند الحاجة، بدون حرج أو خرق للبروتوكول؟ إن من عادة الأمريكيات النظر في مرآة الحقيبة وإصلاح زينتهن إذا استدعى الأمر. وتروي سالي سميث أن السيدة الأمريكية الأولى لورا بوش فعلت ذلك في مأدبة عشاء للسيدات في واشنطن، وهي تؤكد أن الملكة أخبرتها بأن لا بأس من ذلك.

ومن يبحث في خزانة العم «جوجل» يقع على تقارير تتحدث عن محتويات أخرى للحقيبة الملكية السوداء، منها، مثلاً، تمائم صغيرة تجلب الحظ، وصوراً لأفراد العائلة، ومطواة مثل الكشافة، وبعض قصاصات الكلمات المتقاطعة، مع قلم للحبر لأن جلالتها لا تميل للقلم الجاف. وهناك علبة بودرة صغيرة أهداها لها الأمير فيليب كهدية زفاف.

اقرأ أيضًا: ماذا تريد ميجان من معركتها الخاسرة مع العائلة المالكة؟